الوجوه السبعة

جغرافيا المكان مقلوبة، مضطربة، كأنها في عالم آخر. وفي منتصف الخريطة، انكتبت كلمة واحدة بخط عريض: “الدين” وقد أصبحت تعني دخولنا الممر المظلم، وحدوث ذلك الاضطراب… تستيقظ سبعة وجوه من الماضي القريب، وتقول لنا: يا مَن فتحتم الختم. أخبرونا عن الدنيا التي كانت، فهي الآن مرتبكة، والليل بلا فجر قريب:- الوجه الأول: التكبيرات التي كنا نسمعها وقت العيد، كانت من أجمل اللحظات في حياتنا على الإطلاق.. توقيتها المبكر مع عودة الناس من صلاة العيد، لها وقع السحر في نفوسنا.. هذا السحر لم يعد كما كان، بعد أن أصبحت التكبيرات تنطلق تحت القصــ ف المتبادل بين المسلمين.- الوجه الثاني: نشعر بالراحة النفسية حين نسمع القرآن الكريم بأصوات الشيوخ عبد الباسط عبد الصمد، أو مصطفى إسماعيل، أو محمود الحصري، ولا نشعر بذلك عند سماع القراءات الجديدة الرتيبة التي انتشرت في المولات وصالونات الحلاقة، دون أن ينصت إليها أحد.. فهي تمشي على أسماعنا كما يمشي القطار.- الوجه الثالث: نحن أبناء اليوم، ولا نشرب من النهر نفسه مرتين، لكن النهر يتراجع إلى الوراء، في وضع معكوس للمنطق، فاصبح تحديث الغناء لا يعني أصواتا رائقة تؤدي الكلمات بحروف واضحة، بل صراخ أفواه جائعة للفلوس، وأخرى بربرية تخرج حروفها من قيعان البلعوم.- الوجه الرابع: الأوراق كانت غير مختلطة، والزوايا غير مدورة، فعندما نذكر فلسـ طين لا ننقسم إلى ســــنة وشيـــــعة، وعندما نفتح الصندوق، لا نرى إلا ما يوافق الفطرة والحس السليم، وهذه الفطرة أصبحت جنــــدديا في جيووش مسيسة تخوض في ماء ثقيل.- الوجه الخامس: الصندوق لم يكن حاوية، بل قوة حقيقية، تخبرك الأسود من الأبيض وما بينهما، . وهو مختوم بختم سحري يصنعه الأشبه إلى نفسك، والأقرب إلى روحك، من مرايا نظيفة وأزياء جميلة وملامح بريئة لم يشيطنها مبضع الساحر الحبشي.- الوجه السادس: عندما انطفأت تلك المرايا، وتحولت الى زجاج ترى من خلاله العالم كله، وجدنا ذلك ضرورة من ضرورات التحديث، لكنه ظل يتمدد ويتمدد حتى أصبح يتبادل الإشارات العصبية مع الأدمغة. ولأنه يبث مليون فديو بالثانية الواحدة، فسرعان ما سيتحول إلى جنون أممي.- الوجه السابع: التشويش علينا بهذه الطريقة سيجعل مليون شخص أحمق يتحدثون إليك، ويغيرون لك نادية الجندي من ممثلة فاشلة إلى أيقونة من أيقونات الزمن الجميل. نعم صاحبة الموهبة الفقيرة، أصبحت أفلامها من كلاسيكيات السينما، وبشهادة المهرجان الذي منحها اللقب، والمذيعة التي استضافتها، وأكدت أنها أيقونة. المقولة الشهيرة حول الكذب الكذب الكذب حتى يصدقك الناس قد تحققت أخيرا، فوصلنا إلى ذروة التكرار: اللحظة التي يتوحّد فيها الضلال مع الحقيقة. إنها مثال صغير جدا على تجارة التطبيع والتضخيم والكذب وتدوير الزوايا. ورحمة الله على مصداقية الإعلام التي أصبحت في مهب الريح. رحمة الله على السحر الحلال الذي كان يتنفس للتو.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

النصف الآخر للقمر

ميسلون هادي القادم من المستقبل قد يرى أعمارنا قصيرة، وعقولنا صغيرة، لأنها انشغلت بالصور المتلاحقة …