العرب محيطاً ضد الغرب مركزاً
في رواية ما بعد الاستعمار العربية
د. نجم عبدالله كاظم
أستاذ الأدب المقارن المتمرس
كلية الآداب – جامعة بغداد
مقدمة
أود بداية أن أبيّن النقاط الآتية: أولاً، إن هذه الورقة كانت، في الأصل، تقوم على الرواية العربية في النصف الثاني من القرن العشرين، ولكن بسبب المتغيّرات التي شهدتها مدة العقدين والنصف الأخيرة، أجريت بعض تغيير على هذا التحديد بالاعتماد على الرواية العربية الصادرة في هذين العقدين، أعني تحديداً المدة التي تبدأ بالغزو الأمريكي- الغربي على العراق عام 1991، في أعقاب غزو الجيش العراقي للكويت، ومروراً بالحرب الأمريكية على العراق واحتلاله عام 2003، ووصولاً إلى الوقت الحاضر تقريباً، ولكن مع عدم استبعاد الرجوع أحياناً إلى ما قبل هذه المدة. ثانياً، وبالرجوع إلى بعض أوراقي البحثية ودراساتي السابقة في الموضوع، تأتي هذه الورقة استكمالاً لتلك الكتابات، مع محاولة تقديم صورة شاملة عن الموضوع، ضمناً. ثالثاً، لأن عملي في موضوع (الآخر) في الأدب العربي الحديث، ولاسميا الرواية، عادة ما يعتمد على النصوص الأدبية، ولاسيما الروائية، وعلى التجارب العملية الشخصية مع (الآخر) التي كثيراً ما تكون هي الدافع الرئيس للبحث في الموضوع، اعتدتُ، في كل كتابة فيه، أن أبدأ بهذا الدافع، أعني تجاربي الحقيقية مع الآخر، وتحديداً الغرب والغربيين، لكني فضلت هذه المرة أن أجعل هذا في ملحق للبحث. على أية حال، إن ما معروف، في هذا السياق، على أنه حقائق يشعر بها معظم العرب حد الإيمان بصدقيتها تجاه الأمريكان والتي هي غالباً سلبية، وتجاه البريطانيين التي هي أقل سلبية بدرجة طفيفة من جهة، وتجاربي الخاصة مع الغرب والغربيين التي هي في الغالب إيجابية، عادةً ما شكّلتا في ذهني صورتين متعارضتين، وخلال أكثر من عشر سنوات أخيرة كنت افكر بهذه الصورتين أو الصور المتعارضة التي تكونت في ذهني، وأعتقد في أذهان العديد من العرب، ودرستها، ولكن كما معبَّر عنها في الأدب. في الحقيقة، لقد حاولت ولا أزال، في كتاباتي التي تُعنى بالآخر، والغرب بشكل خاص، أن أشرح هذا التعارض ما بين الصور السلبية التي كثيراً ما يقدّمها الأدب العربي وربما في الخطاب الثقافي العربي بشكل عام، وتجاربي التي خبرتها مع الغرب والغربيين التي هي في الغالب إيجابية كما قلت، بل سعيدة، مع عدم استبعاد تجارب الآخرين وكتابتهم هنا.
التمهيد
الكتابة عن الآخر في الرواية العربية
هناك العديد من الكتب، والأوراق البحثية، والدراسات والمقالات والموضوعات الأخرى قد أُلّفت وكُتبت، خلال العقود الأربعة الأخيرة، عن (الآخر) أو (نحن والآخر)، في الأدب العربي المعاصر. أحد أهم من كتب في هذا إدورد سعيد، ففي كتابه الشهير “الاستشراق” وكتابات أخرى في هذا المجال، يركز سعيد على صورة أو صور العرب من وجهة النظر الغربية وكيف ينظر الغرب إلى الآخرين، ولاسيما خلال مرحلة الاستعمار. وعدا كتاب إدوارد سعيد وكتاباته الأخرى هذه، لعل أهم كتاب رائد في هذا المجال هو كتاب جورج طرابيشي “شرق وغرب، رجولة وأنوثة”- 1977. فقد كان هذا الكتاب دوماً ولا يزال يُعد مهماً وعميقاً بالرغم مما قد يًسجّل عليه من تحفظ من بعض النقاد، ونحن منهم، وتحديداً في في تجنيسه للعلاقة الحضارية والمواجهة ما بين الشرق والغرب. ولهذا فهو، في إشادته بإحدى الروايات التي تعاملت مع علاقة الشرق والغرب يقول: “الضجة الأدبية التي رافقت (الحي اللاتيني) منذ ظهورها في مستهل عام 1954 [كذا] ترجع، في ما ترجع، إلى أنها استطاعت ما لم يستطع غيرها: أنْ تكون أنموذجاً للرواية التي تعالج العلاقة الحضارية بين الشرق والغرب من خلال العلاقة الجنسية بين المثقف الشرقي والمرأة الغربية”([1]).
ضمن أواخر هذه الدراسات يأتي كتاب بعنوان “تمثيل العرب للمواجهة بين الغرب والشرق في الرواية العربية” الذي كتبه بالإنكليزية تحت عنوان “تمثيل العرب للغرب، المواجهة ما بين الشرق والغرب في الرواية العربية” Arab Representation of the Occident, East-West Encounter in Arabic Fiction الدكتور رشيد العناني. وبرأيي أن هذا الكتاب هو واحد من أفضل وأهم ما كُتب من أعمال عن هذه الموضوعة خلال العقدين أو الثلاثة الأخيرة. وإذا ما كان من تحفّظ يمكن للمرء أن يسجّله عليه، فهو أنه غطى مدة طويلة جداً من تاريخ الرواية العربية، فمثل هذه التغطية لهكذا مدة طويلة مقبولة بل مقنعة، من وجهة نظر نقدية، بحدود تعلق الأمر بالأعمال الأدبية المدروسة وبدواخل عوالما المتخيّلة، لكنها ليست كذلك حين تخرج عن هذه الأعمال وعولمها إلى الواقع الحقيقي. وعلى أية حال ولوعيه بهذا، وضح الموقف وقسّم الدكتور رشيد العناني هذه المدة الطويلة إلى أربعة أقسام تاريخية، وتعامل مع الروايات والتمثّلات لكل قسم على حدة.([2]) إن مثل هكذا دراسة تتعامل مع موضوع العلاقة بالآخر في الرواية أو في أي جنس أدبي آخر، لا تكون دراسة نقدية فقط، بل هي تتعامل بشكل مباشر أو غير مباشر مع الموضوع أو الجانب الاجتماعي والسياسي على أرض الواقع أيضاً. كما لا يُنظر إلى العمل المدروس على أنه نصٌ أدبي فقط يُعنى قارئه بمعانيه الجمالية والأدبية فحسب، بل بوصفه خطاباً يشتمل على معانٍ أدبية وجمالية وتأريخية واجتماعية كمكوّنات ثقافية.([3]) وعليه، فإننا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار المجتع المتغير الذي تقوم عليه وعلى المتغيرات فيه الروايات التي ندرسها، كما هو إلى حد كبير جميع الأجناس الأدبية الأخرى. ووفقاً لذلك نحن عادة ما نتوقع من السرد، ولاسيما الرواية، أن تقدم لنا صورة أو بعضَ صورةِ الواقع ما دامت تتعامل مع المجتمعات، ومع الظواهر الاجتماعية والتأريخية. وفي النتيجة، فإن هذا يفرض علينا أن نضع حدوداً معقولة للمدة التي ندرس الأعمال تعود إليها، لأن المتغير في المجتمع، وضمن ذلك التغير في علاقات الشرق والغرب، سيتمثّل في تلك الأعمال، مما يفرض علينا أن ندرس أعمال كل مدة أو حقبة أو مرحلة تاريخية بخصوصية معينة، الأمر الذي يجعل من تغطية مدة طويلة مربكاً لدراستنا وموضوعيتنا وعلميتنا. من جهة أخرى، ما دام تصور الروائي ووجهة نظره تقوم بشكل أساس على تجربته الحقيقية في الحياة، وعلى ما يجري في المجتمع، وعلى الأحداث الاجتماعية والسياسية، بما في ذلك العلاقات بين الشرق والغرب، فإن مثل هكذا تصور ووجهة نظر تكون بالتأكيد متغيرة وفقاً للمتغيّرات التي تحدث في كل هذا الحقول، وكل ذلك مما أخذناه نحن بالاعتبار في الكتابة في الموضوع.
لقد جاءت إسهاماتنا في الكتابة في هذا الحقل في ثلاثة كتب، وأربع أوراق بحثية، والعديد من فصول الكتب والمقالات والدراسات الأخرى. في الواقع لقد بنيتُ هذه الورقة، كما أشرنا في المقدمة، على بعض هذه الإسهامات، ولكن مع عدم إنكار دراسات الكتّاب والباحثين الآخرين التي أشرت إلى بعضها سابقاً. وبالإشارة إلى كل تلك الكتابات السابقة عن الآخر وتحديداً الغرب والغربيين وصورهم في الأدب العربي، من الطبيعي أنْ نجد أنّ هذا الأدب، ولاسيما الروايات، يقدم صوراً إيجابية وأخرى سلبية للغرب، ولكن مع ملاحظة أن الهيمنة هي للثانية بشلك واضح. ومن هذه الظاهرة تحديداً ينفرز سؤال أو قضيةُ ورقتنا وهي الآتية: إذ نجد منطقياً أن تكون هناك صور إيجابية وأخرى سلبية عن الغرب في الرواية العربية، لماذا تهيمن الصورة السلبية، وهل هذه الهيمنة منطقية؟ أما جوابنا الافتراضي أو فرضية ورقتنا المبنية على القراءة المتأملة، فهي: لكون الغالبية العظمى من الروايات العربية قد نُشرت في النصف الثاني من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قدّمتْ الرويات التي تعاملت مع الغرب الصور السلبية غالباً عن الغرب لحقيقة سلبية هذه الغرب على أرض الواقع، على الأقل كما تراه النسبة العظمى من العرب، والتي تعني أنها مثّلت حقبة ما بعد الاستعمار، وعبّرت عن نظرية ما بعد الاستعمار التي من جملة ما تقول به وتهدف إليه هو تفكيك نظرية الاستعمار وإمبريالية الخطاب الثقافي الغربي. وهذا ما نحاول في رقتنا أن نثبته ونقنع القراء به مستحضرين لذلك ودارسين صور الغرب في العديد من الروايات العربية الصادرة خلال العقدين الأخيرين بشكل خاص، وإلى حد ما العقود الثلاثة.
خطاب الاستعمار وخطاب ما بعد الاستعمار
معروف أن الاستعمار/ الكولونيالية كان تمثّل، على المستويات الثقافية، في الخطاب الاستشراقي الذي تعامل معه إدورد سعيد وحلّله وفككه. ووفقاً لسعيد ولعدة باحثين ومفكّرين آخرين، وهم في الغالب من بلدان العالم الثالث ويعيشون أو يقيمون في الغرب، إن أكثر الأمور المهمة التي عبّر عنها الخطاب الاستشراقي، إن لم نقل مارسه، مع الآخرين كانت: العنصرية، والهيمنة، والتهميش، وهي التي شكلت محتوى ما ستّسمى نظرية الاستعمار. وكل ذلك قد تجسد في ما صار معروفاً بالمركزية الأوروبية ونحن نفضل تسميته المركزية الغربية. وكردّة فعل على وجهة النظر الاستعمارية، نظرية الاستعمار/ نظرية الكولونيالية ومواجهةٍ لطروحاتها، كان من الطبيعي أن تظهر وجهة نظر مضادة ترفض وتسفّه وتفكك وجهة النظر تلك التي كانت صالحة التطبيق غربياً على الأرض. وهكذا ظهرت وجهة نظر الآخر- بالنسبة للغرب- الذي هو شعوب العالم الثالث، معبَّراً عنها في خطابه الثقافي المتنوع، وهي ما ستسمى نظرية ما بعد الاستعمار/ ما بعد الكولونيالية، تتعامل مع المركزية الغربية التي مكّنت الغرب من فرض التهميش والإقصاء وإدامة وجوده بأشكاله المختلفة، على الآخرين، ولاسيما العالم الثالث، بما فيه الوطن العربي. وهكذا، ظهرت كتابات ودراسات ما بعد الاستعمار، ووفقاً لبيل آشكروفت وغيره، نتيجة لقراءة لخطاب الاستعماري.([4])
هنا، نحن نرى أن من الطبيعي، إن لم نقل الغريزي، أن تحاول جميع الأمم والبلدان أن تصدّر ثقافتها ومبادئها، لتهيمن على الآخرين، على الأقل في مناطقها أو أقاليمها، ولتمارس في النتيجة فعل التوسع، وهذا ما تمثّل في الفعل الاستعماري الغربي، وكما تمثل في غيره عبر التاريخ. ولكن من الطبيعي أيضاً أن تظهر ردة فعل الآخر ورفضه لما يراه توسعاً من الآخر واعتداءً عليه، أو على الأقل تهميشاً له. وهكذا ظهر خطاب ما بعد الاستعمار ومن خلفه نظرية ما بعد الاستعمار على أيدي أبناء البلدان المستعمَرة وكانوا في الغالب ممن يقيمون في الغرب. وبينما كان العربي/ الأمريكي إدوارد سعيد، الفلسطيني الأصل، هو المؤسس الحقيقي لنظرية ما بعد الاستعمار وللدراسة فيها ووفقها، فإن فرانتز فانون، الذي هو في الأصل من جزر المارتينيك، في نشاطه وكتاباته، وراء جذب الانظار إليها وتحقيق أفضل تلقّ لها، دون أن ننسى بالطبع الحماس المهم والنشاط المؤثر للهندي المعروف هومي بابا وسبيفاك وغيرهما، وكلهم من أصول تعود إلى بلدان العالم الثالث ويعيشون في الغرب
وفي الوقت الذي استهدفت فيه هذه النظرية، كما طبقها وفعّلها إدورد سعيد، من خلال تحليل وتفكيك خطاب الاستشراق، في كتاب (الاستشراق) وكتاباته الأخرى، تفكيك الخطاب الغربي الذي يخص العالم الثالث، وضمنه الوطن العربي بالطبع، فإنها وجدت أن الخطاب الاستعماري/ الكولونيالي يعبر عن الغرب بوصفه مركزاً وعن الآخرين، وتحديداً العالم الثالث، بوصفهم محيطاً أو هامشاً. الحقيقة، ونحن ننظر إلى خطاب الاستشراق تحديداً، يبدو أن الغرب ينظر إلى العالم بأممه وبلدانه وكأنه كون، والغرب فيه المركز، والآخرون كواكب تدور في فلكه وتنحبس بجاذبيته في مدارات تدور حوله. ونحن نتفق مع ذلك جزئياً، أي أن الغرب قد يكون مركزاً، ولكن مع فارق مهم وكبير، وهو أن تلك الأمم والبلدان تؤمن بأن العالم، وعلى شاكلة الكون، الذي هو ذو مجرات ومجموعات شمسية متعددة وتبعاً لذلك هو متعدد المراكز، فهو بدوره متعدد الأقاليم والمناطق وتبعاً لذلك متعدد المراكز، وليس أُحادي المركز كما يراه الغرب أو كما يريد له أن يكون.
نعتقد أن رفض الكتّاب والباحثين والمفكرين العرب، الذين يتعاملون، في كتاباتهم مع الغرب والغربيين والفكر الغربي، للخطاب الغربي والمشروع الاستعماري غير المقبولين يعني رفضاً للمركزية الغربية. النتيجة كانت أن كتّاب ما بعد الاستعمار، الذين هم ذوو أصول تعود إلى بلدان العالم الثالث، رفضوا في خطابهم هذا المركزية الغربية بكل مقوّماتها. وهذا جوهر ما صار يُصطلح عليه خطاب ما بعد الاستعمار.
الرواية العربية والغرب
بالانتقال إلى صور الغرب، لقد صنَّفت كتب وأوراق بحثية ودراسات أخرى سابقة، لنا ولغيرنا، هذه الصور، كما قدمها الأدب العربي الحديث، في مجموعات كثيرة رئيسة وفرعية، لكننا، وبسبب محدودية المساحة لذلك في ورقتنا، نفضل أن نضيّقها إلى مجموعتين رئيستين، وضمن كل واحدة منها تنطوي صور ثانوية وفرعية. المجموعة الأولى تقدم الغرب سلبياً، والثانية تقدمه إيجابياً. وسنقف هنا عند كل من هاتين المجموعتين بشكل عام، ولكن مع ما قد تشكّله مجموعات ثانوية أو متفرّعة، مركّزين عملنا على الصور التي تقدم الغرب السلبي. وكما أشرنا سابقاً، فإن هذه السلبية لا تشكل ظاهرة غير عادية، بل هي أمراً طبيعياً أو اعتيادياً يمكن أن نجده ضمن الصور التي يكوّنها أي شخص أو أمة أو بلد تجاه آخر. لكن الشيء غير العادي في هنا، ولاسيما في بعض المراحل التأريخية والأدبية، هو الهيمنة المثيرة للانتباه للصورة السلبية للغرب وتراجع الصور الأيجابية له. وفي محاولة معرفة لماذا تهيمن الأولى في الرواية العربية لا نجد هذه الصور في أذهان شخصيات العوالم المتخيّلة للروايات فقط، بل في أذهان العرب على أرض الواقع وفي الحياة الحقيقية، مما يعني أنّ هناك أسباباً موضوعية، وربما أسباباً أخرى، وراءها. ومن هنا، ومع أننا نفضّل أن نقتحم الروايات أنفسها لنكشف عن طبيعة الصور والسياق الذي تأتي فيه ومبررات أن تكون بهذا الشكل أو ذلك، نجد أنفسنا مضطرين إلى أن نعرض ما نعتقد، ويعتقد غيرنا من الباحثين، أنها عوامل ما قبل الكتابة التي كانت وراء هذه الصور، أو معظمها، أو بعضها. في الحقيقة أن هناك خمسة عوامل نعتقد أنها مسؤولة عن الصور المتنوّعة والمتغيرة للغرب والغربيين التي قدمتها الرواية العربية والأدب العربي بشكل عام. هذه العوامل هي:
أولاً: الاستعمار وأشكال الوجود الأجنبي، مثل البريطاني والفرنسي والأمريكي، ولاسيما العسكري، في العالم العربي،
ثانياً: الصراع العربي الإسرائيلي، والمواقف الغربية، المتعاطفة والمساندة غالباً لإسرائيل.
ثالثاً: الخلفيات العقائدية والأيديولوجية والفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية المسبّقة والمترسخّة وشبه المترسّخة للروائيين والكُتّاب العرب.
رابعاً: وسائل الإعلام والاتصال، سواء تلك التي في الغرب والتي غالباً ما تمثل جماعات ضغط وتأييد للإسرائيل متنوعة، أو تلك التي في الوطن العربي والتي غالباً ما تمثّل وجهات نظر حكومات وجماعات مؤيدة للفلسطينيين والعرب.
خامساً: التجارب الشخصية للروائيين العرب مع الغربيين، سواء في بلدان الروائيين والمؤلفين للروايات والأعمال الأدبية الأخرى التي تعاملت مع الغرب، أو في الغرب نفسه.
إلى جانب هذه العوامل، يحاول بعض الباحثين تفسير البروز غير العادي للصور السلبية تحديداً، بالإشارة إلى الاتجاه القومي في الرواية العربية التي يعتقدون بأنه أحد ردود فعل العرب على الاستعمار الغربي. وعلى أية حال، مع أن هذه العوامل تفسر الصور العامة للرواية العربية في تعاملها مع الغرب والغربيين، وجزئياً هيمنة التقديم السلبي منها، فإنها لا تجيب على كل السؤال. وإذا ما كانت هذه العوامل خارجية مؤثرة في العرب وضمنهم الروائيون والكتاب الآخرين، فإنها بالتأكيد تحضر في العالم المتخيّل، كما سنرى.
وبالإشارة، مرة أخرى، إلى التناقض ما بين الصور السلبية للغرب التي يقدمها الأدب، والصور الإيجابية التي كوّناها نحن وبالتأكيد آخرون، من خلال التجربة العملية مع الغرب، نجد أنفسنا معنيين بالعاملين الأول والأخير بشكل خاص من هذه العوامل المؤثرة. في المقابل إن الورقة إذ تستفيد من هذه العوامل في فهم أفضل للأعمال التي تتناولها، فإنها في محاولة إجابتها على السؤال المطروح، تعتمد بشكل أساس على تحليل الخطاب الأدبي نفسه، نعني الروايات، ولكن الأدب بشكل عام لأي أمة أو مجتمع قد يعبّر، بشكل أو بآخر، عن الحياة والناس والمصالح والمشاكل والأحلام والمواقف من كل شيء في تلك الأمة أو المجتمع. وعليه، فإننا نأمل أن الكشف عن السبب أو الأسباب التي وراء كل نوع من الصور السلبية للغرب، سيعني بالضرورة الإجابة على سؤال الورقة: لماذا تهيمن الصور السلبية التي يكوّنها العرب في العوالم المتخيّلة للرويات العربية؟ ومع أننا سنحتاج هنا إلى استدعاء الصور السلبية التي كشفنا عنها في دراساتنا السابقة، فإننا سنسترجع أيضاً بعض الصور الإيجابية، لأننا نعتقد بأنها ستشارك الصور السابقة في تفسير الظاهرة.
الصور السلبية للغرب
في الرواية العربية
إن معظم نماذج الصور السلبية تقدم الغربيين، أفراداً ومجموعات ومجتمعات، بوصفهم استعماريين وعنصريين وعدوانيين وغير وديين. في الحقيقة، ذلك كان من الطبيعي أن تحضر الصورة النمطية للاستعمار والمستعمرين والبلدان الاستعمارية في أولى الروايات العربية تبعاً لأنها تعود لحقبة الاستعمار أو قريبةً منها، وفي الروايات المتأخرة تبعاً للحروب المدمرة في الخليج والعراق وأفغانستان. إن انتتهاء الاستعمار في بلدان مختلفة لا يعني أن تأثيره بالضرورة قد زال فيها، ولا يعني أن شعوب تلك البلدان قد نسيت كل شيء عنه. بل إن بعض تلك البلدان لا تزال يُنظر إليها على أنها بلدان مستعمَرة ولكن بطرق مختلفة غير الطريقة القديمة. هنا من الطريف أن نشير إلى أن بعض النقاد والدارسين يرون، محقّين برأينا، أن بعض مظاهر الحضارة والتطور والتحديث التي وصلت في تلك البلدان على يد هذا الاستعمار وهي واضحة ومتجسّدة في إقامة المدارس والمستشفيات، وفتح طرق المواصلات والسكك الحديد، إلى جانب إسهامه في خرق الممنوعات المتخلّفة المتوارثة، والكشف عن الثقافات المختلفة والتراث وإحيائها، بل حتى نقل الحرية والديمقراطية وإنهاء الديكتاتورية أحياناً. انتقالاً إلى النصوص الإبداعية، وهي هنا الروايات، نجد الكثير منها يعكس أنّ الاستعمار باق في أذهان شعوب البلدان المستعمرة، ففي رواية “عابر سرير”- 2002- للجزائرية أحلام مستغانمي تعبّر الكاتبة عن ذلك من خلال الشخصية الفرنسية فرانسوا، حين تقول عن لوحة بريشة فنان جزائري:
“- هذه رسمها زيان تخليداً لضحايا مظاهرات 17 أكتوبر 1961، خرجوا في باريس في مظاهرة مسالمة مع عائلاتهم للمطالبة برفع حظر التجول المفروض على الجزائريين، فألقى البوليس الفرنسي بالعشرات منهم موثقي الأطراف في نهر السين. مات الكثير منهم غرقاً، وظلت جثثهم وأحذية بعضهم تطفو على السين لعدة أيام، لكون معظمهم لا يعرف السباحة.”(عابر سرير، ص58-59).
ومع وجود مثل هذا الحضور في الكثير من الروايات العربية، كما قلنا، كان طبيعياً جداً أن تكون غالبية الروايات التي تعاملت مع المستعمر عموماً في العقد الأخير وربما العقدين الأخيرين، عراقية، استجابة لما شهده العراق من وقائع وأحداث شملت عودة الأجنبي، الأمريكي بشكل خاص والغربي إلى حد كبير، في أحد أبرز أوجه حضوره، وهو الاحتلال، وهو ما استجابت له الروايات العراقية. بل مما لا يعرفه الكثير الدارسين والنقاد العرب، وضمنهم حتى العراقيين، أن قليلاً جداً من هذه الروايات التي صدرت في العقد الأخير، لم تستجب لهذا الواقع. ومن أبرز تلك التي تعاملت مع الأجنبي عموماً، والأمريكي والغربي خصوصاً، وضمن ذلك تعاملها معها محتلاً: “الحدود البرية”- 2004- و”نبوءة فرعون”- 2007- و”حلم وردي فاتح اللون”- 2009- و”شاي العروس”- 2010- وجميعها لميسلون هادي، و”حليب المارينز”- 2008- لعواد علي، و”ملائكة الجنوب”- 2009- لنجم والي، و”الغبار الأمريكي”- 2009- لزهير الهيتي. وجميع هذه الروايات تعبّر عن وعي بحقيقة ما يجري، وبما هو حقيقة ًوراء قدوم الأجنبي، فرواية “حليب المارينز”، مثلاً، تقدم شخصية واعية بشكل تام بالادعاء الغربي، وتحديداً الأمريكي، الزائف بأن التحرير ونشر الحرية والديمقراطية هي الأسباب وراء الحرب التي شنتها أمريكا والغرب على العراق. وهو يقول:
“إن المارينز لم يدخلوا بغداد حاملين مشعل الحرية، ولم تذهب أميركا إلى العراق كي تُرضع شعبه من ثديها المدرار بالحليب المجاني، بل لتهبه صندوق باندورا المشؤوم”(حليب المارينز، ص63).
إن مثل هذه الصور والشخصيات وأشكال السلوك والتصرف في الرواية العربية هي نوع من التعبير عن رفض الاستعمار بشكليه القديم والجديد.
عدا هذا، تقدم هذه الروايات، وغيرها أيضاً، الغربيين، أفراداً وجماعات ومجتمعات وهم يُواجِهون أبطال هذه الروايات العرب، الذين عادةً ما يكونون أصحاب تجارب غير سعيدة في الغرب، حين يقيمون فيه بوصفهم طلاباً أو لاجئين في غالبية الحالات. الحالة التي تتمثل عادةً في زمن ما بعد الاستعمار، تظهر وكأنها، بشكل ما، استمراراً للممارسة الاستعمارية السابقة، وفي ظل هذه المواجهة تتجسد الخائص السلبية للغربي، كما براه الروائي، أو الشخصية العربية في الرواية. من هذه الروايات التي قدمت هكذا صوراً أو حالات: “الرحلة، يوميات طالبة مصرية في أمريكا”- 1987- للمصرية رضوى عاشور، و”الرقص على الماء”- 2000- للعراقي محمود البياتي، و”الحدود البرية”- 2004- للعراقية ميسلون هادي، ولكن تبقى الحالة الأكثر حدّة ووضوحاً لهكذا صورة سلبية للغرب في الروايات التي درسناها حالة هي لا تتعامل مع الغرب والبلدان والشعوب الغربية بشكل عام، بل مع الولايات المتحدة الأمريكية والأمريكان حصرياً الذين تصورهم الرواية التي ترد فيها عدوانيين وقبيحين جداً. ولهذا أطلقتً شخصياً، هنا وفي دراساتي الأخرى، على مثل هذه الصورة (صورة الأمريكي القبيح). أما في معظم هذه الروايات، وفي غيرها مما لم نشر إليها، يُواجَه أبطالها بغربيين عنصريين أو معادين أو، على الأقل، غير ودودين، سواء أكانوا في الولايات المتحدة الأمريكية، كما هو الحال في الرواية رضوى عاشور، أو في السويد، كما هو الحال في رواية محمود البياتي، أو في بلدان أخرى. ولعلّ النموذج الآتي من رواية محمود البياتي، أحد أوضح هذه النماذج التي تقدم الغربي العنصري والعدواني، وفيه يجري حوار ما بين الشخصية الرئيسة الذي هو لاجئ عراقي في السويد، ورجل سويدي يقول له:
“- أنتم إرهابيون، أعنف أمة، تاريخكم ملطخ بالدماء منذ ظهر محمد هذا في الجزيرة العربية.
لكن المهم هنا أن البطل العربي المهاجر يرد على السويدي بالقول:
“- نبينّا قال : لئن تزول السماوات والأرض أهون على الله من قطرة دم تُسفك. (التوأم المفقود، ص85)
ومثل هذا تماماً ما يتردد كثيراً في رواية العراقي ناجي التكريتي “نورا”- 1981.
وإذا ما كان هذا الخطاب العربي يستهدف خطاباً معادياً للخطاب الغربي الذي يصفه إدوارد سعيد بالعنصري، وكما يتمثّل فعلاً في شخصية السويدي هنا، فيجب أن نشير إلى أننا لا نعرف أحياناً، وفي غير هذا المثال، ما إذا كان خطاب الآخر الغربي هو وجهة نظر الروائي نفسه، معبّراً عنه من خلال الراوي، أم هو يعود للشخصية الغربية المتخيّلة التي هي عنصرية فعلاً في مواقفها وتصرفاتها، أم هي عنصرية من وجهة نظر البطل العربي أو الشخصية العربية المتعاملة معها في الرواية، وبما يعني احتمال أنْ لا يكون مصيباً في فهمه أو اتهامه([5]). ففي رواية العراقي محمود سعيد “الموت الجميل”- 1998- مثلاً، يقول العالم العراقي (إسماعيل)، وهو يقترح نظريته العلمية أمام لجنة علمية في بلد غربي، ما قد لا يكون حقيقةً، بل وجهة نظره أو ظنّه أو فهمه:
“هناك مجموعة من الأساتذة يكرهون الشرقيين، العرب بشكل خاص، يمثلهم في هيئة المناقشة واحد سليط متعصب- م. ونستون. لست أدري أيستطيع الوحيد المتعاطف معنا- م. أنجلز- أن يصمد أمام هجومه؟”(الموت الجميل، ص80-81).
بطلة رضوى عاشور في “الرحلة” لا تُخفي تحامل بطلتها على الغرب وأمريكا وهي تذهب إلى أمريكا، فهي تحمل في ذهنها صورة الغربي أو الأمريكي العنصري، حتى قبل وصولها إلى أمريكا ورؤية الأمريكان والاحتكاك بهم أو الإقامة بينهم. ولهذا فهي تسعى إلى إثبات رؤيتها وصحة تحاملها، على طول خط رحلتها ووصولها وإقامتها في أمريكا.([6]) أما نحن، قراءً ونقاداً فلا نعرف، على وجه الدقة والتأكّد، ما إذا كان ما تلاقيه البطلة الراوية هو عنصرية فعلاً، أم أنه التحامل والتصور المسبق الذي تحمله البطلة، ومن خلفها الكاتبة بكل تأكيد والرواية تقترب من أن تكون رواية سيرة، نعني أن التحامل والتصور المسبّق هما اللذين صورا لها ما هو ليس عنصرية على أنه عنصرية، وهذا التأرجح الذي تضعنا فيه الرواية، أو الراوية، أو البطلة، أو الكاتبة، ما بين هذين الاحتمالين، مع ميلنا إلى الاحتمال الأخير، يتّضح في النص الآتي، مثلاً:
“تركتْ لويز زميلتي في الحجرة الجامعية مكانها بعد أسبوعين من وصولها، فشعرتُ بارتياح عميق لانفرادي بالحجرة دون سليلة ملوك البرتغال التي اكتشفتُ أن لانكماشها مني أسباباً أخرى أيضاً. كانت الفتاة الجنوبية البيضاء ضائقة مني متوجسة من لون بشرتي، من خلفيتي الدينية، من جنسيتي، كانت باختصار خائفة من مجرد أنني أنا، وأنني موجودة في هذا العالم… لكن المهم أنها انزاحت عن الجامعة وقلبي فاسترحتْ”( الرحلة، ص23-24).
من الصور الأخرى التي تقدم الغرب والغربيين سلبياً، تلك التي تقدم المرأة الغربية. فالمرأة الغربية غالباً ما تقدَّم في الرواية العربية سلبياً، فهي إن لم تكن متهتّكة، فإنها لا تكون، من وجهة نظر الراوي أو الشخصيات العربية في الرواية، محتشمة. وفي هذا نجد الروائيين العرب، برسمهم للمرأة الغربية بهذه الصورة، كأنهم يريدون تقويض صورة الغرب نفسه. ونتيجة لذلك جاءت بعض الشخصيات النسوية الغربية في الروايات العربية، وكأنهن ضحايا هذه النظرة المتحاملة للروائيين العرب، وربما الكثير من العرب بشكل عام، إلى المرأة الغربية. ولهذا كان عادة ما تظهر هذه المرأة، كما قلنا، غير محتشمة، سواء أكانت متزوجة أو لم تكن. فلننظر كيف يصف (عماد) بطل رواية العراقي علي خيون “العزف في مكان ساخب”- 1987- زوجة عمّه الإنكليزية:
“… عادت (ماري) من العمل، فأذهلني شكلها المثير، شقراء فاتنة طويلة، بملابس لا تستر ملابسها الداخلية البيضاء… واقتربتْ مني وعبثت بشعري وهي تقول:
“- إماد [عماد].. إماد.. حلو إماد.. فانتاستك.. فري فانتاستك.. باي.
“وأشّرتْ بأصابعها بعد أن قرصت أنفي ودخلتْ وأنا أبصر من خلال ثيابها الرقيقة ملابسها الداخلية”(العزف في مكان صاخب، ص85-86).
وفي مكان آخر من الرواية، يقول البطل:
“… فتحتُ الباب. دخلتْ ودعتني للدخول. غابت لحظة لا أدري في أي غرفة. كنت خلالها أحدّق كالمخبول في صورتها الكبيرة بالشورت القصير تمسك بمقبض كرة التنس وتبتسم ابتسامة عريضة. عادت بقميص شفاف بعد أن تخلّصتْ من رافعة الصدر، ولم ألمح تحت القميص سوى سروالها الداخلي الأبيض الصغير”(العزف في مكان صاخب، ص86).
وفي نهاية الرواية، تهجر هذه الزوجة الإنكليزية زوجها وتهرب مع عشيق أمريكي. ليبرّر الروائي بهذا الهروب الأخير، لبطله وصفه السابق لزوجة عمه، بالشكل الذي رأيناه.
بالرغم من حقيقة أن هذا تشويه متعمد لصورة المرأة الغربية على يد الكاتب، وربما هو يستند فيه على تجاربه الشخصية، فإنه يبقى عبارة عن استجابة مضادة أو ردّ على الصورة التي قدمها أو يقدمها الخطاب الثقافي والإعلامي الغربي، ومنه الاستشراقي، للمرأة الشرقية، والعربية تحديداً، كما يكشف عنها إدورد سعيد، مما يضعه، حتى وهو متجّن أحياناً، ضمن رد خطاب ما بعد الاستعمار على خطاب الاستعمار.
في بعض هكذا نماذج للصورة السلبية للغرب، تكون هذه المرأة الغربية هي المهيمنة حضوراً على الجانب الغربي من صراع الشرق والغرب بيما يكون البطل الرجل الشرقي هو الغالب على تمثيل الشرق في هذا الصراع، ومن الطبيعي أن يحمل في كثير من الأحيان مشاعر مختلفة وربما متناقضة تجاه المرأة الغربية، فتكون مشاعر الانجذاب والحذر، والسحر والشك. وتعلّقاً بهذا، هناك نوع آخر من صور المرأة قدمتها الروايات العربية، ربما لا نستطيع أن نقول إنها سلبية، مع أنها ليست إيجابية، وهي تعبر عن الموقف من الغرب ممثَّلاً بهذه المرأة ولكن التي تكون عادةً محبّة أو عاشقة للعربي. وهذا العربي المحبوب، الذي هو بطل الرواية بالطلبع، عادةً ما يبدو وكأنه الأمير أو النبيل العربي الذي تحلم به النساء طوال حيواتهن.([7]) من وجهة نظرنا أن هذا البطل يبدو وكأنه المؤلف نفسه بوصفه حالماً، أو العربي الذي يحمل هكذا فكرة عن المرأة الغربية سواء أكانت صحيحة أو خاطئة، أو المثقف العربي وهو يقدم هيمنة الشرق أو العرب، ممثَّلاً بالبطل العربي المحبوب، على الغرب ممثَّلاً بالمرأة الغربية المُحبّة أو العاشقة، وقد يذهب الأمر في دلالته إلى أبعد من ذلك ليشكل ممارسة نوع من انتقام العرب مما فعله الاستعمار بشعبهم. هذا يذكرنا بشكل واضح بعلاقة (سعيد)، بطل رواية السوداني الطيب صالح الشهيرة “موسم الهجرة إلى الشمال”- 1965- التي لا تُعنى بها دراستنا. وعلى أية حال، إن هذه الصورة تظهر في رواية محمد أزوقة “الثلج الأسود”، وفي رواية اللبنانية حنان الشيخ “مسك الغزال”- 1988- وفي رويات أخرى. ففي الرواية الأولى، وفي مكان عام في عمّان، تقول (جانيت) المهندسة الأمريكية لـ(سعيد) المهندس الأردني وبطل الرواية:
“– هيا بنا نعود إلى السيارة قبل أن تنهار آخر خلايا المنطق في رأسي واغتصبك هنا والآن.
“– هوّني عليك عزيزتي، أنا أعلم أنني مثير ووسيم وذكي إلى درجة لا تقاوم، ولكن عليك بالحكمة والصبر، فإن سحري يتألق كلما تقدم الليل”( الثلج الأسود، ص40).
ففي هذا المثال، يتم تصوير الرجل العربي أو الشرقي على أنه مركز عالم الرواية الذي يستقطب أو يجذب المرأة الغربية، أي هو لا يُصور راغباً بل مرغوباً.
تعلّقاً بالحياة في الغرب، قدمت بعض الروايات العربية الجوانب السلبية والسوداوية فقط، كما يراها الروائيون والشخصيات العربية فيها، أي مرة أخرى غالباً من وجهة نظر الشخصية المتخيّلة أو الراوي أو الروائي. ومن ذلك: ارتفاع الجريمة، والعنصرية، والمادية، والضعف في العلاقات الاجتماعية، والإحساس بالوحدة. فمن بين الروايات التي قدمت صور الغرب بهذه الجوانب أو ببعضها، روايات السعودي عبد الرحمن منيف “سباق المسافات الطويلة”- 1979- ومحمود البياتي “الرقص على الماء”، ورضوى عاشور “الرحلة”، ومحمد أزوقة “الثلج الأسود”. فالأمريكية (جانيت)، في الرواية الأخيرة، تقول للأردني (سعيد):
“هنا أغلب الناس لا يعرفون بعضهم، وارتفاع نسبة الجريمة في المدينة يجعلهم حذرينم الغرباء، إنك تسكن العمارة سنوات بدون أن تعرف جارك في الشقة الملاصقة”.(الثلج الأسود، ص99)
والآن إذا ما كانت الرواية العربية، وأشكال الخطاب الثقافي العربي الأخرى تقدم، وبقصدية، الغرب بهذا الشكل المشوّه، فإن ذلك قد يُعتبر ردّاً على الطريقة التي قدم بها خطاب الاستشارق الشرق والعالم العربي. يقول إدوارد سعيد أن الغرب حين قدم الشرق في خطاب الاستشراق، فإنه لم يقدم الشرق الحقيقي، هو بدلاً من ذلك قدم صورة له هي في أذهان الغربيين أو كما يريدون للشرق أن يكون عليه. في المقابل، نحن نرى، أن العديد من الصور التي قدمها الخطاب الثقافي العربي، وضمنه الرواية، للغرب، لا تقدم صورة حقيقية لهذا الغرب، بل هي صور مشوّهة له يحملها العرب في أذهانهم، أو هم يتعمدون رسمها بهذا الشكل لتكون ناقدة أو مهاجمة له.
صور الغرب الإيجابية
في الرواية العربية
مع أن الصور السلبية التي تقدمها الرواية العربية للغرب هي المهيمنة مقارنةً بالصور الإيجابية، كما رأينا، فإن الأخيرة تبقى موجودة في غالبية الروايات التي قدمت الغرب. هذا التشخيص منا الذي قد يبدو متناقضاً ظاهرياً، بحاجة إلى توضيح. إن الصور الإيجابية لا تهيمن، بل ربما لا تقترب من حجم الصور السلبية، حين يتعلق الأمر بموضوعات الروايات ووجهات نظرها، وتبعاً لذلك بشخصياتها الرئيسة إلا في رواية واحدة هي “عمارة يعقوبيان”- 2000- للمصري علاء الأسواني، وبدرجة أقل في روايات محدودة أخرى، مثل “التوأم المفقود”- 2002- للعراقي سليم مطر، و”واحة الغروب”- 2006- للمصري بهاء طاهر. ومن جهة أخرى، تقدم جل هذه الروايات أنفسها الغرب أو الغربي بشكل إيجابي ولكنْ تلميحاً أو من خلال شخصيات ثانوية أو من تقديم جوانب إيجابية في الغرب، وبما يعني أن الصورة الإيجابية، التي تأتي بشكل ثانوي أو هامشي أو من خلال شخصيات ثانوية، في معظم هذه الحالات مقدَّمة ليس بوصفها تمثيلاً لوجهات نظر الروائيين، ولكن لأغراض أو أسباب أخرى.
هذا في الحقيقة “يعود إلى سببين أو عاملين، أحدهما فني، والآخر واقعي. أما الفني فهو سعي الكتّاب إلى أن يكونوا موضوعيين في رسمهم لشخصياتهم الروائية، ونحن نعرف أن الشخصية كما يُريدها الفن، وخصوصاً الفن الروائي، لا يمكن أن تكون ذات وجه واحد، فلا يمكن أن تكون مطلقة السلبية ولا مطلقة الإيجابية، ولا تكون شريرة، ولا خّيرة بشكل مطلق. أما السبب أو العامل الموضوعي فهو ما فرضته تجارب الكتّاب الحقيقية مع غربيين عرفوهم وعايشوهم أو ارتبطوا معهم بعلاقات مختلفة إذ وجدوهم أناساً عاديين([8]). ونحن قد عرفنا أن غالبية الكتابات قد جاءت ثمارَ مثل هذه التجارب… ذلك في الواقع وضع الروائي، كما وضع الكثير من المثقفين العرب في إشكالية معرفة الغربي عبر التماس الحقيقي معه إنساناً يرتبط به كما يرتبط بأي إنسان آخر في مجتمعه وبالتالي فهو يجده قريباً إليه، ووفقاً لذلك يتقبله وربما يتقبل الاندماج معه بروح إنسانية، وإلى جانب ذلك معرفة هؤلاء المثقفين العرب للفعل الغربي غير الودي، بل غالباً المعادي على المستوى السياسي مما يفرض عليه رفض هذا الغربي”.([9])
من بين الصور الإيجابية الأخرى، صورة الغربي الذي يُقدَّم إنسانياً ولطيفاً ومحبوباً وتوّاقاً لإقامة علاقات مع عرب. فهو في إحدى هذه الصور، يُقدَّم شخصاً إنسانياً، خصوصاً في علاقاته مع الآخرين، أو في مشاعره تجاههم في قضايا معينة. وغالباً ما تتمثل هذه الصورة، وهي عادة مقدَّمة من وجهة نظر البطل العربي في الرواية، أم هل نقول وجهة نظر الروائي نفسه، في شخصية ثانوية في الرواية. والكاتب، في مثل هذه الصورة، يركز عادةً على المشاعر والأحاسيس التي تجعل من إنسان من قومية معينة قريباً من إنسان من قومية أخرى. فمع أنه مشهد قصير ذلك الذي يرد في رواية “مذكرات امرأة غير واقعية”- 1992- للفلسطينية سحر خليفة، يبقى، برأينا، الأجمل والأكثر إيصالاً لرسالة الحب والعلاقة الدافئة من خلال علاقة عابرة، وتحديداً حين تلتقي البطلة الفلسطينية على طائرة بامرأة أيرلندية فتنقل لنا وبنَفَس إنساني جميل، اكتشاف أنها والإيرلندية، بخلفياتهما وتجاربهما الحياتية، قريبتان جداً إلى بعضهما. وفي النهاية تقول لها المرأة الإيرلدنية:
“فقد اكتشفتُ أني أجلس إلى جانب فنانة أيرلندية تعزف البيانو في قصور الثقافة. ابتسمتُ لها فابتسمتْ لي، خاطبتها واستعنت بما تبقّى في الذاكرة من اللغة الغربية. وبلهفة المحروم من دنيا الناس وارتداداً لعالم كنت ما زلت أحمل له كل أشواق التفاح أقبلت عليها. من أنتِ؟ وماذا تفعلين؟ وكيف تزوجت؟ وكيف طُلّقت؟ وكيف بدأت من جديد؟ عازفة بيانو؟ حرفة أم ولوج الجنة؟ والأجنحة؟ بلى بلى، هتفتُ باندفاع طفلة وأنا أستمع إليها. أعرف هذا الإحساس، جربته. وبلهاث حكيت وعبّرت وعبرت إليها. وكانت تكبرني بسنوات كثيرة وتجارب تمتد من محيط إلى محيط، وهتفتْ بشباب أصغر منها بعشرين سنة: بلى بلى. والتقينا.
“ورأتني ساهمة أفكر، فربتتْ على كتفي وابتسمت:
“لشعبينا قصتان متشابهتان. وأنا وأنت متشابهتان.
“صدمتني المقارنة فتلعثمتُ. تمتمت ويدي على صدري:
“- أنا… أنا.. لا أعرف.
“وعدت أحلم من جديد بالأجنحة والطيران وانفتاح الشرنقة”(امرأة غير واقعية، ص82).
إن صورة الغرب الودود واللطيف ليست بالمختلفة كثيراً عن صورة الإنساني، بل ربما كل منهما وجه آخر للأخرى. هي تعني بشكل خاص أن العلاقة بين الغربيين والعرب أعمق وأكثر تطوراً وغالباً ما تصير صداقة ما بين الطرفين. مثل هكذا صورة موجودة، بشكل أو بآخر، وجزئياً في رواية محمد أزوقة “الثلج الأسود”، وبشكل كبير وبارز في رواية المصرية أهداف سويف “خارطة الحب”- 1999- ([10])، وفي رواية العراقية عالية ممدوح “المحبوبات”- 2003. في هذه الرواية الأخيرة تلتم مجموعة صديقات من جنسيات مختلفة، عراقية وعربية وغربية، بضعة أيام، وعلى امتداد الرواية، حول صديقتهن العراقية وهي تستلقي مريضة في المستشفى. في هذا الالتمام حول الصديقة تتلاشى الفروق القومية ما بين أولئك النسوة ليجمعهن، بدلاً من ذلك، النقاء والصداقة والحب فيما بينهن، وما بينهن من جهة والصديقة المريضة من جهة أخرى.
من هذه الروايات التي تقدم الغربي الودود واللطيف، هناك أيضاً رواية “عمارة يعقوبيان” لعلاء الأسواني التي نرصد فيها ظاهرة أو حالة يصعب تفسيرها. فأنا أقسّم شخصيات الرواية، وفق مواصفاتها وتصرفاتها وسلوكياتها الأخلاقية، إلى قسمين. الأول يضم جميع الشخصيات عدا شخصية واحدة، بينما يضم القسم الثاني هذه الشخصية، وهي (كريستين بيثولاس) فقط. جميع شخصيات القسم الأول منحرفة أو مجرمة أو فاسدة جنسياً أو أخلاقياً، أو على الأقل مخطئة، أما القسم الثاني فهي تضم شخصية، هي (كريستين)، ليست نبيلة وطيبة فحسب، بل هي كريمة ومحبة لمساعدة الآخرين وجذابة ومحبوبة جداً جداً، في الحقيقة إنها تقترب من أن تكون ملاكاً. وهذا يعني، ولأفسّر لماذا قلت إن هذا الرواية أو ما تقدمه شاذ أو غير طبيعي، أن الرواية تقول، بوضوح وبما لا يقبل اللبس، إن المصريين جميعاً سيّئون والغربيين طيبون، أو على الأقل إن المصريين لا يساوون شيئاً بدون الغرب. بالنسبة لي أن الرواية وببساطة تقول هذا تماماً.
آخر الصور الإيجابية، هي الصورة أو الصور التي تقدم الغرب مكانَ جذبٍ يجعل منه حلماً سحرياً بالنسبة لعرب العرب. هذه الصورة تمجّد الغرب بوصفه عالمَ التكنولوجيا المتقدمة، والفكر الحديث، والجمال، والاقتصاد المزدهر والحياة السهلة، والحرية والديمقراطية. وفي النتيجة، هي تُرينا “أن الغرب بالنسبة لبعض العرب لم يعد ظالماً أو مضطهِداً بل منقذاً، ومكانَ لجوءٍ من القمع في الوطن، وفضاءً للحرية مع وعد بالرفاهية”.([11]) ولكن من الطريف أن بعض هذه الروايات التي تقدم الغرب بهذه الصور، إنما تقدمه بهذا الشكل لا لتؤكده، بل لتقول هذا عنه في البداية، ثم لتسفّهه أو تنفيه في النهاية. نجد مثل هذين الوجهين لهذه الصورة معاً في رواية “الميراث”- 1990- لسحر خليفة. في هذه الرواية تقول إحدى الشخصيات، وهي (فيوليت)، وهي تتكلم مع نفسها:
“- أنا بدّي أهرب لأمريكا حتى أنسى كل هالأجواء ومش بس مازن. مازن كان جزء من تركيبه خلّتني بعيدة عن العالم، لا لي أصحاب ولا فيه نادي ولا فيه مكان أحتك بناس. كل اللي بشوفهم بالصالون طبعاً نسوان، وعلى الأغلب نسوان بيوت من غير خبرة ومن غير تفكير، أو عرايس تحت العشرين الواحدة منهن مسطولة من فرحتها أو لخمتها وما بتفتّح تمها بنص كلمة من ساعة ما تيجي لحدما تروح”(الميراث، ص135).
في مكان آخر، وبينما البطل الذي هو الراوي، يعلق بالقول:
“من الواضح ، بل المؤكد، أن أمريكا باتت لفيوليت، كما للكثيرين هنا وهناك، مهرباً من عالم تغيّروا فيه ولم يتغير”. (الميراث، 233، ويُنظر ص256)
الخاتمة
إزاء هيمنة الصور السلبية للغرب كما تمثّلتها الرواية العربية، نجد من المفيد أن نُلفت الانتباه إلى أن تجارب التغير الاجتماعي كثيراً ما يُعبر عنها في وسائل تمثيل عديدة، ضمن أهمها الفنون الجميلة والأجناس الأدبية، وهناك من يعتقد أن زيادة انتشار وتأثير وسائل الاتصال وأشكال الكتابة والتعبير الفني والأدبي التي تتمثل هذه التغيرات، تزيد من إمكانية أن تسهم هذه التمثّلات في عمليات التغيير، بكل ما ينطوي عليه من تطوير وإصلاح وتعديل.. إلخ. وهذا ما يجعل من أمكانية أن تسهم تمثّلات هذه الوسائل لهذه الصور في تغييرها على أرض الواقع. وتعلقاً بميدان موضوعنا وهو (الآخر في الرواية العربية)، يجب أن نشير إلى حقيقتين مهمتين. الأولى هي أن مضامين الروايات أو موضوعاتها والظواهر التي تقدمها لا بد أن تكون موجودة أيضاً في أشكال أخرى من الكتابة العربية، مثل المسرحية والقصة القصيرة والشعر. الحقيقة الثانية أن هذه المضامين أو الموضوعات والظواهر لا بد أن تكون موجودة على أرض الواقع، وتحديداً في حياة عرب كثيرين وفي شخصياتهم ووعيهم. ولكن هذا لا يعني أن هؤلاء الناس، الذين يبدون وكأنهم لا يحبون الغرب، يريدون القضاء على ذلك الغرب والغربيين، وعليه فهم، وفق التوصيف الغربي، إرهابيون كما تصفهم بعض الحكومات والسياسيين والقادة الغربين مثل جورج بوش. إن الصور السلبية للغرب والغربيين، كما يراها، في الحقيقة، عرب عاديون ممثَّلين في الروايات بشخصيات بعينها، قد يراها مثقفون أيضاً هم هنا الروائيون، ومن يمثلونهم على أرض الواقع. وعلاوة على ذلك، ليس من الإنصاف ولا المعقول لتلك الحكومات الغربية ولهؤلاء السياسيين والقادة الغربيين، لاسيما الأمريكان، أن يدّعوا أن الآخرين الذين لا يحبون حياة الغرب وأسلوب معيشة الغربيين يعادون أمريكا والغرب. نعتقد أن مثل هكذا طروحات وجدل وادعاءات يبسّط الظاهرة ويسطّحها. فأنا مثلاً لا أحب الأسلوب الأمريكي في الحياة، بل أدعو الله أن لا تنتقل معظم قيمها ومظاهرها أبداً إلى حياتنا. ولكنْ، هل هذا يعني، بالضرورة، أنني أكره أمريكا والأمريكان والحضارة الأمريكية والتطور الأمريكي، والأدب والثقافة الأمريكيين؟ العديد من الروايات نفسها تجيب على هذه التساؤلات بتقديمها، هذه المرة، صوراً إيجابية لشخصيات غربية، وكأنها تقول: لا بالتأكيد نحن لا نكره الغرب، ولكن على الغرب أن يفهمنا، ويفهم الإسلام، والعرب والشرق بشكل عام، ويحترم أسلوب عيشنا وحياتنا. وبرأيي، أن على الغربيين أن يبحثوا، بدلاً من ذلك، عن السبب أو الأسباب الحقيقية التي تجعل الآخرين، مثل العرب، ينظرون إليهم بهذه الطريقة. وهذا لا يعني أبداً أن نستثني أنفسنا نحن العرب من فعل هذا أيضاً.
يبقى الأهم في هذا أن هذه الصور التي قدمتها الرواية العربية عن الغرب، إن هي إلا خطاب ثقافي عربي ما بعد استعماري/ ما بعد كولونيالي يرد، كما نوّهنا من قبل، على الخطاب الثقافي الغربي الاستعماري/ الكولونيالي، وهذا ما يؤيده وجود التمثيل الإيجابي للغرب في هذا الخطاب نفسه. فهذا الخطاب، وفقاً لوجود هذا التمثيل الإيجابي، هو ليس بالأساس ضد الغرب، بل ضد الخطاب الغربي الاستعماري، وعليه ربما جاز لنا أن نصفه على أنه نوع من الدفاع المشروع عن النفس والرد المبرّر على هجوم الآخر. في هذا السياق وتمثّلاً له بكل مستوياته، تحضر رواية عربية بعينها تقدم الغرب على هذه المستويات، وبتبريرها جميعاً بسياق أحداث الرواية ووائعها المتعلقة بطبيعة سلوكيات الآخر. هذه الرواية هي “الحدود البرية” للعراقية ميسلون هادي، التي ظهرت في أعقاب الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003. فالعراقي (خالد) بطل هذه الرواية، يقبل بالآخر تماماً، في المستوى الأول من العلاقة به، حين يهاجر إلى موطن الآخر، وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية، هرباً من النزاعات والصعوبات الكثيرة والمختلفة التي تواجهه في وطنه. أكثر من هذا هو، في المستوى الثاني من العلاقة، يتقبل حتى الاندماج بهذا الآخر حين يتزوج من امرأة امريكية وهو ينتظر الحصول على البطاقة الخضراء. ولكنه، فيما بعد، وفي المستوى الثالث من العلاقة، يرفض الاستمرار في هذا الاندماج، وتحديداً حين يكتشف أن هذا الاندماج يعني أن يتخلى أو يخسر هويته وذاته ويتحول إلى ما يشبه (شيئاً) تمتلكه زوجته([12]). وهذا الرفض للزواج سيُعبَّر عنه رمزياً بولادة زوجته الأمريكية لطفل مشوه، لتأتي نهاية الزواج، في النتيجة، بتطليقه لها وتركها وترك أمريكا كلها. وفي عودته إلى الوطن يُصدم بالطريقة التي يكتشف أن الغرب اختارها للتعامل مع هذا الوطن ومع بغداد التي يحبها وتحديداً بعد الاحتلال الأمريكي- الغربي للعراق عام 2003، فيقول معبّراً عن المستوى الرابع من المواقف من الآخر ومن العلاقة به:
“يا إلهي!.. ما هذه الفوضى!؟.. ما هذا الدخان!؟.. إنها [بغداد] أكثر خراباً من أي وقت مضى”(الحدود البرية، ص131).
لقد تبنى كُتّاب ما بعد الاستعمار من بلدان العالم الثالث خطابَ رد على خطاب الاستعمار، سيسمى خطاب ما بعد الاستعمار. ووفقاً لبيل أشكروفت وآخرين، تمّ ويتمّ توظيف هذا الخطاب، وضمنه العربي، كخطاب ردّ. وهذا ما نعتقد أن النصوص الروائية العربية التي تناولناها في هذه الورقة تُوضّحه وتثبت صحته، وكما نجمله في نتائجها الآتية:
أولاً: يهدف خطاب ما بعد الاستعمار إلى إنهاء استعماريته بذيوله، ومعاداة الإمبريالية.
ثانياً: الرد على فكرة مركزية الغرب، من خلال تقديم شخصيات عربية تحتل المركز.
ثالثاً: الرد على الهيمنة، بالانتفاض والتمرد على الغرب بوصفه مركزاً.
رابعاً: الرد على التفوق وأحياناً الغطرسة الغربية التي يُظهرها خطاب الاستعمار، بتقديم تعامل غربي بديل مع العرب بوصفهم مساويين وأحياناً حتى متفوقين.
خامساً: رفض التهميش والتبعية بتصوير عرب بوصفهم محطَّ جذب للآخرين، وهو ما يتضح عادة في العلاقة المتخيلة ما بين الرجل العربي المعشوق والمرأة الغربية العاشقة.
سادساً: في روايات ما بعد الاستعمار العربية، يحاول الغرب أن يحافظ على الإبقاء على نفسه متبوعاً من الآخرين، بينما يحاول العرب التخلص من أن يكونوا بوضعية التابعين. بتعبير آخر، ووفقاً لخطاب ما بعد الاستعمار، في الوقت الذي يُبقي الغرب بوصفه مركزاً على العرب في فلكه، يُبدي العرب توقاً للتحرر من موقع الكواكب التي تدور في محيطه.
في النهاية، نطرح على أنفسنا السؤال الآتي: هل الصور السلبيية عن الغرب، سواء كانت صوراً في المتخيل تحديداً، أو في أذهان الكتّاب العرب، أو في أذهان العرب بشكل عام، تعكس تصرفات الغرب وحقيقتهم، أم هي تصوير من العرب، وتحديداً الكتاب، اختلقوها وادّعوا أنها موجودة في الغرب حقيقةً. في الحالين، نعني أكانت تمثيلاً حقيقياً أم متخيلاً ومتصوَّراً من العرب، إن هذه الصور هي استجابات أو رودو عرب على الغرب. إن قول الكاتب البريطاني جوزيف كيبلنك قبل مئة عام تقريباً “الغرب غرب والشرق شرق، وإنهما لا يلتقيان” يبدو وكأنه صفحة مطوية ومنسية من التاريخ. ولكني أعتقد أننا يجب أن لا ننسى هذا القول والرأي كلياً، ذلك إنه لحقيقة أن الغرب غرب والشرق شرق، ولكنهما يلتقيان. وبالانتقال إلى رواياتنا، فإنه لواضح أن الشخصيات المتخيّلة، والروايات بشكل عام، والروائيين بل العرب عموماً الذين نعتقد أن هذه الشخصيات والروايات يمثلوها وتمثلها، تريد جميعاً أن تفترض أن هناك أموراً خاطئة تكتنف العلاقات ما بين الشرق أو العرب والغرب. هذا بالتأكيد نتيجة مهمة نعتقد أن على الغرب ولاسيما حكوماته وسياسييه ومفكريه أن يتوقفوا عنده باهتمام حقيقي.
المصادر والمراجع
الروايات:
إبراهيم احمد: طفل الـ CNN، رواية، دار المنفى، السويد، 1996.
أحلام مستغانمي: عابر سرير، منشورات أحلام مستغانمي، بيروت، ط2، 2003.
الطيب صالح: موسم الهجرة إلى الشمال، دار العودة، بيروت، 1969.
أهداف سويف: خارطة الحب، نقلتها إلى العربية فاطمة موسى، الهيئة العامة المصرية للكتاب، القاهرة، 2001.
بهاء طاهر: واحة الغروب، دار الشروق، القاهرة، 2009.
حنان الشيخ: مسك الغزال، دار الآداب، بيروت، ط3، 2002.
رضوى عاشور: الرحلة.. يوميات طالبة مصرية في أمريكا، مكتبة مدبولي، ط3، القاهرة،1987.
زهير الهيتي: الغبار الأمريكي، رواية، دار الساقي، بيروت، 2009.
سحر خليفة:
-مذكرات امرأة غير واقعية، دار الآداب، بيروت، ط2، 1992.
-الميراث، دار الآداب، بيروت، 1997.
سليم مطر: التوأم المفقود، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت.
صنع الله إبراهيم: أمريكانلي.. أمري كان لي، روايات ممنوعة، دار المستقبل العربي، القاهرة، ط2، 2004.
عالية ممدوح: المحبوبات، دار الساقي، بيروت، 2003.
عبد الرحمن منيف: سباق المسافات الطويلة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، والمركز الثقافي العربي للنشر والتوزيع، الدار البيضاء، ط8، 2000.
علاء الأسواني: عمارة يعقوبيان، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط9، 2005.
علي خيون: العزف في مكان صاخب، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1987.
عواد علي: حليب المارينز، دار فضاءات للنشر والتوزيع والطباعة، عمّان، 2008.
محمد أزوقة: الثلج الأسود، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1988.
محمود البياتي: الرقص على الماء، مسحوبة من الإنترنيت، 2004.
محمود سعيد: الموت الجميل، دار المدى للثقافة والنشر، دمشق، 1998.
مهدي عيسى الصقر: الشاهدة والزنجي، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1988.
ميسلون هادي:
-الحدود البرية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2004.
-شاي العروس، دار الشروق للنشر، عمّان، 2010.
-نبوءة فرعون، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2007.
ناجي التكريتي: نورا، دار الرشيد للنشر، بغداد، 1981.
نجم والي: ملائكة الجنوب، دار كليم للنشر والتوزيع، دبي، 2009.
المراجع:
إدوارد سعيد: الاستشراق المعرفة، السلطة، الإنشاد، نقله إلى العربية كمال أبو ديب، بيروت، مؤسسة الأبحاث العربية، ط4، 1995.
د. جان نعوم طنوس: صورة الغرب في الأدب العربي المعاصر، دار المنهل اللبناني، بيروت، 2009.
د. جميل حمداوي: نظرية ما بعد الاستعمار، شبكة (الألوكة)، 10/3/2012. http://www.alukah.net/
جورج طرابيشي: شرق وغرب رجولة وأنوثة.. دراسة في أزمة الجنس والحضارة في الرواية العربية، دار الطليعة، بيروت، ط2، 1979.
رجاء عيد: لقاء الحضارات في الرواية العربية، مجلة (فصول)، القاهرة، م16، ع4، ربيع 1998، عدد خاص عن “خصوصية الرواية العربية”، ج2 ، ص56-77.
رشيد وديجي: إدوارد سعيد ونظرية الخطاب ما بعد الاستعمار، موقع (قصر السوق)، http://www.ksarsouk.com/homepage
د. سامي عبدالله خصاونة: العلاقات العربية– الأمريكية.. نحو مستقبل مشرق، الجامعة الأردنية، عمّان، 2001.
الطاهر لبيب (تحرير): صورة الآخر، العربي ناظراً ومنظوراً إليه، مركز دراسات الوحدة العربية والجمعية العربية لعلم الاجتماع، بيروت، 1999.
عبد محمد بركو: الحوار مع الغرب، الآليات والخطط، مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود الباطين للإبداع الشعري، الكويت، 2010.
عيسى العبادي: الرواية الأردنية 1967- 1990، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الآداب بالجامعة الأردنية، عمان، 1994.
مجموعة مؤلفين: الطيب صالح عبقري الرواية العربية، دار العودة، بيروت، 1976.
محمد راتب الحلاق: نحن والآخر، دراسة في بعض الثنائيات المتداولة في الفكر العربي الحديث والمعاصر، منشورات اتحاد الكتاب العرب، 1997.
محمد نور الدين أفاية: الغرب في المتخيّل العربي، منشورات دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، 1991.
مصطفى عبد الغني: الاتجاه القومي في الرواية، عالم المعرفة (188)، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، أغسطس 1994.
د. نجم عبدالله كاظم:
-الرواية العربية المعاصرة والآخر، عالم الكتب الحديث، إربد (الأردن)، 2007.
-“صورة المرأة الغربية في المنظور العربي في الرواية العربية المعاصرة”، دراسات أدبية، اتحاد أدباء الإمارات، ع22-23، ك1 2008.
-“نحن والآخر في الرواية العربية المعاصرة”، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2014.
نزيه أبو نضال:
-“المثقفون العرب والغرب، 1. صدمة ( العصفور الشرقي)، لتوفيق الحكيم”، جريدة (الدستور)، عمّان، 1/1/1999.
-“المثقفون العرب والغرب، 2. الارتطام الحضاري في رواية (قنديل أم هاشم) ليحيى حقي”، جريدة (الدستور)، عمّان، 8/10/1999.
El-Enany, Rasheed: Arab Representations of the Occident, Routrledge, Oxon, 2006.
Jabra, Jabra Ibrahim: “Modern Arabic Literature and the West”, Journal of Arabic Literature, Leiden, E. J. Brill, Vol. II, 1971, P. 76-91.
Kennedy, J. Gerald and Jackson R. Bryer (Ed.): French Connection, Hemingway and Fitzgerald Abroad, St. Martin’s Press New York – 1999.
Peck, John and Martin Coyle: Literary Terms and Criticism, Macmillan Education LTD. London, 1991.
Richards, I. A: Principles of Literary Criticism, Universal Book Stall, New Delhi, 1996.
Rivkin, Julie and and Michael Ryan: Literary Theory, an Anthology, Blackwell Publishing, Singapore, 2009.
Said, Edward W: Orientalism, Vintage Books, 1979.
ملحق
التجربة الحقيقية
أتى دخولي إلى الوطن، العراق لأول مرة بعد نكبة سقوط بغداد بثلاثة أشهر، وتحديداً في تموز من العام 2003، وفي أعقاب سبع سنوات من الغربة والبعد عنه وعن الأهل والأحبة. وللقارئ أن يتوقع حجم ونوع الأحاسيس والعواطف والانفعالات التي كان لا بدّ من أن تتفاعل وتصطخب في داخلي آنذاك، وكما يمكن أن تكون في داخل أي إنسان في طريقه إلى وطنه بعد غياب طويل، مضافاً إلى ذلك أن يكون الوطن حينذاك في ظل الاحتلال. والواقع لم أكن قادراً حينها على تصور اللقيا، فقد اصطخبت في ذهني وتلبست مشاعري أسئلة عديدة تتمحور حول الوضع الذي لم آلفه: كيف سأجد الوطن بعد سبع سنوات لم أره خلالها؟ كيف سيكون في ظل أول احتلال مباشر له في أكثر من ثمانين عاماً، وأول احتلال سأراه في حياتي؟ وكيف ستكون مشاعري وأنا أرى المحتل؟ وكيف سأتصرف حين لا يكون من طريقة لتلاقي اللقاء بجنوده؟ إلى غير ذلك من هذه الأسئلة. وتفجرت تلك الانفعالات بعنف وارتبكتُ أيّما ارتباك مع أولى خطوات أخطوها على تراب الوطن عابراً الحدود البرية، حين لمحت أول مظهر كنت أُمنّي نفسي عبثاً بأن لا أراه، عسكرياً أمريكياً يقف إلى جانب بضعة موظفين عراقيين. كان الوحيد الذي يحمل سلاحاً طالما رأيته في الأفلام السينمائية والوثائقية والإخبارية على شاشات التلفزيون يحمله الأمريكيون، عسكريين وغير عسكريين، ويفعلون به كلَّ ما هو مسموح وممنوع مما قد يتعدى لا الواقع الذي نعرفه فحسب، بل حتى المديات التي تصل إليها مخيّلاتنا، حين يكون هناك إنسان واحد فقط هو الفرد الأمريكي، وكل من عداه قد يقتربون، ضمن أُطر تعامل ذلك (الإنسان) الإمريكي معهم، من الإنسان وقد لا يقتربون. وهنا، وفي ظل خوفي على بلدي وأناسي، تذكرتُ رسالة قائد عسكري أمريكي إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، بعد احتلالها للفلبين نهايةَ القرن التاسع عشر. ففي سنة 1898 اجتاحت القوات الأمريكية الفلبين بدعوى جلب الديمقراطية إليه، وعندما قاومها الفلبينيون، خاطب الجنرال الأمريكي سميث جنوده قائلاً: “إنني لا أريد أَسرى.. أريدكم أن تحرقوا وتقتلوا، وكلَّما زدتم في الحرق والقتل جلبتم السرور إلى قلبي”. وفعلاً ارتكبتْ القوات الأمريكية جرائم بشعة، مستخدمةً ضد الفلبينيين الحرب الجرثومية، فنشرت بينهم الكوليرا، وقتلت مئات الألوف منهم، ليكتب الجنرال الأمريكي بعد ذلك رسالة إلى رئيسه قائلاً فيها: “أُطمئنكم بخلوّ البلاد من المقاومين الفلبينيين، لأنه لم يعد هناك أصلاً من وجود للفلبينيين”.
وهكذا كنتُ قد نويت الابتعاد عن ذلك العسكري الأمريكي، ولكني لم أعرف كيف أتصّرف وقد تفجّر الغضب في داخلي حين وجدتني مضطراً إلى الاقتراب منه، إذ كان يقف قرب شباك خَتْم جوازات السفر. ولكن عند اقترابي منه بادر إلى سؤالي بودّ غريب: هل أنت من العائدين إلى الوطن؟ فأجبت بكلمة واحدة: نعم. فعاد ليقول بالود نفسه: أهلاً بك في وطنك. وأحسسته يركّز على (وطنك)، وعندها فقط تأملته فانتبهت إلى حداثة سنه.. كان في الواقع صبياً أكثر منه رجلاً مقاتلاً، فتوقعت أن يكون مجنداً وليس عسكرياً محترفاً. في الواقع هو، أكثر من ذلك، بدا واضحاً، وهو يكلمني، يحاول أن يكون ودوداً، بل لا أبالغ إن قلت كان خجولاً ومتردداً. هنا نبعت في داخلي، إلى جانب الغضب والحقد الطبيعيين عليه محتلاً، رؤيةٌ إنسانية يتمثّل لي من خلالها، إلى جانب المقاتل المعتدي المحتل والمهين لوطني، الإنسان العادي أيضاً الذي يمكن أن يكون، ومن الطبيعي أن يكون، في أمريكا وبين الأمريكيين، وقبل ذلك أو بعده في الغرب وبين الغربيين.
من هذه التجربة الإنسانية القصيرة، وهذه الرؤية المزدوجة، المتناقضة ظاهرياً، بدأتُ التفكير في البحث في هذا الجانب. ولأن الوعاء الأكثر غنىً خارج نفس الإنسان ذاته، تعلقاً باصطراع مثل هذا الذي اصطرع في داخلي، كان الأدب، الذي هو بالطبع المعبر عن النفس الإنسانية، ولتخصصي واهتمامي الأدبي والنقدي بالدراسات الأدبية المقارنة عموماً وبموضوعة الآخر أو (نحن والآخر)، انطلقتُ في تأليف هذا الكتاب، الذي يأتي بعد سلسلة عديدة من المقالات والبحوث في الموضوع، يساعدني في ذلك أنني اشتغلت فيه وأنا في أحد مواطن الآخر، أعني بريطانيا حيث كنت أقضي سنتين، 2009-2011، أستاذاً زائراً في معهد الدرسات العربية والإسلامية بجامعة إكستر جنوب إنكلترا. ولكن لأن هذه الموضوعة تحديداً تنبثق منها أو تسبقها موضوعةٌ لا يمكن، في هذه الحالة، تجاوزها، حتى وإن لم تكن هي محط عنايتي، تلك هي لقاء الشرق عاماً أو إسلامياً أو عربياً، والغرب عاماً أو أوروبياً أو أمريكياً، فقد كان لا بد من التوقف باختصار عند هذه الموضوعة أو الجانب.
[1]) جورج طرابيشي: شرق وغرب.. دراسة في أزمة الجنس والحضارة في الرواية العربية، دار الطليعة، بيروت، 1979، ص71.
[2]) Rasheed El-Enany: Arab Representations of the Occident, Routledge, Oxon, 2006, p14. [3]) عبد الفتاح أحمد يوسف: استراتيجيات القراءة في النص الثقافي.. نحو وعي نقدي بقراءة ثقافية للنص، عالم الفكر، ع1، 2007، الكويت، ص167.
[4]) بيل أشكروفت وآخرون: دراسات ما بعد الكولونيالية، ص291-292.
[5]) لقد رأيت في معايشتي الطويلة مع الغرب، وبرفقة زملاء وأصدقاء عرب، العديد من مثل هذه المواقف والفهوم والاتهامات من شخصيات عربية لشخصيات غربية مما أرى الكثير منها خاطئاً ونتيجة عدم فهم للآخر.
[6]) وهو تماماً ما يحمله بطل رواية صنع الله إبراهيم “أمريكانلي”- 2004.
[7]) ربما تظهر هذه الصورة للمرأة الغربية في أشكال أدبية أخرى، وتحديداً القصة القصيرة والشعر، أكثر من ظهورها في الرواية، ولا نجد من تسويغ لتناول ومناقشة أسبابها هنا.
[8]) نعني على شاكلة تجربتنا مع الأمريكي والبريطاني التي عرضناها في ملحق هذه الورقة.
[9]) د. نجم عبدالله كاظم: نحن والآخر في الرواية العربية، بيروت، 2014، ص264-265.
[10]) الرواية مكتوبة بالأصل بالإنكليزية ومنشورة عام 1999، وترجمتها فاطمة موسى إلى العربية ونشرتها عام 2001.
[11]) El-Enany, P186.
[12]) يقترب من هذا ما تقدمه رواية إبراهيم أحمد “طفل السي إين إين”- 1996.