العظيم والأخطاء اللغوية

العظيم والأخطاء اللغوية

د. نجم عبدالله كاظم
في قراءة لكتاب عن الروائي الأمريكي سكوت فيتزجيرالد أعدته مجموعة من الكتّاب، يركز عليه لا على فنية أعماله، لفتَ انتباهي، ضمن إشارات تبدو عابرة- وما هي في الحقيقة عابرة- أن العديد من المشاركين في هذا الكاتب قد رصدوا عليه- وهو الكاتب الكبير وصاحب”كاتسبي العظيم” ما يقع فيه من اخطاء في الكتابة، بما في ذلك ما هو في قواعد اللغة. بل تجرّأ أحدهم فقال إن سكوت فيتزجيرالد ربما يكون واحداً من أكثر الكتاب الذين خرجّتهم المدارس المريكية ارتكابا لهذا النوع من الاخطاء الكتابية، وبالتحديد- ويا للمفارقة!- الإملائية.
استوقفتني هذه الملاحظة، وكان من الطبيعي أن أعدّها مأخذاً على الكاتب. ولكن برز أمامي تساؤل في ضوء ذلك وأهم منه، وهو: هل حالَ هذا المأخذ (الخطير) بين فيتزجيرالد وبين ان يكون كاتبا عظيما؟ لا، بكل تأكيد، مع أن هذا لا يمنعنا من عد هذا المأخذ مأخذاً. لقد كتب فيتزجيرالد، وأخطأ كثيراً في القواعد والإملاء، ورصد عليه ذلك نقاد عديدون، ولكنه بقي كاتباً كبيراً، وبقي هؤلاء النقاد، وبقي القراء، يجدون أعماله عظيمة، ليبقي العظيم عظيماً، كما بقيت بعض أعماله عظيمةً.
وإذ قرأت هذا واثارني، أحسست كم نحن قساة أحياناً على كتّابنا، الشباب منهم بشكل خاص، حين نهوّل مما قد نجده في بعض أعمالهم الإبداعية أخطاءً إملائية، أو ما جاءت سهواً نحوياً، أو عدم دقة لغوية أو هفوات تعبيرية بسيطة. ولعل في الرجوع الى الصفحات الثقافية في بعض صحفنا ومجلاتنا ما يكشف بعضاً من هذا التهويل، بل إننا لنجد من النقاد من تخصص بكتابة الموضوعات واعمدة التقويم اللغوي المبالغ فيه.
ولعل مما يجب أن يكون اللغويون والنقاد عموماً أكثر مرونةً معه في هذا الشأن، الهامش الذي نعتقد أن المبدع يمتلكه في تجاوز بعض ما يبدو حدوداً لغوية، كأن يستخدم بعض الاشتقاقات غير الملتزمة بقواعد الاشتقاق في العربية، أو بعض المفردات وربما التعبيرات العامية التي ينطلق فيها من مبررات فنية وموضوعية يقوده إليها إحساسه الإبداعي، لا سيما في الأعمال السردية، وبشكل أكثر وضوحاً وإقناعاً في الرواية. وفي هذا كلام طويل لا مجال للتفصيل فيه.
هنا ننبّه إلى أننا إذ نقول ذلك لا نعفو الأدباء بالطبع من الحرص على السلامة اللغوية، ومن الالتفات إلى تصحيح الخطأ، ومن التراجع عن الضعف، لغوياً كان أم نحوياً أم تعبيرياً، كما لا نستغرب من النقاد واللغويين التفاتهم إلى تصحيح الخطأ وتقويم الانحراف. ولكن ليكن ذلك بشكل معقول يبني ولا يهدم، ويضيف لا يسلب، ويدفع بالكاتب الى ما هو أفضل وأقوَم، لا إلى ما يحبط. ولعل البدء بالأهم فالمهم فالأقل اهمية، يفعل ذلك إلى حد بعيد، ولندع ما هو ليس مهماً، توفيرا لوقت المبدع وجهده وحماسته وانغماره الثمين.
جريدة (القادسية)- بغداد، 1992

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

محي الدين زنكنة دراسات تطبيقية مقارنة

الكافكاويةفي روايات محي الدين زنكنه أ د. نجم عبدالله كاظمأستاذ النقد والأدب المقارن والحديثكلية الآداب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *