شكيب كاظم

حديث نقدي عن مشروع المبدعة ميسلون هادي

شكيب كاظم

تَواصل القاصة والروائية العراقية المبدعة ميسلون هادي، مشروعها السردي الأنيق من غير ضجة وزعيق تاركة لإبداعها ليعلن عنها، وعن مشروعها السردي هذا في خلق يقرب من التنسك والتصوف والزهد في بهرج الشهرة والدعاية، كما انها تواصل نقدها لظاهرة مغادرة الوطن، التي بدأت بالظهور في الحياة العراقية منذ بداية العقد السابع من القرن العشرين لتستفحل هذه الظاهرة بسبب اضطراب الأوضاع في البلد حتى أصبحت الحياة جحيما لايطاق، فيما قدم بين يدي هذه الظاهرة، ظاهرة المغادرة وهجرة الأوطان، قدم بين يديها الناقد الدكتور نجم عبدالله كاظم، كتابه الدارس والعائب لها الموسوم (هو مسيك في غبار المبدعين) الصادرة طبعته الأولى سنة 2011 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت، التي يقف على رأسها الناشر الكيالي. القاصة العاملة بصمت وهدوء، ميسلون هادي، تواصل نقدها لهذه الظاهرة ولها مسوغاتها، وهذا رأيها فلقد قرأت رائعتها الموسومة بـ(من جنات جرمانه إلى جنات البط ) نشرتها الزمان في 28 /8 /2012 كتبت عنها حديثا نقديا. ارجو ان يرى النور فيما تردف قصتها تلك بقصة رائعة عنوانها (جميلة هي السبب) نشرتها صفحة (نصوص) بجريدة (الاتجاه الثقافي) الجريدة المركزية لوزارة الثقافة، بعددها (107) الصادر في 18/ 11/ 2012 التي تواصل فيها إضاءة هذه الظاهرة المدمرة، وتبيان آثارها السلبية على الفرد العراقي والحياة العراقية، وحتى شملت المرأة المسنة التي تركها أشقاؤها وحيدة تواجه وحدها مصيرها المؤسي والفاجع نفهم ان أشقاءها تركوها وحيدة وليس ابناءها من خلال محاورة السائق الذي تولى نقلها من بغداد الى عمان الذي يسألها: هل أنت ذاهبة لزيارة الأبناء هناك؟ فتجيبه هذه المرأة المسنة التي أطلقت عليها ميسلون هادي اسما رامزا (جميلة) قائلة: كلا انا ذاهبة لزيارة الإخوة والأخوات جميلة تعاني من الخرف او ما يعرف طبيا بـ(الزهايمر) مرض ضعف الذاكرة لا بل فقدانها تدريجيا بسبب الشيخوخة، المبدعة ميسلون هادي لاتقول لنا ذلك بل تدع قارئها يحدس ذلك ويخمن انها تشير وتوحي وهذا هو الفن وهذا هو الإبداع تفهم ان جميلة تعاني ضعفا في ذاكرتها انها ذهبت الى الحدود العراقية الأردنية وعادت الى دارها لأنها اصطحبت جوازها القديم النافد المفعول.
يعني ماذا فعل؟
قالت العجوز.. الجواز هو السبب.. والكهرباء أيضا.. لدي ثلاثة جوازات موضوعة في ادراج مظلمة من الخزانة.. واحد بحرف الأس والثاني بحرف الأي والثالث بحرف الجي.. وحمدا لله اني عثرت على الجواز الصحيح هذه المرة وإلا تأخرت عن موعد المقابلة من اجل الفيزا.. غدا الخميس ويجب إن أكون في السفارة الأمريكية بعمان.. ولنقف عند الايماءة الذكية التي تومئ بها المبدعة ميسلون هادي، الى داء من أدوائنا المزمنة الكهرباء فانقطاعها كان سببا في عدم اهتداء جميلة الى الجواز الصحيح  ليست هذه الرحلة الأولى لجميلة الى عمان بحثا عن فيزا الهجرة، اذ سبقتها زيارتان أخريان الأولى بحثا عن تأشيرة دخول لألمانية والثانية لاستحصال تأشيرة دخول الى السويد لكن عبثا كانت الزيارة الأولى فضلا على الثانية فهذه المسكينة تركت وحدها تواجه مصيرها الفاجع وحيدة ونعمة الصحة والذاكرة تتسرب من بين أيامها رويدا رويدا حتى احالتها إلى ركام في رحلتها هذه بحثا عن فيزا للوصول الى أمريكيا تمضي اكثر من ربع ساعة في إقفال الباب والشباك وذاك القفص الذي يشبه أقفاص السجون وبعد القفص أقفلت الكتيبة التي تفصل الطرمة عن الحديقة وسائق سيارة الجي ام سي وبقية الركاب في الانتظار لكن من اجل تعميق مأساتها ولكي توحي لنا المبدعة ميسلون ان بطلة قصتنا جميلة تعاني ذاكرة غاربة محطمة تعيد العملية الى داخل البيت لأنها نسيت الموبايل في البيت وتصل جميلة الى عمان كي تنزل في دار شقيقها هشام في ضاحية الياسمين بعمان وحين يوصلها السائق الى الدار كانت الدار فارغة هنا تذكرت جميلة ان هشام قد غادر الى الدنمرك… الى المانية.. اقصد الى كندا.. لأنها لاتجيد استخدام هاتفها الجديد فقد كلفت الفتاة المسافرة معها للاتصال بهواتف أشقائها ولكن ما من مجيب فالكل منشغل بحياته الخاصة وأبنائه وعمله تاركين جميلة المدمرة بذاكرتها المعطوبة تواجه مصيرا معطوبا هو الآخر مجيبة السائق الذي سألها الا يعرف احد بحضورك فتجيبه.
– انا كنت قد اتصلت بحسام في امريكة ولكنه لم يرد.. والموبايل القديم ضاع.. وهمام رقمه غير صحيح، وهشام قال لشادية ان تأتي معي.. وشادية عندها ولادة  وزوزو لاتستطيع السفر وسعد لم يستحصل الفيزة الى عمان… ونونو تنتظرني.
– كانت جميلة تتحدث الى نفسها فلقد غادر الركاب السيارة كلا الى شأنه وتركوها هم كما تركها أشقاؤها وشقيقاتها تباعا في تسرب من بيتهم الفخم ذاك قرب شارع الضباط في بغداد، بيت الأهل الكبير الذي امضوا فيه حياتهم الماضية ولم تبق فيه سوى جميلة وحيدة إزاء هذا النكران وهذا الجحود لم يبق إمام جميلة هي التي قطعت الاف الكيلومترات نحو عمان سوى ان تعود ادراجها نحو مدينة الحلم، نحو بغداد، قاطعة الكيلومترات ذاتها.. فليس لكم ايها العراقيون. سوى العراق.. على الرغم من قساوة الحياة فيه… ما عاد لنا غيره… وهذا ماتهدف اليه القاصة المبدعة ميسلون هادي وتدعوا اليه، موظفة إبداعها القصصي من اجل التجذر بالوطن.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

عند شاي العروس

عند “شاي عروس” (ميسلون هادي) د. حسين سرمك حسن منذ ما يقارب عقدين من الزمن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *