تقشير الوجوه

تلفات الدنيا
ميسلون هادي
أصبح معروفا لدي العراقيين من هي الوجوه المعتدلة التي يرتاحون لها ويشعرون تجاهها بالألفة بين الشخصيات النيابية والإعلامية والحكومية التي تكّون المشهد السياسي في العراق، فترى الكثير منهم يفضل النائب أو المسؤول الذي ينتقد أبناء “طائفته” أكثر من تفضيله النائب الذي ينتصر لأخيه في الطائفة (ظالما كان أو مظلوما)، كما أنهم أصبحوا يميزون الوجه الطائفي ويستبعدونه من حساباتهم وينظرون إلي أفعاله وأقواله بكثير من الريبة والظن.
إن مثل هذه الرؤية الموجودة بين عامة الناس تبعث علي إثارة التساؤل الملح الذي طالما أقض مضاجع ملايين المستقلين من العراقيين من المثقفين والمتعلمين والمفكرين والكفوئين ممن لم ينتموا إلي حزب من الأحزاب أو يشاركوا في العملية السياسية، وهو أن هذه الطبقة الشعبية المعتدلة، والتي ظلت بعيدة عن الإفتتان بالطائفية، ولم تتلون بلون حزبي فاقع، من يمثلها في البرلمان أو الحكومة، وأين هو دورها الحقيقي في تقديم أفكارها الخلاقة لإعادة رسم الخارطة الوطنية للعراق.؟
في واقع الحال المر إن هذه الطبقة تشكل الغالبية العظمي من اللاجئين العراقيين الموجودين حاليا في المنافي الأوربية أو دول الجوار، وهي “جزاها الله خير جزاء” قد حافظت على نفسها من الوقوع في مطبات وأفخاخ الصراع الطائفي، ولازالت بإنتظار أن يضع هذا الركب السياسي رحاله أخيرا لترى كيف تؤول عاقبة الأمور بعد هذا المخاض الشاق.. وعندما يعتقد بعض الجيران إن العراق سيشهد فراغا أمنيا بعد الإنسحاب الأمريكي المتوقع من العراق، وإنه مستعد لملء هذا الفراغ، فإنه حري بالمسؤولين أن يبادروا بإستدعاء هذه الطبقة الغائبة (أو المغيبة)، التي طالما حفظت لبغداد توازنها وللعراق تنوعه وللحياة إيقاعها الطبيعي المألوف والمتناغم، لملء الفراغ بين ألوان فاقعة إثنية وطائفية وحزبيه لونت المشهد السياسي لخمس سنوات مضت، وهذا الفراغ هو بأمس الحاجة لهؤلاء اللمستقلين والمثقفين الذين حافظوا على اللون المحايد والوطني الخالص، والذي سيصمد على مر الزمان، بل إنهم حتى بالصمت حاربوا هذا الضجيج من التلاسن والإستفزاز الطائفي المتبادل، وكأنهم يمتثلون للحديث الشريف الذي فحواه بأن الإنسان أما أن ينطق خيراً أو يصمت. وإني لأستغرب أشد الإستغراب كيف لا تبادر كل وزارة معنية أو جهة ثقافية مسؤولة بإستحصال أسماء وهواتف هذه الكفاءات المغادرة والعقول المهاجرة والإتصال شخصياً بها واحداً واحداً من قبل أعلى السلطات والإصرار على إعادة أصحابها إلي ديارهم والإنتصار لكرامتهم المهدورة في بلاد الغربة، وتخصيص الأموال اللازمة لدفع الاذى عنهم، وتعويضهم ومنحهم المناصب والإمتيازات التي يستحقونها، كما أني لأذكر كيف إن حزب العدالة والتنمية التركي، وهو حزب إسلامي، قد إستعان بالإنتخابات الأخيرة بوجوه بعض الفنانين المسرحيين والغنائيين لما تتمتع به من شعبية وحضور بين جمهور الناخبين فهل نأتي بجديد إذا قلنا إن الأسماء ذات الطابع الوطني المستقل معروفة جدا ويعرفها الجميع سواء في الرياضة أو الغناء أو الموسيقي أو الطب أو الهندسة المعمارية أو الصحافة …إلخ، ولكن إنظر أين هي الآن: “في تلفات الدنيا” وكل واحد منها منفي “تحت نجمة” والخوف كل الخوف أن إقامته تحت تلك النجمة أبدية وكإنه قد قدر على علماء هذا البلد أن يعيشوا في شتات لا أول له ولا آخر وهم في حالة فرار دائم في حياتهم التي تنقلهم من سئ إلي أسوأ، بل في فرار أبدي حتى بعد موتهم إذ لا تستطيع عوائلهم العودة بجنائزهم إلي العراق تخوفا من أهوال العراق.
جريدة الناس. 2011

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

الأحلام لا تتقاعد

لو أنَّ حدّاداً تعب وهجر مهنته أو نجّاراً شاخ فتوقف عن العمل أو محاسباً بارعاً …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *