حوار مع جريدة السفير

حوار الروائيّة العراقيّة / ميسلون هادي

عدنان الهلالي/ بيروت

جريدة السفير

  • هل ثمة خصوصية للرواية العراقية؟ وما هو الشيء الذي تنفرد به عن نظيراتها؟
  • الرواية العراقية قد تتميز بلا يقينيتها.. وهي مثلها مثل الشخصية العراقية التي تجدها تفلسف كل شئ ولا تملك اليقين المطلق بأي شئ ولهذا هي لا ترضح لحاكم ولا يعجبها ثبات الحال.. من منظار الكاتبة والمرأة راقبت نفسي والكثير من الناس ووجدت إن العراقيين  يتربعون على قمة الأسى والشجن ولا يؤمنون بأن الفرحة ستستمر.. أو إن الضحكة ستدوم ولهذا تراهم هائمين.. ورومانسيين.. ويتسلقون جبال الحزن حتى قمتها.. وليس لديهم الاعتداد الكافي بماديات الحياة.. كل هذا انتقل إلى السرد فأصبح مشحوناً بالأسى والحزن.. وليس غريبا أن تكون ملحمة كلكامش قد كتبت في بلاد مابين النهرين لأن المحرك الأساس لكتابتها هو الاحساس بالزمن…الزمن يمضي بلمح البصر والإنسان يحاول تخليده بشتى الطرق كالعمل الصالح أو الأثر الخالد أو الصورة الفوتغرافية…… هذا الهم الوجودي قديم قدم الإنسان العراقي وقد عبرت عنه ملحمة كلكامش خير تعبير.
  • هل ما زال عالم ميسلون هادي السردي ( ناقصًا واحد)؟ أم اكتمل؟
  • كان النقصان في )العالم ناقصاً واحد( هو لإنسان عزيز واحد والآن أصبح العالم العربي كله يمر بمرحلة النقصان من أجل العبور إلى مرحلة قريبة من الاكتمال.. ولطالما اعتقدت إن الانسان يتماهى مع الكون في ثنائياته وتمهيده للشئ قبل الاقدام عليه، فلا تمطر الدنيا بدون غيوم ولا يأتي الشتاء بدون خريف ولا تورق الحدائق بدون ربيع. وكنا نأمل أن يمهد الربيع العربي لوضع أفضل ويشرق عن فجر جديد، ولكن المشكلة كامنة في العقل العربي. إن حاله مثل حال السيارة التي (تعتعت) في المشي، كلما تسير إلى أمام تتوقف أو تعود الى المربع الأول أو أحياناً إلى الوراء، كما هو حادث الآن. السبب في ذلك يعود إلى إن هذه الأمة لا تشعر بالغضاضة عندما تقدم التاريخ من وجهة نظر واحدة كما انها لا تتقبل النقد وتعتبره منقصة أو إهانة لها ولا ننسى إنها تفتقد حس الفكاهة ولا تسخر من نفسها ومن عيوبها ولهذا تبقى العيوب على حالها ولاتتفكك. كتبت مرة قصة اسمها (آلة الفرنجة)، وهي تتحدث عن مجموعة مؤتمرين يشتمون الغرب بالآلة التي صنعها لهم الغرب وهي الميكرفون(آلة الفرنجة).. وهذا الأمر ينطبق على الفضائيات التي يشتم بها العرب الآخر بالرغم من انهم يستخدمون وسيلة ليست من اختراعهم وإنما من اختراع الآخر.. هذا التناقض صارخ ومثير للشفقة.. وككاتبة أحب أن أرى الذين يواجهون أعتى الدكتاتوريات بمواقفهم المشرفة، كيف يتعاطون مع كل تلك القضايا ومع قضية المرأة تحديداً؟ وهل هم تقدميون فعلاً لايقمعون المرأة ولايمارسون الظلم ضدها لإنه من هنا تبدأ الديموقراطية الحقة.. من زاوية النظر إلى المرأة باعتبارها إنسانة محترمة وليست كائناً ثانوياً في الحياة.. ونحن نجد أحياناً بعض المثقفين التقدمييين أنفسهم يعانون ازدواجية رهيبة في الفكر فيصعب عليهم الخروج من التاريخ وهم أيضاً قد يدمرون رفيقات حياتهم بالأفكار الظلامية بالرغم من إدعائهم التقدمية وتبجحهم بالأفكار الطليعية. لن يكون مثل هذا المثقف ثائراً ولن يكون أبداً لأن الإصلاح  يبدأ من النفس..
  •  لماذا الاهتمام بــــالشعبي في سرديتك؟ هل تحاولين استثمار اليومي في نصوصك؟
  • من طبيعة الرواية الاهتمام بالبيئة المحلية.. وأن يكون الكاتب إبن زمانه ومكانه. يقول الشيخ الأكبر (ابن عربي) إن الكاتب الأرفع هو من كان مداده نفس قلمه وقلمه نفس اصبعه واصبعه نفس ذاته فيكون هو هو وليس غيره. وبالنسبة لي هذا هو بيت القصيد في الكتابة: أي أن يكون الكاتب هو هو وليس غيره أي أن يكون إبناً لبيئته وثقافته وعاداته وتفاصيل حياته اليومية.. ولهذا أكتب عن تاريخ العراق وبيئة العراق وتراث العراق وفي النهاية أكون أنا أنا وليس أحداً آخر. وبما إن مدادي كان يدي وذاتي.. فيمكنني أن أتحدث عن طبيعتي قليلاً لأقول باختصار بأني إنسانة شديدة البساطة في المأكل والملبس والمسكن.. وأميل إلى العيش بأقصى درجات البساطة.. وأتضايق عند وجودي في مكان صاخب أو فخم كالمولات والمطاعم الباذخة.. وأجد ان جشع الانسان قد بلغ مداه الذي لا يطاق. وإن تقواه الدينية زائفة كل الزيف إذا كان يجر خلفه جيشاً من العبيد القادمين من البلاد الأسيوية.. وقبل أيام تابعت برنامجاً في رمضان استضاف بعض الفنانات اللواتي يسكن في أبراج مشيدة وقلاع فخمة.. كل واحدة منهن مستعدة لتقديم لقاءات خفيفة بامتياز على طبق من التفاهة التي تقول صراحة إننا أصبحنا في الحضيض.. فقد تفرجت أمة الربيع العربي على  كل واحدة منهن وهي تتقاضى آلاف الدولارات مقابل طلتها علينا بفستان (ماركة)  تزينه الخرز الزرقاء خوفاً من عيون الحاسدين.. والأدهى من ذلك أنها تظن مالها هذا حقاً يجب حراسته من الطمع والسرقة والحسد فتحيط نفسها، ليس بأم سبع عيون وحدها، وإنما بالحمايات والحراس الأشداء.. صدق أو لا تصدق فإنهن يشكرن الله على نعمته التي أنعم بها عليهن وعلى توفيقه لهن في هذه المهازل.. رأس الحكمة عندهن هي مخافة الله… وأجرهن في البرنامج الواحد يكفي معيشة جيش كامل من الخدم المهاجرين من شرق آسيا إلى دولة من دول الخليج العربي.. ولا ننسى باقي الدول العربية التي يأكل فقراؤها من القمامة. أما الطامة الكبرى فهي ان اليونسيف تختارهن سفيرات للاجئين والأطفال الجياع.. يصدمني هذا التناقض وإبذل جهداً مضافا الى طبيعتي لكي أكون قريبة من أقصى البساطة بما في ذلك المكان والاحساس والناس.  
  • هل توافقين على التقسيم: أدب نسائي/ أدب رجالي، وكذا نقد نسائي إلى آخره من هذه القراءات؟ هل هو فرز ثقافي أم ماذا؟
  • أنا أكتب كإمرأة وأفكر كإمرأة ولكني أتظاهر بأني غير مهتمة بهذا التصنيف… لاأعتبره سلبياً بالتأكيد ولكنه أصبح متوارياً خلف (التواقيع) …لم يعد الأدب النسوي يعني إنضواء جميع الكاتبات تحت هذا المصطلح النقدي  ولكنه يعني إنه منحى في الكتابة.. يمكن أن نقول إن المرأة تملأ الفراغات المهمة التي يتركها الرجل، فهي تعتبرها أكثر أهمية من المتن.. متن الغرور والعطش إلى القوة والسلطة والمال، لهذا عندما تكتب المرأة  فإنها تعنى بالمشاعر وتنتبه للتفاصيل التي يضيق بها الرجل ويعتبرها (شغل نسوان)… والآن يشهد العالم العربي ثورة غير مسبوقة في مجال الأدب الروائي الذي تكتبه المرأة، وعندما يرى ويكتب ويروي هذا الكائن الذي أُغلقت دونه كل النوافذ فيما مضى، فإنه سيجعلنا نرى العالم مرة جديدة من إتجاه آخر هو إتجاه القلب، وقد يتضايق بعض الرجال من هيمنة هذه الثورة ويبخسها حقها، دون أن يدرك هذا البعض أن قمع الرجل للمرأة هو الذي جعل منها كائناً ثانوياً. والآن عندما يتحدث هذا الكائن(الثانوي) يتشوق الجميع لمعرفة ماذا يقول أو يكتب وكيف يصف العالم من جهة أخرى.
  • هل المرأة العراقية قادرة على تشكيل الواقع المفترض/ الموازي، كتابيًا؟ وما رأيك بالرواية النسوية ( مع تحفظي على هذا المصطلح)؟
  • عندما تكتب المرأة فإنها تمتثل لخصوصيتها وطبيعتها الوجدانية التي تختلف عن طبيعة الرجل، فهي تتشبث بأسباب الحياة ولها قوة في البقاء تفوق قوة الرجل، ولديها أهم عناصر إدامة الحياة ألا وهو الحنو والعطف على المخلوقات الصغيرة والحزن على فقدان الأعزاء بأضعاف ما يحزنه الرجل. وعندما تكتب المرأة فلا يمكن إلغاء كل هذه الخصائص والصفات من طبيعة ما تكتبه.. وعندما ستشكل هذا الواقع افتراضياً ستحاول لملمة ما تبعثر وتمزق بسبب صلف بعض الرجال وعشقهم للحروب ولا يفوتها أن تزرع نبتة هنا أو وردة هناك.. ومع احترامي للرجال فإنك إذا دخلت إلى غرفة لا توجد فيها امرأة ستجدها مظلمة حتى لو كان الوقت نهاراً.

 وبالنسبة للروائية العراقية تحديداً فهي من جهة كانت أكثر واقعية من أقرانها الرجال في الإحاطة بالتجربة العراقية الساخنة، ومن جهة أخرى كانت معنية بالاشتغال على تطوير أدواتها وتحديث مصادرها الثقافية، بحيث نلاحظ تزايد إهتمامها بالموضوع والابتعاد عن الذات أو الذات المنكسرة إلا من خلال وظيفة معينة تخدم الخط الروائي.  

  • ما رأيك بما حصل في البلدان العربية ثقافيًا؟ هل بدأ المجتمع العربي إنتاج فعل ثقافي/ سياسي؟
  • هناك استنفار طائفي غير مسبوق يحدث في المنطقة عبر تحشيد آليات عقائدية وتضخيمها من أجل استخدامها سياسياً.. وهناك تململ طائفي حتى بين بعض المثقفين والمواطن أيضاً أصبح طائفياً باللاوعي.. يبدو أن الحرب الأمريكية على العراق قد أيقظت الفتنة التي كانت نائمة فعلاً .. واذا كان الربيع العربي قد أزال حاجز الخوف واسقط النظام الدكتاتوري السلطوي، إلا إنه مع الأسف لم يكتمل في انضاج البديل المطلوب وعمل على وصول التيارات الاسلامية التي هي في بعض جوانبها رد فعل على الاستعلاء والعنجهية والتدخل العسكري…….الخ. على مايبدو هناك طريق طويل للتفاهم والتفاعل مع أنظمة عقائدية كانت مقموعة هي الأخرى وتظن انها تحتكر الحقيقة وتحكم باسم الدين لغرض ايديولوجياتها التي يجب أن تتشذب بالتفاعل والحوار لا بالقمع مرة أخرى.. هذه الأزمة يجب المرور بها للوصول الى الحرية.. يقول ديفيد معلوف في روايته (حياة متخيلة):(إن ذواتنا اللاحقة متضمنة فينا، كما الأوراق والأزهار في الشجرة.. علينا فقط أن نجد الربيع ونطلقه. هذه التغيرات بطيئة إلى حد لا يمكن تخيله..وهي تستغرق أجيالاً.. لكن هذه السيرورة تفعل فعلها ونحن نتيج(نتاج) جيل بعد جيل أراد أن يكون هكذا).
  • ماذا أضافت الحرب إلى خطاب الرواية العربية والعراقية؟ إذا ما عرفنا أنّك من جيل الحرب في العراق؟
  • عشنا ثلاثين عاماً من عمرنا في الحرب، أما الجيل اللاحق من أبنائنا فعاش عمره كله في الحروب زائداً زمن الحصار .. في زمن الحصار أصبحت الثقافة في نهاية سلم الأوليات ليس بالنسبة للقارئ فقط ولكن بالنسبة للسلطة أيضاً.. ولهذا لم يعد الالتفات الى الأدب محسوساً إلا بأضيق الحدود، أما الرقابة على الأدب فدخلت في حالة التعب والإنهاك التي عانت منها كل مفاصل الثقافة.. فكانت ثمة ثغرة إستطاع من خلالها بعض الكتاب في زمن الدكتاتورية التحدث بجرأة عن الوضع العام ومنهم الشاعر الراحل رعد عبد القادر الذي أصدر ديوانه (دع البلبل يتعجب) وفيه تهكم وبمرارة شديدة على ماآلت إليه أوضاع البلد بعد الحرب والحصار القاسي . روايتي (العيون السود) صدرت خلال تلك الفترة وهي بانوراما لحياة الناس في فترة التسعينات من خلال يمامة الرسامة التي تقع في حب رجل جعله الحصار ينقلب من انسان ملتزم الى (إبن سوق). ومن خلال هذه الثيمة تقدم الرواية عقداً كاملاً من حياة زقاق بغدادي تسكنه الكثير من العوائل. البطلة تتعاطف مع (عبد الكريم قاسم) وترسمه في لوحتها مع كل رموز العصر الأخرى من عبد الحليم حافظ وعبد السلام النابلسي إلى جمال عبد الناصر وعبد الكريم قاسم أول زعيم عراقي بعد الثورة على الملكية، والذي أحبه العراقيون كثيراً لأنه مات فقيراً وكان نصيراً للفقراء. هذا التعاطف كان خطاً أحمر أيام النظام السابق لأن التاريخ كان يعاد كتابته من وجهة نظر أخرى مغايرة وهذا مشكلة أخرى من مشاكل العقل العربي الذي يعشق القطع وإلغاء ماسبق. مع هذا مرت الرواية بسلام مع العلم إن الناقد السوري نبيل سليمان نوه بها واصفاً أياها برواية من أدب الرفض في صحيفة الحياة اللندنية. في تلك الفترة كان الصمت أيضا موقفاً مشرفاً للكثير من الكتاب الذين لم تطحنهم آلة السلطة.. ولكن بعد الحرب ظهر الكثير من أدب الأدراج القديم والجديد، مما أحدث طفرة كمية ونوعية في الرواية العراقية وعلى المستوى الشخصي شعرت فجأة إن القارئ قد مل من النكد والقهر وأنا أيضاً مللت معه من كل هذا الحزن، فكتبت رواية ساخرة من عنوانها وحتى سطرها الاخير هي (حفيد الي بي سي) أردت من خلالها أن أنقل الصورة القاتمة عن طريق الضحك والسخرية، لما لهما من قدرة على تفكيك الأحقاد والعقد والكراهية.
  • كتبتِ من الداخل ومن الخارج كيف تقرأين التجربتين؟ وكيف عالجت موضوعة الغربة في نصوصك؟
  •     لا يمكن إنكار أن السفر يجعلك تستنشق عطر تجربة جديدة وارتياد آفاق جديدة لا يمكن ارتيادها بدون السفر كذلك فإن الشعور بتغير المكان قد يعطي حافزاً مختلفاً للكتابة… ولكني أعتبر نفسي غير موجودة عندما أكون خارج العراق… وعندما أعود إليه أعود إلى نفسي قراءةً وتأملاً وانتماءً. لم اعتبر نفسي مغتربة عن العراق في يوم من الأيام، إنما (مسافرة) ولست مهاجرة والفرق شاسع بين الاثنين… أنا وأولادي نشعر بالأسى لذلك وكأننا أسرى هناك، لكن القدر وضعني في هذه التجربة على مدى سنوات، ولا تدري كم عانيت من تلك التجربة التي انتهت والحمد لله. الغربة منحتني فرصة التفرغ إذ وضعت نفسي بين قوسين من الصمت ورحت أنصت لأفكاري جيداً.. وحدث شئ غريب فيما يتعلق بهذا، وهو إن الأفكار كانت تحفز بعضها بعضها وتتدفق بشكل يصعب علي اللحاق به . أما من حيث النشر ففعلاً كانت هناك فرصة كبيرة للنشر في دور نشر عربية ذات توزيع جيد وأعدت طبع بعض أعمالي السابقة أيضاً.
  • كيف ترين المشهد الثقافي العراقي بعد الإحتلال 2003؟ وأين تقف ميسلون هادي، المرأة/ المبدعة/ الأم منه؟
  • تعلم إن العراق عاد الى نقطة الصفر بعد الحرب الامريكية وكان هذا الصفر مناسبة جيدة للبناء.. والاتفاف حول الهوية الوطنية من جديد، ولكن الذي حدث إن السياسيين تمترسوا بالطائفية وأكدوها بدلاً من تبديدها.. أما بالنسبة للرواية في العراق فقد انعطفت نوعياً إلى حالة من الابتعاد عن الإيدولوجيا والاقتراب من الحقيقة النسبية والتمرن على العالمية من خلال المحلية. يعجبني في المشهد الثقافي تماسكه إزاء عصبية السياسيين وقبليتهم وفرقتهم الطائفية.. لايزال المشهد الثقافي حيوياً وفي حالة وئام وطني وهدوء نسبي.. وحتى عند الحديث عن وجود خلاف سياسي بين من عارض الحرب أو من أيدها أو وجود خلافات فكرية بين أدباء الداخل والخارج فإن الخلافات لاتأخذ منحى العنف أو الثأر كما يحدث بين السياسيين. المشهد يتحرر ويتغير ولكنه (أحياناً) يتحرك بأتجاه طائفي  وهذه كلها تداعيات ستنتهي مع مرور الوقت.. لا أقصد إن الطائفية قد وصلت للأدب، فهو الحصن الأخير للهوية الوطنية، ولكن الرقيب في داخلنا أصبح يحسب ألف حساب للقراءة الطائفية لما نكتب.. هل تعلم أني أتوقف طويلاً عند اختيار الأسماء والمناطق لئلا تحرف مسار القراءة فيترك البعض الرواية ويعض بقلمه على مثل هذه التفاصيل…. أما المرأة بشكل عام فإنها الآن تواجه أكثر من صعوبة بسبب سيطرة التيارات المتشددة على المشهد السياسي ولكن هناك حرية أكبر في مجال الصحافة وانتقاد السلطة وكشف ملفات الفساد أما الطبع فلا زال محدوداً لهذا يلجأ أغلب الكتاب الراغبين بالانتشار إلى الطبع في دور نشر عربية.
  • ما رأيك بالانفتاح الإعلامي الذي حصل في العراق؟ وهل هو سمة سلبية أم إيجابية؟
  • قضية الهوية الوطنية هي أكثر مايشغلني.. والحمد لله يمكن القول إن الثقافة قد نجت عندنا من فخ الطائفية ولكن بشكل عام أحزن عندما أرى صحفاً أو فضائيات سنية أو شيعية.. هذا سيعمق الفرقة ولا يمحوها ولايجب أن تقوم هناك مؤسسة على أساس طائفي خصوصاً ما يتعلق بالإعلام التابع للأحزاب، أما بالنسبة للانفتاح الفضائي بشكل عام، فقد تحول الى ضجيج مزعج شغلني في السنوات الأخيرة وضقت به ذرعاً.. ولهذا سخرت منه في مجموعة جديدة مختلفة عما كتبته سابقاً في مسيرتي القصصية لأن حس الفكاهة كان مرة أخرى حاضراً بقوة.. (يقول الكاتب العراقي عدنان المبارك هذا الجين  قد أنتقل إليك من الفضاء لأن العرب لا يملكون حس السخرية).. وفيها تهكمت على الفضائيات والاعلانات والمذيعين والمذيعات وكل شئ.. هل تصدق بأني منذ أيام مصابة بالدوار بسبب فتح حساب على الفيس بوك.. تحيات وأسماء ووجوه تجرني إلى وجوه أخرى ومتاهة من الأسماء والأرقام والاعلانات لا أول لها ولا آخر..
  • ماذا اضافت لك الكتابة الصحفية في العراق وخارجه؟ هل توافقين من يقول: الصحافة مقبرة الأدباء؟
  •   كنت دائماً معنية بالأدب كرسالة لإنسان يهتم بإعلاء قيم الجمال ونشرها فيما حوله، ولولاها لكان العالم قد تحول الى صحراء قاحلة .. وكنت دائماً أكتب من قلب يحزن أو يفرح ولا يمكنه السكوت على المظالم مهما كان شكلها، والصحافة أعانتني في استيعاب ما لا يمكن استيعابه في الأدب، فكنت إذا ما رأيت حفرة في الشارع أو إذا ما حدث عدوان على غزة تأخذني الحمية نفسها للكتابة. وطبيعي إن المسؤولية خطيرة ولهذا يقلق الكاتب حول ذلك من ناحية الأمانة وليس من ناحية الخوف لأن الذي يخاف لا يكتب أصلاً.
  • هل نحن بحاجة إلى ربيع ( ثقافي) متزامنًا مع الربيع السياسي؟
  • المثقف العربي الآن على المحك.. فهل العرب بحاجة الآن الى قصص وقصائد وروايات أم بحاجة إلى مواقف وسلوك؟؟ هذا السؤال يطرح نفسه بقوة عند التفريق بين الكاتب والمثقف ووضع المسافة المناسبة بينهما.. وفي حساب التاريخ أو الخروج من التاريخ، سنجد أن هذه المسافة شاسعة جداً إذا ما تراجع الأول إلى عزلته العاجية، بينما تقدم الثاني إلى ميدان من ميادين التحرير.. بل ليس للثقافة أية مسافة موصولة مع الآخر إن لم تكن سلوكاً وموقفاً. ولنا أسوة حسنة برواد النهضة الأوائل والسابقين وصولاً إلى المحدثين من العرب أو من غير العرب ككتاب أمريكا اللاتينية الذين تفاعلوا مع شعوبهم ومشوا في دروب الحياة الوعرة. هناك في العالم العربي الآن ظاهرة المواطن المتظاهر الذي، ولأول مرة، يصدّر بضاعة لم يستوردها من أحد، وجعل التظاهرات الشعبية هي الوسيلة لتغيير الطغاة.  ولكن لا يمكن لهذا المواطن أن يحل مكان المثقف، لأن هذا التغيير يبقى ناقصاً بدون لوجست ثقافي فكري يلم الليل ويفرش النهار، وهذا ماتحاول فعله النخبة في مصر مثلاً عندما تهرع لاحتضان ثورة يناير.. وأيضا عندما تصدع لاشتعال الثورة المضادة..التي تحاول نقل زخم الثورة باتجاه ديكتاتوري آخر، هو البعبع الذي كان يلوح به الحكام ضد شعوبهم، ومن الضروري أن يخرج هذا البعبع من قمقمه ليواجه جماهيره فيفشل أو ينجح في الحكم …

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

حوار منبر العراق الحر

القاصة والروائية العراقية الكبيرة ميسلون هادي بضيافة مقهى الماسنجر الثقافي منبر العراق الحر15-2-2025 يبقى الشيء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *