ميسلون هادي
ميسلون هادي :
أعتبر نفسي لم أكن موجودة عندما كنت خارج العراق
لقاء قام به : محمد إسماعيل / بغداد
جريدة الجمهورية
ميسلون هادي قاصة وروائية عراقية اقتحمت الوسط الثقافي في مطلع الثمانينات بمجموعتها البكر “الشخص الثالث” وتحديداُ في عام 1983 للتبعها بمجموعتها الثانية “الفراشة” – 1985- ثم “أشياء لم تحدث” – 1992 – و”رجل خلف الباب” – 1994 – فرواية “العالم ناقصاً واحد” – 1996 – ثم مجموعة “لا تنظر إلى الساعة” – 1999 – ومجموعة “رومانس” – 2000 – وأخيراً رواية “يواقيت الأرض” – 2001 . للكاتبة إضافة إلى ذلك تجربة طويلة في المتابعات الثقافية والأدبية والنقدية والصحفية . التقيناها ، قبل سقوط بغداد ، في هذا اللقاء الذي بدأناه بـ “يواقيت الأرض” التي قالت عنها الكاتبة :
– “يواقيت الأرض” رواية تستعرض تحديّات الغزو الثقافي للإنسان العربي ، من خلال بطل يحاول التخلي عن التزاماته ، فيضيع .
* وعن رواية “العيون السود” التي هي تحت النشر* قالت :
– في رواية “العيون السود” أقدم بانورما مصغرة للمجتمع العراقي خلال الحصار ، عبر زقاق تقطنه عدة عوائل . وهي أولى تجاربي في تعدد الخطوط الدرامية ، إذ دارت الرواية في عشرة بيوت تضم عشر عوائل والعديد من الشخصيات خلال عام 1998 المشحون بوقائع كثيرة ضمّنْتها الرواية منها : عدوان الرجعة ، وعودة الأسرى ، وزيارة كوفي عنان ، وفوز نادي الشرطة بالدوري ، حيث أكدت الرواية على حقيقة واقعة أفرزها الحصار ، هي أن الناس الجيدين ازدادوا جودة خلال الحصار .
* هل تجدين الأدب يتمفصل بين (نسوي) و (رجالي) ؟
– هذا مصطلح عفا عليه الزمن .. والمصطلحات مثل الموضة ، كل مدة يطفو مصطلح أو مدرسة أدبية ، ثم يخبو نجمها . الآن الأدباء صاروا أسماء وتجارب يصعب تحجيمها في خانات النقد . ربما صحّ هذا المصطلح في زمن كانت المرأة فيه محصورة في ضيق الرومانسية ، أما الآن فصارت لها تجربتها الواسعة ، التي تنهل من مديات فكرية واجتماعية مفتوحة كالرجل تماماً .
* ما آخر ما انتهيت منه ؟
– بعد صدور مجموعة “كومبارس” في دمشق ، وقرب صدور رواية “العيون السود” في عمّان ، أفكر بجمع آخر قصصي القصيرة في مجموعة جديدة ربما أدفعها إلى النشر خلال الأشهر القادمة ، كما أعكف على المراجعات الأخيرة لمخطوطة رواية جديدة بعنوان “الحدود البرية” . إضافة إلى ذلك آمل أن تصدر لي قريباً مجموعة من القصص الأجنبية ترجمتها عن الانكليزية .
* انتقالاً إلى ما يعتمل في دواخل كاتبتنا نسأل : ما أشد الهاوجس بريقاً في فضاء ميسلون هادي؟
– هاجس قديم كان يلح عليّ بإنهاء دراستي للماجستير في معهد التاريخ العربي والتراث العلمي ، وضمن مرحلة بدايات القرن العشرين وحتى منتصفه لأخرج منها مع الماجستير برواية ، لكني عندما قدمت للمعهد لم يقبلوا طلبي لأن شهادة البكلوريوس التي أحملها في الإحصاء كما تعلم ، فصرت اعكف على درسة هذه المرحلة ذاتياُ ، فهي مرحلة أغنتها الدراسات والبحوث ، ولكن لم يكتب عنها عملاً درامياً سوى عبدالخالق الركابي الذي كتب عن الجانب الريفي منها ، وأنا أريد جانبها المديني .
* نعرف أنك قضيت فترة في الخارج ، فما هي حصيلة تجربتك في الغربة ؟
– الغربة تأخذ ولا تعطي .. فالذين طالت غربتهم نضب خزينهم الوجداني أو كاد . الغربة نار والعراق جنة .. وأنا أعتبر نفسي غير موجودة عندما كنت في خارج العراق ، وعندما عدت إليه عدت إلى نفسي قراءة وتأملاً وانتماءً . أولادي كانوا يشعرون بأنفسهم أسرى هناك .. ابني الكبير قال مرة : لو وضعنا محلة اليرموك في كفة والعالم في كفة لمال الحنين بي إلى كفة اليرموك . العراق جذور الكون .. عمق الإنسانية الحضاري .. لقد شربنا ملح الأرض منه .. إنه فرن يُنضج الابداع والرهافة والرومانسية ، الأمر الذي أعطى للإنسان العراقي مواصفات متفوقة لا تتوفر في كل ما شاهدت وخبرت من العالم .
* وكيف ستوظفين هذه المشاعر والأفكار في الكتابة ؟
– هذه المشاعر والأفكار كنت أعرفها سلفاً قبل أن أجربها ، ولم أكن ناوية اختبار نفسي ، لكن القدر وضعني في هذه التجربة على مدى سنوات ، ولا تدري كم ذرفت من دموع حينما كنت أروّج معاملة السفر ، فأنا أعرف أنّ مكاني هو العراق . هذا الإحساس ليس موضع تجربة ، فللعراقي حنين لا شبيه له ، فغير العراقي قد يتأقلم مع أي مكان يجد القدر قد ألقاه فيه ، لكن العرافي لا يتأقلم . هذا شعور الإنسان العادي ، فكيف بحساسية الكاتب الاستثنائية ؟ إن بغدادي معشوقة .. ويكفي الاطلال على دجلة لتنهمر في مخيلتي آلاف القصص .
* وماذا عن التفاوت بين الساحة الأدبية العراقية وسواها ؟
– الضوء قليل على الأدب ، لكنه يتمتع بمميزات تتفوق على سواه ، إلا أن الحصار الذي خيّم على العراق طويلاً غيّب الأسماء والتجارب العراقية عن المؤتمرات واالتجمعات العربية والعالمية . لذا نجد كتّاباً عرباً أو أجانب أخذوا مساحات واسعة من الاهتمام وهم دون مستوى الأديب العراقي بكثير . لذا فإن الأديب العراقي بحاجة لتحرك جدّي من قبل المثقفين العرب ، وليس هو الذي يسعى ، بل يجب تنظيم الأمر من قبل مؤسسات متخصصة تجعل الثقافة العربية والعالمية تسعى إليه .. مثلما هو حاصل في معظنم الساحات العربية الاجنبية .