رجال ميسلون المتلصصون – نهضة طه الكرطاني

رجال ميسلون المتلصصون
8-7-2013
جريدة المؤتمر
نهضة طه الكرطاني

مجموعة من المقالات المهمة التي احتوتها دفتا كتيب (التلصص من ثقب الباب) للكاتبة والقاصة ميسلون هادي .. تركزت عن هموم النقد الأدبي فيما يخص الأدب النسوي وحملت الكثير من علامات التعجب والاستفهام في تناول هذا الأدب من كافة جوانبه وبكل ارهاصاته.. وقد طرحت الكاتبة مجموعة من الأسئلة الكبيرة في تناولها لمجموعة مقالات أو دراسات نقدية اختصت بهذا الموضوع وإشكالياته الكبيرة التي تؤطر هذا العالم الغامض والمثير للأسئلة وللجدل في كثير من الأحيان، خصوصاً وأن أدب المرأة أضحى في العقود الأخيرة أدباً لا يمكن تجاهله بأي شكلٍ من الأشكال وقد شكلت أديباته علامات فارقة في عالم الأدب بشكلٍ يستوجب الوقوف بل التوكؤ على أعمال الكثيرات منهن.
أن أهمية هذا الكتاب تكمن في تصديه لمحاولة إضاءة إشكالية قائمة بين تاريخ غائم من المواضيع الاجتماعية التي تضطهد المرأة وبين الخروج من هذا التاريخ. وتبحث الكاتبة في مصطلح الأدب النسوي عبر مقالات عدة تبدأها بـ(صوت الأنثى) لنازك الأعرجي التي تؤكد أن مصطلح الأدب النسوي يميز الكاتبة ولا يعزلها لذا فهي تدعو الكاتبات إلى عدم الانزعاج من هذا المصطلح وتدعوهن إلى التمسك به والعمل كفريق واحد للتباري وإثبات الجدارة وتستغرب الأعرجي لماذا يواجه هذا المصطلح بكل هذا الرفض القاطع ويدفع به إلى التسفيه والاستخفاف وما أن تسأل اية كاتبة عن الأدب النسوي حتى تجيبك على الفور “بأنه لا يوجد أدب نسوي أنا، أكتب أدباً إنسانياً”.. وكأنها بذلك تتهرب من عقدة الانعزال، ولكنها تعود وتسوغ للكاتبات تحفظهن على هذا المصطلح بأنهن لا يعترفن بإمكانية انطوائه على البراءة وحسن النية ويرفضن وضع أعمالهن الأدبية ضمن هذه الخانة.
ولكن الأعرجي كانت عنيفة في ردها في (كتابها صوت الأنثى) ضد الكاتبات اللواتي احتقرن انوثتهن واخترن الانضمام إلى صف الرجل طلباً للحماية من أعراف المجتمع إذ أن الكاتبة دائماً تخاف أن تحال (معرفتها) المتجلية في عالم قصتها إلى تجربتها الشخصية وبذا فإن فضاء الحرية هو ما يعوز فضاء القصة التي تكتبها الكاتبات العراقيات بشكلٍ خاص. ومن هنا فهي تدعوهن للبقاء في خانة الأنوثة التي إن غادرنها سيصبن بالاسترجال وربما الوقوع في خانة الذكور بما فيها من مبالغة وجرأة لا تصلح للمرأة إلا في خوض المعترك السياسي.
أما في مقالة الدكتور الناقد محمد صابر عبيد فتعيب عليه الكاتبة ميسلون هادي تسخيره لكل أدواته النقدية من أن أجل أن يبخس الرواية النسوية حقها وهو لم يفعل ذلك بطريقة خفية ولكنه يهاجم بطريقةٍ صريحة تريد اخلاء الساحة من اللاعبات وإعادة الملعب لأهله. وتعيب ميسلون على عبيد تركيزه من خلال انتقاءه لأعمال بعض الكاتبات العربيات على الجانب الإيروتيكي من الأنوثة ومغازلة القارئ المكبوت بنصوصٍ جريئة.. ومع إننا نوافق الدكتور وجهة نظره لأن هذا النوع من الروايات يحيل إلى جانب الجرأة المقصودة للشهرة لكننا نعيب عليه تعميمه بصورة ماحقة على الأدب النسوي لاغياً العلاقة الطردية بين متغيرات المجتمعات العربية وبين استجابة المبدعات لهذه المتغيرات وبذا فإنه تبنى النظرة الذكورية السائدة في المجتمع تجاه المرأة فيصف خطابها الثقافي بأنه “لغة سردية مضادة ضعيفة الإنتاج والصيرورة والتقدم والنضج لأنه كما يدعي يسير في نسقٍ واحد ويخضع لمقولةٍ سردية واحدة وله وجهة نظر واحدة. وقد تناسى الكاتب التطور الكبير الذي حدث على الأدب النسوي خلال أعوام وأعوام ودأب الأديبات في تطوير أساليبهن المعرفية باستمرار.
وبدلاً من الخوض في الأبعاد السياسية والاجتماعية لمفهوم النسوية الذي لا يعني جنسنة الكاتب بقدر عنايته بترسيخ حضور المرأة الفاعل داخل اللغة والمجتمع فالكاتب صابر عبيد يثير عاصفة هوجاء من التساؤلات والشكوك. وكان الأجدر به أن يأتي بنظرة أو رأي مغاير للنظرة النقدية السائدة بشأن مفهوم الجرأة في الأدب ولا يعمم ما ارتكن إليه من نماذج أدبية لأديبات تعكزن على الجانب الايروتيكي على الأدب النسوي ككل، فهناك الروائيات العربيات المكافحات من أجل التنوير والترقي داخل مجتمعاتهن الذكورية الظالمة.
وتعود الكاتبة ميسلون لتعلن رفضها ارتباط المرأة عبر التاريخ بالمظهر الجمالي فقط الذي يجعلها حبيسة الشكل وينأى بها عن الفكر عبر كل الحضارات وهو ما ألهم الشعراء على مر العصور، وتستغرب الكاتبة أن الشاعر الكبير أدونيس الذي عاب على المجتمعات العربية تراجعها فيما يخص حقوق المرأة وفي الوقت نفسه عندما سُئل عن رأيه في مؤسسة الزواج قال أنه يجده قيد على المرأة ويدعوها إلى أن تتمرد عليها ويتناسى أو لعله لم يفكر بما يمكن أن يجره هذا على المرأة من ويلات وواجبات مضافة بل وتقييد لحريتها حينما تجد نفسها رهينة طفل بلا أب بعدما يهرب الأب بفعلته التي لا يحاسبه عليها المجتمع وتظل الأنثى هي من يتحمل المسؤولية.
أن ما يصيبنا بالإحباط من آراء أدونيس… والكلام للكاتبة إنها تنظر للقضية أما يسار أو يمين وبذا لا يختلف عن كثيرين أرادوا التحرر من قوالب المجتمع ونظرته فوقعوا أسارى الاستعارات العالية للحرية من الغرب فكان الضياع بين المحظور والمبتذل.
أما في استعراضها لكتاب (التجربة الأنثوية) للكاتب صنع الله إبراهيم، فتجد ميسلون إنه لم يستطع إلا أن يقدم أفضل ما لديه حينما وقع في ازدواجية الفكر في نظرته إلى الكتابات الجريئة للنساء من منظور الرجل المقتضب. فيجمع أحد عشر نصاً من الإنكليزية يؤكد فيها أن كاتباتها ركزن على موضوع الجنس ومع أنه ينفي صفة الابتذال عن هذه الاعمال إلا انه لا ينزهها من السقوط في فخ الإثارة والابتعاد عن الروح الأدبية، وهكذا وضع الجرأة في جراب الجنس.
وتواصل هادي القول، أن الناقد العربي غالباً لا ينظر إلى ما تكتبه المرأة مباشرة وإنما ينظر إليها من خانة الأدب النسوي وما من شيء غريب في هذه الطريقة من النظر حتى وأن كان طرفاها من أصحاب العقول المبدعة لأن كلاهما ترعرعا في مجتمع تقليدي وخاضعان لقانون اجتماعي واحد قائم على توريث السلطة وبذا تكون الرجولية هي القيد الذي لا يفلت منه إلا من كان ذا حس إنساني عالٍ بالواجب من الأدباء فهم من جهة جزء من مجتمع أورثهم هذه القيم ومن جهة أخرى تقدميون عليهم أن يسبقوا عصرهم ومجتمعهم بخطواتٍ إلى أمام وجزء من هذه التقدمية هو المناداة بتحرر المرأة والزمن كفيل بترجيح كفتي الميزان ويقول كلمته الأخيرة في هذا السجال.
وتسجل هادي أن التاريخ بسبب أحاديته الذكورية قد حرمنا من معرفة (شغل النسوان) فلم نرَ العالم إلا من وجهة نظر الرجل الذي يستصغر المرأة وقدراتها العقلية ولا يأخذ بها مناوئاً له، وقد انسحبت هذه النظرة المجحفة عن المرأة إلى المرأة ذاتها التي هي الأخرى أصبحت تكبل نفسها بالقيود التي أورثها لها الرجل عبر عصور من العادات والتقاليد والمسلمات والثوابت …. فكم يكون جميلاً أن نر العالم من جهة القلب حينما تكتب المرأة بعيداً عن تسلط الرجل وذكورته.
وهذا ما ركزت عليه الباحثة المغربية فاطمة المرنيسي في كتابها (العابرة المكسورة الجناح… شهرزاد ترحل إلى الغرب) الذي كما تقول ميسلون هادي انها ناقشت فيه كيف تم التركيز على الجانب الأنثوي المثير للغرائز في قصص ألف ليلة وليلة التي تناقلها الغرب بعيداً عن النظر إلى قوة المرأة وذكائها ومن هنا تنطلق المرنيسي بسؤالها كيف لم يجد الغرب في حكايات ألف ليلة وليلة سوى لغة الجنس والإثارة والإباحية؟ ولماذا نسجوا صوراً شهوانية عن الحريم رسمها المستشرقون فيما بعد؟
مع أن هذه الحكايا بطبيعة الحال تعطي صورة عصر بأكمله من جميع جوانبه، وتقول المرنيسي أن المرأة صورت هكذا لأنها كانت أمهر من الرجال لذا فقد همشت وصورت على أساس جنسي بعيداً عن الفكر والذكاء، لأن مثل هذا الأمر جريمة كما يقول أدغار الن بو وغيره. وهذا ما يؤكد وجهة النظر التي خلصت لها الكاتبة المرنيسي بوجود حريم في ذهن الرجل الغربي أكثر استبدادية من استبدادية حريم الشرق.
وتخلص الكاتبة ميسلون إلى أن الأمر عندما يتعلق بالمرأة الكاتبة فإن الكثيرين من نقادنا وكتابنا يضعونها في جراب واحد هو جراب الجرأة في التعبير عن التجارب الحسية ومع أن الكاتبة لا تريد أن تبخس مثل هؤلاء الأديبات جرأتهن في تحدي قيم وموروثات المجتمع ولكنها تعود لتطرح سؤال هل هذه جرأة فكرية تخص المسار الجدلي لأفكار قديمة تتصارع مع أفكار جديدة أم إنها جرأة اجتماعية تشبه ارتداء سروال ضيق أو تنورة قصيرة.
أخيراً تفرد الكاتبة في كتيبها مساحة أخيرة لتجربة الشاعرة سهام جبار التي تخرج من التاريخ لتكتب وتقدم رؤيتها الفلسفية الخاصة عن المرأة خارج مفهوم الأنوثة بالمعنى السالب للكلمة. فتقدم في ديوانها (قديماً مثل هيباشا) نصوصاً تعلي من شأن المرأة والأديبة على حدٍ سواء بعيداً عن الاسفاف.
قديماً مثل هيباشيا/ ليست يداي سوى يديك/ وفمك شفة مثل شفتي/ وأنت بعض ظلامي وليس يكفي غير الظلام ليكتمل/ عرش مستوحدة.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

ميسلون هادئ……غزارة الإنتاج وبراعة الأداء.

ميسلون هادئ……غزارة الإنتاج وبراعة الأداءمن الأحداث الفارقة والمائزة في حياتي،هو اللقاء بالروائية المبدعة ميسلون هادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *