حوار آفاق/ فاضل رشاد

  
 الأديبة العراقية ميسلون هادي في حديث لـ(آفاق): على المثقف أن لا يترك بلده لأن وجوده يمثل الانتصار 
       ميسلون هادي بغداد – فاضل رشاد قاصة وروائية ومترجمة دؤوب أصدرت منذ عام 1981 حتى اليوم (21) عملاً ابداعياً يتوزع بين الرواية والقصة والكتاب المترجم إضافة لأدب الفتيان والأطفال فضلاً عن عملين مخطوطين جاهزين. وقد كتب عن تجربتها الابداعية عدد غير قليل من خيرة النقاد العراقيين والعرب… اغنت تجربتها في العمل باكثر من موقع ومؤسسة ثقافية رصينة منذ عام 1977 قبل ان يستقر بها المطاف اخيراً محررة في مجلة الاقلام .. ميسلون هادي اسم لا يمر سريعاً على مسامع الوسط الثقافي العراقي لما تركته من بصمة ابداعية تستحق التوقف عندها.. وقريباً من هذا الهم، نتوقف اليوم معها في حوار لنستجلي فيه رؤيتها لما يشغل المثقف من راهن البلاد في شؤونها وشجونها، فكانت هذه الحصيلة..   آفاق: كأمرأة ومثقفة عراقية، كيف تصفين الواقع العراقي اليوم، وأين تقفين منه؟ ميسلون: العراق يمر الان بفترة شبيهة بتلك التي مر بها في عشرينيات القرن الماضي عندما كان يقاوم الاحتلال البريطاني ومن بعد ذلك يكافح من أجل التحرير والاستقلال وبعد مضي عقود من الثورات والكفاح وتقديم التضحيات نعود الى عصر الاستعمار من جديد ونحن على اعتاب القرن الواحد والعشرين، فأية مفارقة مؤلمة هذه حين نعود فجأة عشرات السنين الى الوراء: وأي دور سيكون للكاتب عندما يتقهقر بلده فجأة ويعيش حالة غير مسبوقة في العصر الحديث؟ هل يكتب روايات وقصائد فنطازية سريالية ام يتحول الى سياسي تعبوي او مصلح إجتماعي؟ وإن تحولنا الى نقطة الصفر من جديد فهل ذهبت سدىً جهود الوردي وعزيز علي والملا عبود الكرخي والزهاوي الجواهري والرصافي والسياب ونازك الملائكة ويوسف العاني وخليل شوقي وجواد سليم وأوائل الجامعيات والمثقفات وكل الفنانين والمفكرين والادباء الذين أشعلوا حياتهم شموعاً من أجل تنوير العقول وإرساء الافكار الجديدة في المجتمع.. ان هذه الافكار والتوجهات التي جاؤوا بها هي على المحك الان ولحين ينجلي معدنها الاصيل على الكاتب ان يثبت في مكانه اولاً، وان لايترك بلده وان يصبر مع أهله في اوقات المحنة لان وجود المثقف في كل حي وشارع ومنطقة بحد ذاته نوع من الانتصار لبغداد الجميلة ولكل ماعرفت به من قيم الجمال والمحبة والتسامح فلا تختفي من ذاكراتنا تلك المدينة العذبة الوديعة التي لاتكف عصافيرها عن الزقزقة واشجارها عن الامتداد وشمسها عن السطوع.   آفاق: بعد الاحتلال، هل ترين ان فرصة المرأة في (الحرية) باتت اوسع للتعبير عن ذاتها وموقفها من الحياة ام انها هي الاخرى قد عادت الى نقطة البداية في (نضالها) من اجل ذلك؟ وهل هناك مايمكن تسميته بين هذا وذاك؟   ميسلون: المرأة دائماً هي أول من يدفع الثمن في مثل هذه المحن والاضطرابات، أنظر الى تضحياتها ومعاناتها في دفتر الحصار ستجد انها العمود المتين الذي حافظ على ثبات البيت العراقي وديمومته و الان ايضاً هي سفينة النجاة التي تنقذ البيت من التشتت والضياع.. المرأة لديها قدرة فكرية وفطرية على إدارة أزمات بيتها في أحلك الظروف وتستطيع اعتبارها حكومة مصغرة داخل اسرتها، فهي بقلب الام تستوعب وتمتص كل الصدمات والمشاكل التي يمر بها ابناؤها وبعقل المرأة المرتب تتغلب على كل الصعوبات الاقتصادية التي يمر بها البيت.. ومهما كانت الظروف صعبة ستجد المرأة العراقية تعمل وتكدح وتنهي دراستها العليا وتدير بيتها على أحسن وجه، وهذا امتياز لها بين كل نساء العالم اللواتي لايصل الكثير منهن الى ذكاء وجمال ومهارة المرأة العراقية ولكن يتمتعن بالحياة الرغيدة المرفهة التي لانراها ونسمع عنها إلاّ في الافلام. أما ما تمر به الآن من ظروف صعبة واستثنائية فلابد انها ستعيق حركتها ورغبتها في الابداع ولكنها لن تؤثر في مستوى وعيها وثقافتها ومعدنها العراقي الاصيل، ومادامت اسباب الحياة موجودة فالاحلام ستبقى حية ولن تختفي.   آفاق: بصفتك أديبة تكتبين القصة، هل كنت تكتبين كأمرأة ام كمثقفة مبدعة، والى من تتوجهين بكتاباتك قبل الشروع بها واثناء الكتابة!؟ ميسلون:  الكتابة قدر يطالك مثل باقي الاقدار.. وإذا كان قدر بعض الاشجار ان تكون معمرة وبعض الطيور ان تكون مغردة فقدر بعض البشر ان يرسموا او ينحتوا او ينظموا الكلمات في الواح ومخطوطات وأغانٍ لتعطي لكل شعب صفة تكمل هويته الحضارية الى جانب الصفات الثقافية الاخرى.. وعندما تكتب المرأة فانها تمتثل لخصوصيتها وطبيعتها الوجدانية التي تختلف عن طبيعة الرجل، فهو بطبيعته عزوف عن امور البيت وشجونه بينما المرأة تحافظ على اسرار بناته ولذلك فهي تتشبث بأسباب الحياة ولها قوة في البقاء تفوق قوة الرجل ولديها أهم عناصر إدامة الحياة ألا وهو الحنو على الاشياء والعطف على المخلوقات الصغيرة والحزن على فقدان الأعزاء بأضعاف مايحزنه الرجل وعندما تكتب المرأة فلايمكن إلغاء كل هذه الخصائص والصفات من طبيعة ماتكتبه… إلخ. ولكن ثقافة المرأة ستلعب دوراً أكيداً في الارتفاع بمستوع وعيها عن المألوف حتى لأزعم انها ستشعر بالغربة مضاعفة لان المثقف هو بالأساس مغترب عن مجتمعه وزاهد بكل المتعلقات الاجتماعية والبهرجات البراقة، فكيف بالمرأة التي هي بطبيعتها تحب اقتناء الكماليات ومحبة للأزياء وكل الاشياء اللامعة والجميلة؟ هنا تستدعي الحكمة منها ان تتواجد على الجبهتين ولاتفرط بأنوثتها على حساب ثقافتها وان تتشبث بكونها امرأة كاملة الأوصاف ولا تصبح من أشباه الرجال كما هو حال بعض الناشطات والمثقفات والسياسيات والداعيات الى حقوق الانسان.   آفاق: زوجك الدكتور نجم عبد الله كاظم، كيف هو شكل علاقتك الثقافية به؟! وهل هو تعاون أم تكامل..بلا استفزاز؟!! ميسلون: هذا الارتباط مهم جداً في حياتي، لأنه هيأ لي أولاً ان أطوّر مهاراتي في اللغة العربية، والتي بالرغم من عشقي الشديد لها لم اكن قد درستها دراسة اكاديمية، وثانياً فإن وجود ناقد هو أصلاً مهتم بالقصة العراقية وصاحب إحساس ثقافي عالٍ بالموهبة اينما تكون، قد ساهم ومنذ البداية في رعاية الموهبة الأقرب إليه وتطويرها وتوفير عوامل النجاح لها. لقد أفادني هذا الاهتمام في مراجعة الكثير من اعمالي وتخليصها من الزوائد والاضافات كما ساعدني بالتسلح بالتقنيات والاستدلال على المصادر المهمة في اللغة والأدب.   آفاق: كمثقفة. الا تعتقدين ان انحسار اليسار السياسي على مستوى العالم أتاح للنشاط(الرجعي) ان يفرض قيمه التي كانت تمثل محور النضال اليساري لتغييرها؟ ميسلون: في هذا الصدد يحضرني تشبيه جميل سمعته ذات يوم يقول إن العالم (مع الثنائية) كان له أب وأم، وإنه مع انهيار الاتحاد السوفيتي أصبح العالم بلا أم واصبحت امريكا هي الاب والمتسلط لوحده على هذا العالم.. وتخيل عندما تكون سلطة الاب لوحدها في الساحة بلا أمومة توازنها كيف يمتلىء العالم جبروتاً وعنجهية. ان كل ردود الافعال التي نشاهدها ونسمع عنها ماهي الا نتاج لتصرفات هذا البلد  الذي لايعرف اهله الا القليل عن شعوب العالم وثقافاته وحضارته ولايهتم بماذا يحصل لهذا العالم، ربما لان لاوقت لديه او لأن حكومته تضلله او لان حياته هي اهم مايؤمن به.   آفاق: أديبات عراقيات أعجبنك أو تأثرت بهن؟ وكيف ترين المشهد الثقافي بشكل عام؟ ميسلون: الاديبات العراقيات على درجة كبيرة من الثقافة.. وهذه الثقافة تتعدى حدود الموهبة والتخصص الى معارف اخرى فترى الواحدة منهن متابعة للفن التشكيلي والعلوم والسينما وباقي مجالات الابداع، هذا بالإضافة الى كونها إنسانة متواضعة، مرهفة وحنونة، ولكنها مع الأسف لم تأخذ حقها من الانتشار وترى كاتبات من بلدان اخرى يأخذن اهتماماً أكبر من حيث الحضور في المحافل الدولية رغم ان قامتها ليست أقصر من تلك القامات.. وهذا مرتبط بالمشهد الثقافي العراقي بشكل عام، حيث يتراجع الاهتمام بالمثقف يوماً بعد آخر… والأن يكاد يصبح نسياً منسياً حيث لاتوجد منافذ او مكتبات تكون حلقة الوصل بينه وبين قرائه وحيث يوجد آلاف المثقفين في المنافي وخارج البلاد ولا أحد يفكر باعتبارهم النخبة التي تحول هذا الظلام الى لوحة زاخرة بالحياة. 

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

حوار منبر العراق الحر

القاصة والروائية العراقية الكبيرة ميسلون هادي بضيافة مقهى الماسنجر الثقافي منبر العراق الحر15-2-2025 يبقى الشيء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *