تراجع الشعر لحساب الرواية:
القول بتراجع الشعر ومكانته وانتشاره وشعبيته، أو سطوته، على حد تعبيركم، يتكرر بين حين وآخر، وما هو بغريب، لكن مثل هذا القول يرد، وبين حين وآخر أيضاً، لا عن الشعر فحسب، بل عن غيره. فقد قيل مثله عن الرواية والقصة القصيرة وغيرهما، بل كثيراً ما ذهب بعضهم إلى القول بالموت: موت الشعر والرواية والكلمة والنقد… وو. ونعرف جميعاً أن أكثر من قال في هذا عربياً هو الناقد العربي عبد الله الغذامي، وقد تناولتُ شخصياً هذا الأمر ورصدت مجموعة كبيرة من مقولات الموت عنده. تبقى المفارقة أن أي ميتة من هذه الميتات لم تتحقق، بل أكثر من ذلك أنّ بعض ما قال الغذامي وغيره بموته صعد ليحتل صدارة الكتابة والإبداع، كما هو حال الرواية مثلاً، فبعد أن توقّع من توقّع بموت الرواية، صار العصر عصر الرواية. ومثل هذا يمكن أن ينطبق، بدرجة أو بأخرى على الشعر. فقد سبق أن صار الشعر فعلاً، وليس قولاً فحسب، في وضع ضعيف جداً في بريطانيا السبعينيات والثمانينات، بحيث صار توزيع الديوان الواحد منه مثلاً بعدد أصابع الكفين أو أقل منها، الأمر الذي دعا المؤسسات الثقافية، بل معها الدولة، حينها تنظم حملات أدخلته غرف العناية المركزة ليعود شيء من الحياة له. والآن، وفي ضوء هذا، هل أدّعي أن القول بأزمة الشعر أو انحسار سطوته لصالح الرواية هو من العبث واللغو؟ لا، بكل تأكيد، فهو يأتي بلا شك من قلق محبي الشعر، شعراءَ ونقادَ شعر وقرّاءً، ولكن آمل أن لا يذهبوا بعيداً في هذا، وأن يعوا بأن مثل هذا الذي يحدث للشعر، إن كان صحيحاً، قد يحدث، بل حدث لأجناس أدبية أخرى، وهو يمثل حالة لا تدوم غالباً، فما نراه مزدهراً وذا سطوة اليوم قد نجده منحسراً غداً، وقد تعود سطوته بعد غد، وهو ما ينطبق على جميع الأجناس الأدبية والفنية، وذلك وفقاً لمتغيرات الثقافة والظروف العامة والتأثير والتأثر ما بين الشعوب والمزاج العام.
د. نجم عبدالله كاظم
شاهد أيضاً
دراسة عن دروب وحشية
تشكلات البناء السردي في رواية دروب وحشية للناقد نجم عبد الله كاظم أنفال_كاظم جريدة اوروك …