الكاتب العراقي يشعر بأنه أذكى من واقعه فيتعالى عليه
ميسلون هادي: أنظر للعالم من خلال هويتي كامرأة
بغداد – صفاء ذياب
منذ أن أصدرت مجموعتها القصصية الأولى (الشخص الثالث) في العام 1985، وضعت ميسلون هادي بصمتها في عالم السرد العراقي، وبعد أن توالت كتبها القصصية والروائية مثل أساطير الهنود الحمر، رجل خلف الباب، العالم ناقصاً واحد، الحدود البرية، حفيد البي بي سي، وروايتها الأخيرة زينب وماري وميسلون، استطاعت من أن تقول كلمتها السردية، لتعد من الكاتبات اللواتي أثرين الأدب العراقي بعدد مهم من القصص والروايات.
عرفت ميسلون هادي (بغداد 1954) فضلاً عن كتابتها النص الإبداعي، العمود الصحفي واهتمت بالكتابة عن العولمة والهوية الثقافية. ووصلت روايتها “شاي العروس” للقائمة القصيرة في جائزة الشيخ زايد عام 2011، كما نالت جائزة باشراحيل لأفضل رواية عربية، عن رواية “نبوءة فرعون” عام 2008. وجائزة أندية الفتيات في الشارقة/ الرواية، عن رواية “العيون السود” عام 2001. والجائزة الذهبية لمنتدى المرأة الثقافي في العراق، عن مجموعة “لا تنظر إلى الساعة” عام 1997.
عن مسيرتها الإبداعية والشأن الثقافي العراقي، كان لـ”ملحق أدب وثقافة” هذا الحوار:
* التلقائية والوضوح كانت سمة كتاباتك الأولى، من خلال مجموعتك الصادرة في العام 1985 (الشخص الثالث)، هل زادت الخبرة والتقنيات الكتابة الجديدة من غموض ميسلون هادي؟ وكيف يمكن أن نطرح نقاء الروح والرؤية في النص الإبداعي؟
– لا يمكن فصل الكاتب عن شخصيته في الحياة، وإذا كان هذا الكاتب امرأة تعيش في مجتمع محافظ كباقي النساء، فالعلاقة بين وضعها الاجتماعي وتاريخها الشخصي والعام وبين نصها الإبداعي علاقة وثيقة. وهذه المتعلقات الاجتماعية ستلقي بظلالها المتشعبة على ما تكتبه من نصوص، ولكن مع تراكم الخبرة وتقدم العمر يخف تأثيرها قليلاً أو كثيراً، وهذا ما حدث مع روايات دخلت في مناطق حرجة وغريبة كـ(حفيد البي بي سي) و(زينب وماري وياسمين) اللتين كانتا تجربتين احترافييتن تنتميان إلى عالم البحث عن التجارب الخبرية المضافة؛ بالطبع، إلى تجربتي الوجدانية وباقي خبرات وأدوات الكتابة. أما في بداياتي فقد كنت كائناً زمنياً لا يهتم كثيراً بالشخوص أو الأمكنة بقدر اهتمامه بارتباكه إزاء عبوره السريع للزمن الذي يعيش فيه. هذا الكائن الهائم بالوجود إذا أضفنا إليه طبيعته الهادئة وقسمناه على الحواس الست، سيكون حاصل الجمع والقسمة كياناً شاعرياً يستقبل ذبذبات بعيدة من الكون وتستوقفه حيرته الدائمة إزاء تكرارها. بالنسبة للغموض فإنه مرتبط بالشعر أكثر من النثر. وقد عملت ولا زلت أعمل في منطقة قريبة منه هي بنية الايهام، مستجيبة لحلم يقظة متواصل عن الحنين المستمر لبراءة العالم الذي يتوحش. وأثناء ترجمة ذلك الحلم إلى قصص كانت الاشارة تصطدم بأتفه التفاصيل التي قد تترك بلا تسميات محددة لكي لا تفسد الحلم. وهذه واحدة من أصعب المشكلات التي تواجه الكاتب العراقي الذي يشعر بأنه أذكى من واقعه
فيتعالى عليه. ومن هنا كانت قراءتي للواقع تبدو قريبة من الحلم، إلى أن كتبت الرواية فنظرت إليه من نافذة واسعة في بيت الحلم.
* كيف يمكن تلمس التطور الذي طرأ على رواياتك من جهة، وعلى قصصك من جهة أخرى؟ وما الأساليب التي تنامت في أعمالك السردية؟
– هذا التطور أحسه بقوة لدى مراجعة قصصي الأولى التي أشعر أنها تحتاج الى بعض التشذيب. فأحياناً تكون اللغة في بعض القصص المبكرة، انفعالية أو متأثرة بعامل خارجي معين لا علاقة له بالشخصية. كذلك فأني في بداياتي تحدثت كثيراً إلى نفسي أكثر من حديثي إلى الآخرين. ولو قيِّض لي أن أنشر تلك القصص ثانية لخففت من غلواء اللغة فيها وجعلتها أكثر بساطة. كما تعلم فأن كل مهنة تعطي أفضل ما عندها وتفلق صخور الأرض في فورة الشباب، إلا في الكتابة فإنها لا تفعل ذلك إلا بعد سن الكهولة. ولربما أشعر بالفرح لأن فورة الشباب لم تجعلني أقدم أجوبة جاهزة أو هتافات حماسية أو مواقف منفعلة، وإنما قدمت دائماً حالات وأفكار قد تخلق جدلاً ما عندما تنتقل من الحياة الى الورق لا لكي تحاكيها ولكن لكي تخلص إلى أفكار جديدة وتنقل وعياً مختلفاً إلى المتلقي. الكتابة بحد ذاتها هي مختبر لتفاعل الأفكار وأنتاج أفكار مختلفة، وهذا المسار الجدلي لا يحدث فقط بين الكاتب ومجتمعه، ولكن يحدث أيضاً بين الكاتب ونفسه باستمرار، فيتغير الكاتب ويتطور. وإذا كان السؤال الأهم هو: ماذا يتبقى من ذلك؟ فأنا أعتقد أنه سيتبقى الكثير وأن أية كلمة تمكث في هذا الزمن الوعر ستخلق القارئ النوعي الذي نتوق إليه، خصوصاً وقد دخلنا عصر الانترنت، هذا المتغير الجديد الذي قلب الدنيا رأساً على عقب، وجعل بالإمكان ضرب عشرة عصافير بنقرة واحدة.
* في روايتك (حلم وردي فاتح اللون) اشتغلت على أحداث السنوات الثلاث الأولى من دخول القوات الأميركية لبغداد، ونلاحظ في هذه الرواية أنك اشتغلت على الحياة الاجتماعية والتعليمية، عن طريق السرد الدائري، هل كانت هذه الرواية إدانة للاحتلال، أم لكشف الواقع المعيش، أم لإدانة المواطن؟
– الرواية كانت تريد استعادة بغداد من خلال حلم وردي تتقاسمه ثلاث نساء هن البطلة فادية وجارتها الصابئية ختام وصاحبة البيت آني المسيحية أم ياسر المطارد بسبب موقفه من صديقه الذي يعمل مترجماً مع الأميركان. الرواية تقدم الأزمة الأخلاقية التي عاشها الجميع عن كيفية التعامل مع الإحتلال. فهو مدان بكل المقاييس من خلال صورة الخراب التي أصبحت عليها بغداد بعد الحرب، ومن خلال موقف ياسر الذي درس الموسيقى في أميركا، ولكنه يعود كارهاً لصديقه الذي عمل مترجماً معهم. إنها تقدم مأزقه الأخلاقي مع عدة حالات إنسانية ذات أبعاد ثقافية مختلفة تلتقي عند نقطة واحدة هي تعلق العراقي بوطنه. فختام ترفض بيع بيت أهلها للالتحاق بخطيبها المهاجر، وياسر يدخل السجن بدلاً من أن يهرب إلى خارج الحدود، وفادية تتنظر خروجه من السجن حالمة بحدوث ذلك في نهاية المطاف، وهذا أفضل من ذهابه إلى المنفى إلى غير رجعة.
* ابتعدت في روايتك (حفيد البي بي سي) عن الواقع العراقي المشبع بالحرب والأزمات، وهربت إلى السخرية في السرد، ما الذي دفعك للتجريب؟ وهل يمكن أن نعد هذه الرواية من الكوميديا السوداء؟
– تكوين الرواية يصبح بتراكم الخبرة أكثر صعوبة وليس أكثر سهولة كما يعتقد البعض، فالكاتب يتغير ويتطور ويدرك أبعاد سجنه المترامي من حيث مركزية اللغة وكيف تكون هذه المركزية هي انعكاس لمركزيات أخرى تتشكل اجتماعياً وفق مواضعات تتراكم بمرور الزمن، مما يعني ابتعاده عن الإيمان بمعطيات خالصة أو بوجود حقيقة موضوعية. هذا ما جعلني أنعطف إلى السخرية في روايتي (حفيد البي سي سي) التي تتصدى لتفكيك الواقع عن طريق التهكم والسخرية. كان من المفاجئ أن أكتب في السخرية، ولكني شعرت بالملل من كل هذه المآسي والأحزان سواء في رواياتي أو في السرد العراقي بشكل عام، فتحديت نفسي بهذا العمل بعد أن فرضت شخصية الرقيب نفسها على الرواية، فوجدت إنها تُكتب بشكل ساخر منذ الصفحات الأولى… ومن خلال تلك الشخصية وما يحيط بها، سيعيش القارئ سخرية لاذعة من الأحداث التي مر بها العراق والوطن العربي خلال نصف قرن من الزمان مقدمة بعدة وجهات نظر يغلب عليها سلطة الجدة العظمى شهرزاد التي تعشق الحروب والثورات والانقلابات، وتجمع حولها شلة من العجائز المرحات، ولا تعترف بالرجال رجالاً إلا إذا ترددت أخبارهم في البي بي سي. يبدو أن صداقة جدتي رحمها الله مع الراديو قد ألقت بظلالها على الرواية، وكان هناك طيف ضعيف منها في الشخصية، وأيضاً هناك طيف أقوى من الواقع لشخصية بدر. أما باقي الشخصيات فخيالية فرضت نفسها على الرواية ولكنها ذات ملامح واقعية محلية وليست مخترعة تماماً. هذه التجربة سببت لي القلق الشديد لأنها مختلفة تماماً عن تجاربي السابقة، ولكني وجدتها ضرورية من أجل نقل السرد العراقي الى مستوى جديد من التعامل مع الواقع المأساوي من خلال التهكم عليه، وقد سبقتنا الصحافة الى هذا النوع من التعامل من خلال الكاريكاتير والمقالات الساخرة، ومن الضروري أن تنتقل هذه الروح الى الخطاب السياسي والأدبي في العراق، لأن هذه الروح تخفف من الاحتقان وتجعلنا نتقبل النقد والرأي الآخر. فإذا سخرت من نفسك فلن يضيرك أن يسخر منك المناوئون أو الأنداد.
* كيف تنظرين إلى الأدب والنقد النسوي؟ وهل يمكن أن نعد رواياتك الأخيرة منتمية لهذا الأدب؟
– هذا المصطلح تتعدد التعريفات حوله لأنه قد لا يعني فقط الأدب الذي تكتبه المرأة وإنما الرجل أيضاً. وحسب بعض النقاد؛ كالدكتور عبد الله ابراهيم، فإنه ينبغي التفريق بين كتابة النساء، والكتابة النسوية، فالأولى تتم بمنأى عن فرضية الرؤية الأنثوية للعالم وللذات إلا بما يتسرّب منها دون قصد، وقد تماثل كتابة الرجال في الموضوعات والقضايا العامة. أما الثانية فتتقصّد التعبير عن حال المرأة استناداً إلى تلك الرؤية في معاينتها للذات وللعالم، ثم نقد الثقافة الأبوية السائدة، وتفكيك النظام الأبوي أو فضح عجزه. وفي السياق نفسه يقول الدكتور ابراهيم إنه من المنتظر أن تأخذ تجربة السرد النسوي العربي في حسابها، مخاطر الاندفاعات المتطرفة التي شهدتها الآداب الأخرى منذ منتصف القرن العشرين، وحاولت نقض الأدب الذكوري إلى درجة المحاكاة الضدية، أو الانكفاء المغلق على الأنوثة.
وبشكل عام فأنا أتبنى التوصيف الذي يقدم الخطاب النسوي على أنه مختلف عن الخطاب الرجولي وليس معادياً له، بمعنى أنه ليس أفضل منه ولا أسوء، ولكنه مختلف باختلاف المرأة الجوهري عن الرجل من حيث اهتمامها بالجمال
والسلام وديمومة الحياة، بينما الرجل مهتم بالصراع على النفوذ والسلطة، وعليه أن يتظاهر بالقوة حتى وإن لم يمتلكها. كما وما زالت فكرة الامتلاك تسيطر على وعيه في نظرته المقتضبة إلى المرأة بصورة الجسد لا العقل… ولكن لو قيض للرجل أن ينفذ الى وعي المرأة لوجد الفكرة الأهم فيه هي الحفاظ على ديمومة الجمال، وعلى الإهتمام بحياة جميع المخلوقات، وعلى طمأنينة البيت وإدارته بالحنان لا بالعنف. مع الأسف، فإن الرجل يعدُّ ذلك غباء، ويسمي هذا العقل بعقل نسوان (يعني أنه أقل أهلية من عقل الرجل). بينما هذا العقل هو الذي يعطي للوجود معناه الأجمل. وعندما تكتب المرأة فأنها تنقل وعيها المسالم هذا الى الكتابة وتشخذ بروحها المتواضعة الهمم من أجل اقتفاء مواطن الخلل ثم تغييرها الى الاتجاه السليم. وقد حرمنا التاريخ من هذه الرؤية بسبب أحاديته الذكورية التي تهمش عقل المرأة وتقلل من شأنها، وعندما يتحدث هذا الكائن (الثانوي) سيتشوق الجميع لمعرفة ماذا يقول وكيف يفكر. بعض الكاتبات ينزعجن من وضعهن في خانة الأدب النسوي، وانا أيضاً كنت في بداياتي أنزعج جداً من هذه التسمية لأني كنت أراها عزلاً لهذا الأدب في هذه الخانة بقصد محاصرته داخل سجن جديد لإعادة انتاج شروط مجتمعية تضفي الدونية عليه. بعد ذلك اكتشفت مع تقدم العمر والتجربة أنني فعلاً أفكر كامرأة وأكتب كامرأة، بل وأنظر إلى العالم أيضاً من خلال هويتي كامرأة. وهنا أقول إن نظرتي هذه لم تكن عدائية بسبب ظلم المجتمع (ممثلاً بالرجل) للمرأة، وإنما كانت تضع أفكار كل واحد منهما وهواجسه تحت الكشف وتقدم النتائج وفقاً لمقدماتها بدون تشنج أو كراهية. وبهذا المعنى فأن روايتي (زينب وماري وياسمين) تنتمي بقوة إلى الأدب النسوي من خلال فكرة مفادها أن الحجاب هو هوية الرجل وليس المرأة، فهو لم يعد يعني بالنسبة له شأناً دينياً بقدر كونه اقتضاب نظرته إلى المرأة بصورة الجسد لا العقل.
* كتبت القصة القصيرة الرواية، وهناك من يقول إن القصة الآن تعيش في مأزق بسبب انتقال أغلب القصاصين للفن الروائي، هل تعتقدين أن القصة هي مفتاح الرواية، أو أن لكل جنس معالم خاصة لا يأكل أحدهما الآخر عند السارد؟
– ليس هناك مأزق أو انتقال، بمعنى نبذ فن القصة من أجل الرواية، فكل اتصال بين الكاتب وفكرته يحتم شكلها النهائي. أي لا يمكن أن تتحول قصة قصيرة الى رواية إلا فيما ندر. وأنا وإن كنت قد كتبت الكثير من الروايات إلا أنني أعتبر نفسي ما زلت مخلصة لفن القصة القصيرة الذي يتيح للكاتب حواراً أعمق مع النفس، بينما الرواية تقدم الديالوج المقنن بين شخصيات ومواقف متعددة.. الرواية أو القصة تقنياً توظفان أفعال السرد الأساسية لخدمة الإلهام أو الخيال، والتي تتصل من خلالها الروح الفردية بالروح الجمعية أو تجعل ذاكرة الكاتب تلتقي بذاكرة المجتمع، ولكن القصة القصيرة مخيفة في تركيزها ولا تحتمل الهزل مع أي وضع كان، ويمكن التدرب على كتابتها من أجل كتابة قصة أفضل وليس من أجل كتابة رواية.
* اشتغلت أغلب الروايات العراقية على الأطر الكبرى وأهملت الحيثيات الصغيرة في الحياة العراقية، لماذا يهرب أغلب السرديين عن تفاصيل الحياة اليومية، على الرغم من أن أهم الروايات العالمية اشتغلت على هذه الثيمات؟ وأين تجد ميسلون هادي نفسها في الاشتغال على الحياة العراقية؟
– كما قلت، قبل قليل، إن الكاتب العراقي يشعر بأنه أذكى من واقعه فيتعالى عليه. وهذه إشكالية كبرى في الرواية العراقية التي كتبت بعد جيل الخمسينات، والتي تأثرت بعدة عوامل خارجية، منها التيارات التغريبية وعوامل داخلية كالأوضاع السياسية. ولكن الرواية تعود الآن لتقترب من المحلية بشجاعة وتقدم شخصيات روائية قريبة من الأرض. المكان أيضاً أصبح محلياً ومغرقاً في الخصوصية. وفي أثناء ذلك تبقى الشخصية الذهنية تسيطر على هذا المشهد أحياناً، لأن الكاتب العراقي لا يعتمد طريقة البحث في الكتابة ويعتمد على خياله ومعاياشاته الفردية للحدث. وبالنسبة لي فأن بيت القصيد في الكتابة هي أن يكون الكاتب ابناً لبيئته وثقافته وعاداته وتفاصيل حياته اليومية. ولهذا أكتب عن تاريخ العراق وبيئة العراق وتراث العراق، وفي الرواية هناك الكثير مما أجمعه عن طريق البحث الميداني والنظري قبل الكتابة… هناك أمثال شعبية وخرافات وطرائف وأغانٍ يجب وضعها في المكان المناسب. هناك تواريخ وأسماء يجب أن تكون حاضرة في مكانها الصحيح. هناك القصاصات التي تتعلق بتفاصيل المكان، وهذا كله يجب أن يغربل ويوضع في ميزان تترجح فيه كفة التشويق على كفة الدرس.
* ظهر جيل شاب من الروائيين العراقيين تمكنوا من تغيير مسار الرواية العراقية الكلاسيكية، كيف تنظرين لهذا الجيل، وهل استطاعوا من بناء رواية عراقية جديدة؟
– أتابع باستمرار أغلب الروائيين الشباب، ويعجبني فيهم انتماءهم للحداثة وما بعدها.. كما يبهرني اندماجهم بهموم العراق ووضعه السياسي. وإنهم أصحاب مواقف مشهودة ولا يسكنون الأبراج العاجية التي يعتقد البعض أنها المكان الأشهر للكتاب. ومن الروايات المهمة التي استوقفتني مؤخراً هي (السيد أصغر أكبر) للروائي الشاب مرتضى كزار.
* بنيت أسرتك مع الدكتور الناقد نجم عبد الله كاظم، وهو أستاذ متخصص بالنقد القصصي والروائي، والمعروف أن الحياة مع ناقد متخصص بالسرد بكل أنواعه ربما يمثل دافعاً للإبداع أو نكوصاً في جوانب أخرى، هل كان للدكتور نجم أي تأثير على تطور أسلوبك الروائي والقصصي؟
– كان هذا الاقتران دافعاً مستمراً للكتابة والتطور. أولاً لأنه وفر لي معنوياً الجو النفسي الذي احتاجه للكتابة، وثانياً لأنه كان يحفزني على النشر والمشاركة في بعض الفعاليات التي هي متعلقات قد يضيق بها الكاتب. وعادة ما يقرأ نجم كل رواياتي قبل دفعها للنشر، ومع كون المراجعة النقدية هي الأهم تبقى سلاحاً ذا حدين، فمثلاً هو يركز على جانب الإمتاع في العمل الروائي وأكثر نصائحه لي شيوعاً هي تقديم وتأخير الفصول. فأنا غالباً ما أبدأ الرواية من سياقها (الأولاني) وعندما أعيد هيكلة الفصول يصعب علي أن أغير في تسلسلها. وهنا يأتي دوره ليقول لي بأن أجعل الفصل الأول في مكان آخر. أو أن أقدم عليه فصلاً آخر لسبب من الأسباب. وأحياناً يقترح علي حذف فصل بأكمله، كما حدث مع العيون السود مثلاً. والصعوبة كل الصعوبة، هي أن تعرف ماذا تحذف وأن تكون جريئاً في الحذف، أي أن تكتب بالشوكة والسكين وتمحو بالمغرفة.
3-4-2013