ربع قرن على الرف

ربع قرن على الرف

د. نجم عبدالله كاظم
في أيام دراستي في إحدى الجامعات البريطانية كان لي في مكتبة الجامعة، شاني شأن طلبة الدراسات العليا جميعاً مكتب مستقل أضع عليه ما أنا بحاجة إليه من الكتب التي أستعيرها من المكتبة وتضطرني حاجتي إليها في دراستي إلى حجزها. وذات يوم وجدت رسالة قصيرة على مكتبي يرجو فيها صاحبها، وهو طالب إنكليزي، أن التقيه في موعد عيّنه لأنه يحتاجني في أمر مهم. وحين التقينا فيما بعد علمت منه أنه قد انتبه إلى استعاراتي المستمرة لأعمال وليم فوكنر وما كُتب عنه. ولما كان الطالب يُعِدّ رسالة تخرّج عن الكاتب نفسه، فقد رأى ان نلتقي ليرى كل منا ما يتناوله الآخر وما يراه في أدب فوكنر مما يمكن أن يحقق فوائد متبادلة، وهذا ما حصل فعلاً.
تذكرت هذا الطالب وهذه التجربة الطريفة والمفيدة عندما استعرت مؤخراً، وأنا اشتغل في بحث عن ملامح التاثير الكافكوي في الرواية العربية، مجموعة من الكتب لكافكا وعنه من مكتبة كلية الآداب. فعلى عادتي، التي صارت عندي منذ ذلك اللقاء بالطالب الإنكليزي، رحت أتفحص بطاقات استعارة هذه الكتب، وهنا كانت المفاجئة الدالة والطريفة أيضا ولكن غير المفرحة. فقد وجدت أن آخر مستعير سبقني للكتب كان الصديق المترجم محمد درويش، ولكن عندما كان طالبا، وعلى وجه التحديد في العام 1971، أي قبل حوالي ربع قرن.
أثارني ذلك بل جعلني أفكر: هل أصبح الكتاب أمراً غير ضروري، وفي مكتبةِ كليةٍ زادُ طلبتِها يجب ان يكون الكتب والكتب فقط، أم أن طلبتنا هم الذين لم يعودوا يقرؤون؟.. شعرت بأسى وأنا أخرج بنتيجةٍ مفادها أن طلبتنا فعلاً لم يعودوا يقرؤون. ولكن ما علة ذلك؟ وكيف الخروج من هذه الحالة غير السوية وغير الطبيعية؟ لو سألنا الطلبة أنفسهم عن ذلك لتلقينا في الغالب جواباً جاهزاً بات حجة لكل متكاسل يتكئ عليها ليقنع نفسه ويحاول إقناع المقابل بها، نعني الحصار والظروف الصعبة الناجمة عنه والتي تحول بينهم وبين القراءة ومراجعة المكتبة. ونحن نقول: صحيح ان للحصار الظالم وللظروف الناجمة عنه، الاقتصادية منها بشكل خاص، علاقة بانخفاض الرغبة في القراءة وفي ضيق الوقت الذي يتبقى للطلبة، العاملين غالبا بعد الدوام وربما أثناءه، لمراجعة المكتبات والمطالعة، لكن هذا لا يمكن أن يسوّغ نبذ كتب على رفوفها، كلية آداب، ربع قرن. جريدة (الجمهورية)- بغداد، 1994

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

رعب كافكوي في قصص يحيى جواد

رعب كافكوي في قصص يحيى جوادقراءة لمجموعة “الرعب والرجال” في ضوء المنهج النفسيمنشورةأ د. نجم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *