جائزة بوكر والرواية العراقية

جائزة بوكر والرواية العراقية
ميسلون هادي
واقع الحال يقول إن أدباء العراق يعانون من عزلة شبيهة بعزلتهم أيام الحصار في زمن النظام السابق ، حيث لا يمنحون تأشيرات الدخول إلى باقي دول العالم لحضور الفعاليات الثقافية إلا بشق الأنفس، ليس بسبب جوازاتهم العراقية حسب، ولكن لأسباب أخرى تتعلق بقصور العملين الثقافي والسياسي وسوء التخطيط الذي جعل أعمال الأدباء التي يطبعونها داخل العراق لا تصل إلى أبعد من شارع المتنبي بالرغم من إننا قد تركنا أيام الحصار منذ ثماني سنوات.
ولا تقوم وزارة الثقافة العراقية بواجبها المفترض تجاه النتاج الإبداعي تحديداً، فلا تجد ولا تلمس من أثرها على الكتاب العراقي ماكنا نتوقعه من اهتمام بنشره والإعتناء بتوزيعه وتعريف القارئ العراقي بما تبدعه العقول والكفاءات المقيمة والمهاجرة، فراحت مؤسسات ثقافية أخرى تنهض بدور ثقافي أهم من دورها، وظلت هي تطل برؤوس صغيرة لا تكاد ترى بين جيش الموظفين والموظفات الذين يملؤون مكاتبها حتى إنك إذا دخلت إليها ستجد نفسك ضائعاً بين المناضد الكثيرة التي يفترض أن تكون مثل خلية نحل لبناء الثقافة العراقية الجديدة ولكن الوزارة، على مايبدو، تبني ثقافة السفرطاس وتوفير لقمة العيش للعاطلين عن العمل.
هذه العزلة العراقية جعلت عضواً في المجمع العراقي نال أرفع الجوائز العربية، يفشل في الحصول على فيزة لحضور مؤتمر ثقافي في مصر العربية..اما إتحاد الأدباء فيفضل أن يرسل أحيانا إلى الخارج من لهم جوازات أجنبية لتلافي مشاكل التأشيرات وبلاويها…ولماذا يحدث ما يحدث؟ هذا السؤال يوجه إلى قادتنا وسياسيينا وجوابه الأزلي جاهز لديهم على الدوام: وهو المؤامرة الخارجية على العراق وعداء دول الجوار للعراق ولحكام العراق …وهذا هو الجواب نفسه الذي سمعناه لدى نقل (خليجي 21) من البصرة الى البحرين.. وهو أفضل شماعة ممكنة لتعليق الفشل السياسي على الآخرين بدلاً من الأخذ بزمام المبادرة وتفعيل شتى المشاريع والفذلكات التي تجعل قلوب الآخرين تهفو إلينا. أي أن نجعل أنظار الآخرين تتوجه إلينا من جديد بدلاً من أن تتوجه أنظارنا نحن إلى الآخرين. أي أن ننبهر بأنفسنا لكي ينبهر بنا الآخرون.
مع ذلك يجب أن لا نحزن على ماحصل بقدر مانأخذ العبر من النتيجة التي خرجنا بها من تلك التجارب الغابرة، وهي كم أصبحت ثقافة الداخل بعيدة ومعزولة عن المشهد الثقافي العربي، وكأنها تتناغم مع عزلة أكبر هي عزلة العراق برمته، فلا نجد الوصول إلى جوائز عربية وعالمية يتم إلا بجهود فردية بحته يقوم بها الأدباء أنفسهم والدليل على ذلك إن أدباء الخارج أسرع وصولاً لتلك الجوائز والمحافل العالمية من أدباء الداخل إذ لم تترشح لقوائم البوكر الطويلة على مدى خمس سنوات سوى أربعة اسماء من أدباء الخارج وهم علي بدر ومحسن الرملي وانعام كجججي و(حوراء النداوي لهذا العام)، بينما لا تبادر جهة النشر في وزارة الثقافة العراقية إلى ترشيح روايات عراقية إلى تلك الجوائز ولا تهتم أصلاً بتسويق الروايات المتميزة داخل العراق ثم توزيعها خارج العراق إلا بأضيق الحدود..
وفي الوقت الذي تتعثر فيه الأوضاع المادية لدور النشر الكبرى بسبب ظروف الربيع العربي يمكن للعراق أن يبادر إلى إغتنام الفرصة لتبني مشروع نشر مشترك أو أي شئ من هذا القبيل يجعل الأنظار تتوجه إليه من جديد خصوصاً وإن بغداد ورغم كل الظروف التي مرت بها، لا تزال منتجة للقراء وللمبدعين على حد سواء. موجز الكلام: يحتاج العراق إلى كسر حاجز عزلته عن الآخرين أولاً ولحين يتم ذلك ستبقى بوكر بعيدة.
جريدة الناس. 2011

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

الأحلام لا تتقاعد

لو أنَّ حدّاداً تعب وهجر مهنته أو نجّاراً شاخ فتوقف عن العمل أو محاسباً بارعاً …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *