حوار مع البينة ومركز النور

حوار مع الكاتبة والروائية ميسلون هادي

علاء الماجد

10/12/2012

قراءات: 15

الروائية ميسلون هادي :

أحلام المثقف لا تعرف التعصب أو البغضاء أو العنصرية

اتمنى أن تبادر وزارة الثقافة إلى استذكار الأسماء الغائبة والكبيرة من المبدعين ، ونأمل أن يحدث هذا بمناسبة اختيار بغداد عاصمة للثقافة العراقية للعام المقبل

أصبحنا نعيش تناقضاً صارخاً بين العالم الخارجي وما صاحبه من غزو ثقافي وفضائي افتراضي وبين عالم داخلي مظلم يريد أن يحيا عن طريق التلصص من ثقب الباب

حاورها /علاء الماجد

 ولدت الروائية ميسلون هادي في الأعظمية ببغداد عام 1954، وأكملت دراستها الابتدائية في مدرسة الخنساء للبنات، ودراستها المتوسطة والثانوية في متوسطة اليرموك وثانوية الوثبة للبنات. تخرجت في قسم الإحصاء / كلية الإدارة والإقتصاد /جامعة بغداد عام 1976، وعملت في الصحافة الثقافية ثلاثين عاماً، وهي الآن متفرغة للكتابة . بالإضافة للقصة والرواية كتبت في مجال العمود الصحفي والترجمة وأدب الأطفال.  كما نشرت الكثير من المقالات في مختلف قضايا المرأة العربية.  كتبَ عن تجربتها الروائية والقصصية الكثير من النقاد العراقيين والعرب وأُنجزت عن أعمالها الكثير من الرسائل الجامعية وترجمت بعض قصصها إلى لغات عديدة . كما صدرت الترجمة الإنكليزية لروايتها “نبوءة فرعون” عن دار أوثر للنشر عام2011  ونالت الكثير من الجوائز العربية والعراقية . لها اكثر من عشرين رواية ومجموعة قصصية ، لكن اسمها ارتبط بروايتها القصيرة الأولى “العالم ناقصا ًواحد” التي صدرت عن دار الشؤون الثقافية عام 1996 والتي تعدها نقطة التحول الحقيقية في مجال الكتابة . وقد تعلقت هذه الرواية بأذهان القراء والنقاد كعلامة من علامات مسيرتها الروائية . التقيناها في بغداد واجرينا معها الحوار التالي                                                            :

* هل تؤمنين بهذا التصنيف ( أدب الداخل وأدب الخارج) ؟ وهل هناك مفاضلة بينهما ؟

– لا يزال هذا المصطلح بعيداً عن التداول النقدي ولم يرسخ في أذهان النقاد والقراء كظاهرة تستدعي مثل هذا التقسيم الذي يبدو قسرياً وليست له مسوغات فنية حقيقية. في الكتابة لا تزال المرجعية هي للجذور الأولى إذ إننا لا نجد الكثير من المفاجآت فيما يكتبه زملاؤنا في الخارح سوى استثناءات قليلة.. ولربما يمكن القول إن حساسيتهم تجاه بعض قضايانا قد اختلفت وحدث عندهم نوع من التبصر أكثر  إتقاناً وأقل تحريضاً، وجاء ذلك بعد أن منحتهم الغربة فرصة لاكتشاف الذات والموضوع بشكل أفضل. كما ان بعضهم تعامل مع السرد بطريقة البحث الميداني والتاريخي وهذه السمة هي من أهم سمات الرواية في الغرب.. ولكن هناك ظلما كبيرا لحق بأدباء المنفى فهم يشعرون إن الوطن قد أنكرهم ..وهم بحاجة فعلية إلى حنان الوطن بل هم أكثر حاجة إلى دعم إتحاد الادباء ووزارة الثقافة العراقية فلماذا تم تجاهلهم في ذلك؟ اتمنى أن تبادر وزارة الثقافة إلى استذكار هذه الأسماء الغائبة والكبيرة ونأمل أن يحدث هذا بمناسبة اختيار بغداد عاصمة للثقافة العراقية للعام المقبل وأن تتم دعوة الكثير من رموزنا التي تعيش في الغربة وأن تكون أسماؤهم في قمة الأولويات لفعاليات بغداد عاصمة الثقافة العربية لكي لا يفقدوا الأمل بأهل الثقافة بعد أن فقدوا الأمل بالسياسيين .

*تمر الثقافة العراقية بمراحل متقطعة بسبب انعدام التواصل بين مرحلة وأخرى ، هل أثر ذلك على مسار الإبداع الأدبي ؟ خصوصاً بعد التغيير؟

– التواصل أو الانقطاع بين المراحل الأدبيةعبرت عنه ظاهرة الأجيال التي ميزت المشهد الثقافي للقرن الماضي، فكانت هناك سمات مشتركة لكل جيل من الأجيال الأدبية وهذا الجيل بدوره كان يعبر عن مدرسة في الكتابة هي خلاصة وانعكاس لمجمل التوجهات السياسية والفكرية التي تميز تلك الحقبة الزمنية ، كما كانت توجد عوامل مشتركة ومتوارثة بين جيل وآخر ولكنها كانت واضحة في القصة والرواية بين الرواد ما بعد الستينيات مثلاً . أما في الشعر فكانت هناك قطيعة بين بعض الأجيال بسبب ما يمكن أن نسميه بالتنافس المباشر أو الإزاحة وأحياناً الانفعالات في الفعل ورد الفعل تجاه نظرة كل جيل إلى طبيعة الشعر الذي يكتبه الجيل الآخر..  فكانت هناك أكثر من إشكالية بين شعراء السبعينيات وشعراء الستينيات وبين الأخير وجيل الرواد .. وليؤكد ذلك كله أن تلك الأجيال كانت تشكل مدارس  في الأدب العراقي.. الآن وفي الألفية الثالثة اختفت ظاهرة الأجيال وحلت محلها ظاهرة التواقيع، وإذا استعرنا من الناقد والشاعر علي العلاق عنواناً من عناوين كتبه، لقلنا ربما اختفت الغابة وبقيت الأشجار حيث يكاد يشكل كل كاتب مدرسة خاصة تميزه عن باقي أبناء جيله.. ولكن ما يجمع أولئك الكتاب هو اندماجهم بالواقع بالرغم من التعامل معه بالروح التهكمية التي تعد من أهم سمات (ما بعد الحداثة) . إن إولئك الكتاب لم يجدوا، بعد التغيير، ذواتهم وأنوار طاقتهم المكبوتة. ولكن مع ذلك لم تصبهم اللامبالاة الرهيبة بعد خيبة الحلم الذي انتظروه طويلاً، فتعاملوا مع الواقع عن طريق التهكم . ومهما يكن من أمر الفوضى والخراب وما حدث بعد التغيير فإن هامش الحرية بهذا الاتجاه لا يزال ممكناً حتى لمن لم يهاجر أو يتدروش .

*ماذا يشكل المكان في رواياتك؟

– أعتقد إن العمل الروائي يشكل سيرة للكاتب والمكان.. ولكن يُقال إن الرواية هي فن زماني، بمعنى أنها مبنية على الزمان أساساً، فهي ليست كالشعر الذي فيه الزمان مطلق. وهي ليست كالقصة القصيرة التي لا تتحدد به بشكل صريح. ولكنها الأكثر عناية بالزمان الذي هو العنصر الأهم في الرواية ومن خلاله نعرف صورة عصر بأكمله هو العصر الذي تدور فيه الرواية أو العصر الذي نعيش فيه.. أما المكان فهو العنصر المؤثث لهذا العالم الزماني الذي يؤرخ للأحداث والمشاعر والصراعات ويمنحه الإطار الذي تتحرك فيه . بالنسبة لي تحديداً عندما يكون المكان هو بغداد  فأشعر بأنني في بيئتي المحلية التي يمكنني تصويرها بشكل أفضل . أما إذا كانت الرواية تدور في بيئة أخرى فإن المكان يشكل عبئاً على انسيابية العمل. وأبذل جهداً بحثياً مضنياً من أجل الإيفاء بمتطلباته بما يتلاءم مع التفاصيل الأخرى المتعلقة بالشخصية أو الحدث والتي تنساب مثل تدفق النهر الجاري.. وعندما تتحرك الشخصية في بيئة معينة لا أعرفها يشكل هذا تحدياً كبيراً لي ويحتاج مني إلى جهد أكبر لتقديم تلك البيئة بشكل دقيق.. وهذا ما حدث مع شهرزاد (الجدة أو البيبي في حفيد البي بي سي) والتي ولدت وعاشت في مدينة الناصرية فتطلب الأمر مني مراجعة الكثير من المصادر حول تاريخ المدينة وثقافتها..ولكن الرواية عندما تكون رواية حدث كما في رواية (العالم ناقصاً واحد) فإن التركيز يكون على الشخصية ومشاعرها وتداعياتها تجاه هذا الحدث.. ولهذا جعلت مكانها الروائي هو البيت.. والبيت العراقي كان بطلاً للكثير من أعمالي.. بكل تفاصيله وحكاياته الشعبية.. ومن خلاله كنت أنقل ما يدور خارج هذا البيت من أخطار وأهوال.. البيت دائما كان هو الحب والملاذ والأمان حتى بالنسبة لأثنين مختلفين في الرؤيا كما في رواية (حلم وردي فاتح اللون) . وهو الملجأ الأخير لامرأة تنتظر المجهول كبلقيس في (نبوءة فرعون) والخيمة التي تظلل الجميع في (العيون السود) .. وحتى عندما يهجره البعض من أجل الهرب من الخراب فإنه قد يضيع في خراب آخر.. كما في (الحدود البرية) و (يواقيت الأرض) .

*من الذي يشكل أهمية لدى المتلقي ويشده إلى اقتناء الكتاب .. الكاتب أم النص؟

– هذا سؤال جميل لم يطرح علي من قبل، وهو يستحق التأمل، لأن الكاتب إذا ما نظر الى بداياته قد يصعب عليه معرفة اللحظة التي تحول فيها من كاتب مبتدئ إلى كاتب مقروء.بالتأكيد يلعب النقد دوراً دراماتيكياً في شهرة الكاتب، ويتم ذلك التمييز عن طريق الاختلاف دائماً.. في البداية يتشوق الناقد والقارئ لنص يكسر المألوف ويخرج عليه، وإلى لغة مقتصدة ومشدودة ومختلفة تمسك به وتدير رأسه… هذا كله سيجعل بصمة الكاتب معروفة.. واستجابة القارئ ايضاً ستكون متوقعة، ولكن الكاتب لا يجب أن يستكين لهذه الاستجابة ولا أن يتبادل الادوار مع القارئ بحيث يصبح اسمه قيداً يضعه داخل حدود هذا (التوقيع) أو ( التوقع).ثم هناك العلاقة بين الشكل والمضمون وهي علاقة في غاية الرهافة بحيث يصعب وزنها إلا بمثاقيل الذهب،فقد يكون المضمون جامحاً أو غرائبياً ولكنه مروي بلغة جافة أو خالية من الإحساس.صحيح إن الكاتب يتكرر ولكنه أيضاً يتطورويتغير باستمرار ومع بلوغ الكاتب سن الكهولة والحكمة الشاسعة سيصبح نصه أهم من اسمه.. لأنه سيكون قد تخلص من ريش الأوهام وبلغ سن الرشد الذي يأتي بعد الأربعين لا قبله.

*ماهي المساحة التي تشغلها المرأة في أعمالك القصصية والروائية؟

– تشغل المرأة مساحة كبيرة مع الأسف.. أقول (مع الأسف) لأني أجد نفسي ككاتبة معنية بكل شئ، بالطفل والكهل والشجرة والحجارة والبيت والوردة والفراشة والعنكبوت.. ولكني إمرأة في نهاية المطاف.. وهذه صعوبة بحد ذاتها، أما ان تكون هذه المرأة عربية فهو صعوبة مضافة ومضاعفة، وقد يصعب الجمع بين الاثنين دون تقديم تضحيات جمة من بينها أن تبخس المرأة ذكاءها وعقلها  وتحجمه بطريقة ماكرة بحيث تقلل من شأنها أمام الرجل من أجل ان تفوز بهدفها الأسمى دون أن يعاديها أحد.. إنها تحمي نفسها بشئ من التذلل لكي لا تسمح لأحد أن يسحقها أو يدوس عليها.. وإن كان هذا يبدو مؤسفاً ومسيئاً لجوهرها،لكنها مضطرة إليه لكيتصنع لها مداخل أخرى لإثبات ذاتها سواء بالدراسة او العمل..إنها كائن يتوق للحرية ككل الكائنات وحب الحياة جزء أصيل من كيانها بل هي تكن للحياة تقديساً جماً لأنها هي التي تحافظ عليها أكثر من الرجل المعني بالحروب والصراعات والمشاكل.. ومع ذلك عليها أن تكون (عاقلة) بدرجة كافية ترضي الرجل الذي لا يمكن ان يتصور عقلاً يفوق عقله.. بل عليه أن يتظاهر بالقوة حتى وإن لم يمتلك القوة، وأن يتفاخر بها حتى إن كان ضعيفا ومهلهلا من الداخل.. وربما بسبب عدم الاعتراف بنقاط ضعفه والالتزام بالوقاية من الأمراض، يموت الرجال قبل النساء بمعدل خمس سنوات.وكمثال بسيط على ذلك (ومن باب الطرافة لا التعميم) فان رشدي أباظة وفريد الاطرش وعبد الحليم حافظ وشكري سرحان وعماد حمدي وفريد شوقي ومحمود المليجي وأحمد مظهر وكمال الشناوي قد ماتوا قبل صباح وسامية جمال وشادية وفاتن حمامة ونادية لطفي وسميرة أحمد ومديحة يسري.

التاريخ، بسبب أحاديته الذكورية قد حرمنا من معرفة (عقل النسوان) هذا، فلم نر العالم إلا من وجهة نظر الرجل وهذا الرجل هو في نهاية المطاف جزء من المجتمع الذكوري الذي يقوم علي استصغار المرأة وتهميش قدراتها العقلية وعدم النظر اليها مناوئاً او نداً للرجل..هو لا يريد أصلاً أن يكتشف هذه الجوانب في شخصيتها ولا يريدها إلا منتظرة وخانعة لا تباريه في الرأي ولا في الابتكار ولا في أي شئ.. ولكن العالم يتغير بسرعة مذهلة.. وبدلاً من أن نتطور، على الأقل في مجال الحقوق والواجبات، فإن ردة فعل العالم العربي كانت هي النكوص إلى الخلف والانعزال بطريقة تثير الأسى.. فقد أصبحنا نعيش تناقضاً صارخاً بين العالم الخارجي وما صاحبه من غزو ثقافي وفضائي افتراضي وبين عالم داخلي مظلم يريد أن يحيا عن طريق التلصص من ثقب الباب.. إن العربي يتطفل على اختراعات الغرب وأفكار الغرب ثم يلعن هذا الغرب ويشتمه بملئ فمه..

هذا الرجل هو أيضاً ضحية القمع وانعدام الديموقراطية والعلاقة الملتبسة مع السلطة.. أما المرأة فهي ضحية الاثنين قمع الرجل وقمع المجتمع، ولهذا فإني ككاتبة أجد نفسي معنية بإضاءة الأفكار التي تحد من هذا الظلم،وقد كتبت أحدث رواياتي بهذا الإتجاه حيث تعود ظاهرة البنت الموؤدة الى الواجهة عن طريق تحجيب الصغيرة في سن اللهو والطفولة.. ومن خلال طفلة غير مرغوب فيها، سنعرف إن للفقر والجهل الدور الأكبر في ذلك الظلم الذي لحق بالمرأة..

إنه لمن المؤلم أن نرى بنات صف من صفوف المدارس الابتدائية في العراق أو بعض البلاد العربية وهن متلفلفات بالحجاب الأسود شاخصات العيون بلا ظل للأمل أو الفرح أو أية رغبة بالانطلاق.. وكلما رأيت هذا المنظر أسأل نفسي أين القراصات الملونة؟؟ أين الظفائر الجميلة؟ أين القرديلات البيضاء؟؟ أين براءة الطفولة ودهشتها المستمدة من الرغبة في اكتشاف العالم والانطلاق اليه كفراشات بيضاء ترى الورود للمرة الأولى؟ وبدلاً من تحصين وعي أولاء الصغيرات وزرع الثقة بأنفسهن، يتم تحويلهن إلىرؤوس صغيرة مكممة وملثمة ومدفونة بخرق الأقمشة التي يعتقد أولياء الأمور أنها ستخفيهن عن الأنظار وتحميهن من المخاطر، ولكن الدفن في الرمل لن يخفيها عن الأنظار ولا يجعلها غير موجودة بين الناس، إنما سيجعلها فقط قبيحة مشوهة الوعي منكسة الرأس ومنكسرة الذات.. وهذا ما يتنافى مع بناء جيل جديد خال من العقد النفسية والأمراض التي شوهت حياتنا السوية بأمر بعض الرجال الذين شوهوا كل شئ جميل. لقد تحولت المدارس الابتدائية الى مكان لقصقصة أجنحة الفراشات ووأد البنات الصغيرات.. وكما يبدو لنا فإن الأمر على هذا النحو من التطرف سيقود في المستقبل إلى نوع مستحدث ومخطط من إرهاب العقل والفكر الذي يقود الى ارهاب الفعل والتطبيق، ولا ننسى أنه ينافي الشرع والقانون وحقوق الإنسان ويحتاج إلى حملة توعية جادة من وزارة التربية، ووضعه على أولويات اهتمامات منظمات المجتمع المدني، لكي لا تكبر الطفلة وهي تكره اليوم الذي ولدت فيه مادامت لا تستطيع النظر إلى نفسها كمخلوق جميل وكامل العقل والخلقة. لقد كتبت الكثير من المقالات عن ظاهرة حجاب الصغيرات ولكني وجدت أن الرواية ستسلط الضوء على هذه القضية بشكل أفضل ، وبالرغم من كوني إمرأة فإني أجد الكتابة عن المرأة أصعب من الكتابة عن الرجل ، لأن المرأة لا تستطيع أن تعبر عن أفكارها أو أفكار شخصياتها النسائية بحرية .

*الثقافة والسياسة في تصادم وتصاهر مستمرين في عهدي الديكتاتورية والديموقراطية ، كيف ترين مثل هذه العلاقة ؟

– يقال إن الثقافة للسياسي قوة والسياسة للمثقف ضعف…. فالسياسي هدفه واحد محدد هو عقيدته الضيقة التي يؤمن بها ويدافع عنها ويتبناها.. أما المثقف فهدفه الدنيا كلها.. وليس لديه الاستعداد للتخلي عن المطلق من أجل هدف معلوم ومحدد مادياً كان او معنوياً.. فهو نزيهبفكره وزاهد بكل ماهو فان.. أنا أتحدث عن المثقف طبعاً، وليس بالضرورة أن يكون قاصاً او شاعراً أو روائياً. قد يكون طبيباً أو خبازاً أو بائع عصير.. فكتابة النصوص لا تعني بالضرورة إننا مثقفون، ولكن المثقف هو المعني بجمال الكون ونزاهته وخلوه من الظلم.. وهو المستعد لتقديم أرفع التضحيات من اجل ذلك.. وإذا مانظرنا إلى براءته فإن اكبر أخطائه ستكون طرائف قياساً إلى مايرتكبه السياسيون من خطايا..في العراق تعودنا على أن تكون الذاكرة مصدر إحراج للجميع حكاماً ومحكومين  وبعد كل خطوة يخطوها التاريخ إلى اليمين أو إلى اليسار أو الى الأمام أو إلى الوراء ، تنفض هذه الذاكرة  نفضة (شجرة لالنكي) رقيق القشرة فتتغير الأسماء ويحترق الأخضر واليابس ويشتعل (أبو) الصغير مع الكبير ..لماذا ؟ لاأحد يريد أن يعترف بالرغم من أنه يعرف.. التقاطع حاد بين السياسي والمثقف لأن الاول يستطيع أن يحول حياة الناس إلى جحيم بينما أحلام المثقف لا تعرف التعصب أو البغضاء أو العنصرية.

*مامشاريعك المستقبلية؟

– إنتهيت من روايتين الأولى هي التي حدثتك عنها قبل قليل والثانية معنية بقضية معاصرة هي فقدان الخصوصية في عصر الإتصالات والأقمار الصناعية. إنها تتعرض للانفتاح الفضائي بشكل عام، والذي يتحول أحياناً الى ضجيج مزعج شغلني في السنوات الأخيرة وضقت به ذرعاً.إن تسليع حياة الانسان وتحويلها إلى مادة تلفزيونية من أجل الاثارة وتحقيق الربح هو من أهم ما تهتم به الرواية وتتناول تحديداً برامح مايسمى بتلفزيون الواقع التي وصل رذاذها إلينا، فقَبِلها من قبِلها، ورفضها من رفضها، ليبقى في النهاية، على ما يبدو، هذا الانفجار الفضائي تتساقط شظاياه فوق رؤوسنا المكشوفة كسقوط الحجارة بعد الزلازل. وبأسرع مما نتوقع غمرتنا الموجة العاتية وابتعدنا عن شميم أمنا الأرض… الرواية تتناول ذلك كله من خلال ثيمة غرائبية عن برنامج من برامج تلفزيون الواقع يتم تنفيذه في جزيرة نائية، ولربما يمكن القول إن خط التشويق الذي في الرواية يجعلها تقترب من الرواية البوليسية أو رواية الرعب.وهذا النوع من الكتابة يفتقده القارئ العربي ويتشوق إليه ولا يجده متوفراً إلا من خلال الكتب والأفلام الأجنبية .

*هذا في مجال الرواية.. ماذا عن القصة القصيرة؟

– هناك مجموعة قصصية أيضاً بالاتجاه التهكمي نفسه عنوانها (أقصى الحديقة) وفيها ذهبت إلى أقصى الكتابة وأقصى الكلام وتهكمت على الفضائيات والاعلانات والعصر الافتراضي الذي نعيش فيه .

الكتب المنشورة للروائية ميسلون هادي

*ماما تور بابا تور، قصص خيال علمي إلكترونية،الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت 2012

*الليالي الهادئة، قصص،الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، القاهرة 2011

علاء الماجد

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

حوار منبر العراق الحر

القاصة والروائية العراقية الكبيرة ميسلون هادي بضيافة مقهى الماسنجر الثقافي منبر العراق الحر15-2-2025 يبقى الشيء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *