شاكر خصباك: عهد جديد
نص دراستي للقصة في كتاب “التجربة الروائية في العراق في نصف قرن”
الذي يعرف شاكر خصباك يعرف أن له أسلوباً ونفَساً، وربما اتجاهاً وعوالم يكاد يحافظ عليها في عموم كتاباته القصصية، بدءاً بمجموعته الأولى “صراع”- 1948- وانتهاءً بآخر كتاباته، مروراً بـ”حياة قاسية”- 1959- وقبلها “عهد جديد”-1951-. وأبرز سمات هذا الخط وأسلوب الكاتب وعوالمه هو النهج الواقعي التقليدي الذي يذكرنا بكتابات القرن التاسع عشر الغربية، ولاسيما تشيخوف، وكتابات ما بين الحربين العربية، المصرية تحديداً. ولا تخرج عن هذا التعميم قصة الكاتب الطويلة “عهد جديد”- 1951- ضمن مجموعته الثانية التي صدرت بالعنوان نفسه، “والتي حاول فيها أن يعرض بعض صفحات من حياة عائلة عراقية وتصوّر الصراع القائم بين جيلين فيها، الأب والابن الأكبر، من خلال رسم دقيق التفاصيل في حياة هذه العائلة”()، على نحو لا يخلو من تطويل يسيء إليها، وإنْ لم يقتلها، خصوصاً أن للمقاطع الوصفية الطويلة جمالها الذاتي الذي يذكرنا بأسلوب واقعيي القرن الماضي، كما قلنا، وبالتحديد كتابات تشيخوف، وواقعيي ما بين الحربين المصريين،وخصوصاً محمود تيمور.
وملخص القصة أن (نجم) الابن الأكبر لوالديه، يفقد صبره من التعامل المتخلف لأبيه القصاب فيترك البيت. ويُحدِث هذا الفعل غير المتوقع للابن ردود فعل مختلفة من أفراد العائلة، فتتململ الأم خارجة من استسلاميتها، وتكلل الكآبة وجوه الأخ الأصغر والأختين، ويبدأ الندم بالتسلل إلى نفس الأب ليشرع بدوره في فعل التغيير في سلوكه وأفكاره. ولا ينتهي التوتر الذي يسود الجميع، خصوصاً بعد أن تلحق الأم بابنها، إلا بعودة (نجم) وأمه ليجدا الأب يصلّي عاكساً التغير الذي يطرأ عليه، لتنتهي القصة بعناق الأب والابن.
يفلح خصباك بشكل واضح في رسم عالم قصته من خلال متابعته لمفردات الحياة الشعبية التي انطلقت منها أحداث القصة، كما أنه ينجح ضمن ذلك في التقاط ملامح شخصيات مثل هذه العوالم، خصوصاً الأب. وعموماً تتميز شخصيات خصباك الحضور الحي، ربما لكونها نابعة من واقع شعبي مألوف وله وجود حقيقي في حياة المؤلف. وهو إذ يوفّق في اختيار مفردات قصته، وإذ تساعده في الكتابة لغةُ قصصية جيدة ومؤثرة، فإنه يسير بقصته بشكل مقنع بناءً وتقنيةً، حتى مع ما قد يؤخذ عليها من بعض الإطالات والتوقفات في الخط الدرامي أحياناُ، الأمر الذي يجعلها قصة متميزة في زمنها. أما هل هي رواية؟ فلا، وأعتقد أنا نضعها في مكانها الصحيح حين نقول إنها قصة قصيرة طويلة Long Short Story، وربما أمكن القول إنها مادةً كان من الممكن أن تكون رواية، لو أراد الكاتب وامتلك نفساً أطول.
شاهد أيضاً
دراسة عن دروب وحشية
تشكلات البناء السردي في رواية دروب وحشية للناقد نجم عبد الله كاظم أنفال_كاظم جريدة اوروك …