القرن بعد اكتماله

الرواية التي تهندس الواقع، دون تزييفه، تحتاج إلى إسعاد القارئ، المتشبع بالكوارث كلها، ولا يريد أن يراها مكررة على الورق. وهنا قد يرعى الكاتب عالم الفانتازيا، الذي ارتادته اعمال كثيرة مطلع هذا القرن، كما يمكن للكاتب تجاوز هذا التكرار بتصفير نظرته للتجربة الخبرية، وتقديمها بعيون خام بريئة غير مؤدلجة، وهذا التصفير يصعب وجوده إلا عند أبينا آدم، فالأفضل إذن، أن نجعل القارئ يضحك على هذا الواقع، من خلال السخرية منه، والتهكم عليه، ولم أجد هذا يحدث إلا نادرا، وفي روايات معدودة من روايات هذا القرن. الرواية العراقية جادة أكثر من اللازم، وهذه الجدية حولتها إلى غرفة أخبار سياسية. وليست رواية ذكرى محمد نادر هي (كبش الفداء) لما أشعر به تجاه الرواية العراقية، لأني لا أستثني نفسي مما ذكرت، إلا في مجال ارتياد السخرية، عندما أشعر بمرارة الأحداث، فأبتكر شخصيات لطيفة، أو غريبة الأطوار، تخفف جرعة الشجن داخل الرواية. (ذوكي وكوكي) توأم قُتلت أمهما برصااص قنااص يلهو برشاشته، فأخذتهما (مراثي) في قارب من قوارب المهاجرين إلى أوربا، واستمعنا من خلالها إلى قصص العراق، قصة قصة، وبيتاً بيتاً، حتى إذا ما اكتملت أيام المحنة، أفرجت الكاتبة عن فكرتها السحرية المريحة للنهاية.. مفردات الرواية كانت تحمل النفس البانورامي الفخم الذي عرفنا ذكرى به في روايتها الأولى (قبل اكتمال القرن)، ودفاتر العراق القديمة والجديدة تصبح كلها في مهب العاصفة، عند المكوث في مصحة نفسية. بحيث حسدنا حتى ديدان القز، لأنها لا تعي ولا تجتر الماضي، وليس لديها ما لدينا من تاريخ.مخطيء من يظن أن الكلمات لا يمكن أن تكون إرثا. بهذا الإهداء تبدأ ذكرى محمد نادر روايتها (القرن بعد اكتماله). ومعها حق فيما قالت، لأنها جعلتني أكتب عنها، ومن خلالها، عن الرواية العراقية، التي مرت بما مر بها العراق من مراحل، فقد جاء حين من الدهر على السرد العراقي جعلنا نشعر فيه أن البطل تائه وذاهل، لأن الفعل غير تام أو مكتمل، ويدل على الضياع واللا يقين، وهذا انعكاس لفترات السجون وتقلبات الوطن الواقف على أطراف الأصابع. وما هي إلا سنوات حتى أصبح السرد العراقي يتحدث عن الخناادق والمعاارك والجبهات… ثم اكتمل القرن، فانتهت التأملات الذهنية، كما اختفت الإيدلوجيات، أو أصبحت أخف وقعا بكثير، فاتجهت الرواية أخيراً إلى فضاء منفتح يمكنك أن تملأه بما تشاء، وكيفما تشاء. وهنا نعود بشكل دائري للبداية، ونؤكد أن الرواية يجب أن تقدم بهجة الحياة، بجانب الحدث المؤلم، أي أن ما يرسخ في النهاية هو هذا الأمل، الذي نشعر به سوف يلتئم، حتى وإن تمزق قليلاً..رواية (القرن بعد اكتماله) دار العراب السورية/متوفرة في مكتبة عدنان. المتنبي.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

النصف الآخر للقمر

ميسلون هادي القادم من المستقبل قد يرى أعمارنا قصيرة، وعقولنا صغيرة، لأنها انشغلت بالصور المتلاحقة …