العرب محيطاً ضد الغرب مركزاً،خلاصة للقراءة

العرب محيطاً ضد الغرب مركزاً
في رواية ما بعد الاستعمار العربية
2
خلاصة
لأن عملي في موضوع (الآخر) في الأدب العربي الحديث، ولاسميا الرواية، عادة ما يعتمد، إلى جانب النصوص الأدبية، ولاسيما الروائية، على التجارب العملية الشخصية مع (الآخر) فقد ألحقت بورقتي هذه وقفة عند تجربتي الحقيقية مع الآخر، وتحديداً الغرب والغربيين، ذلك لأنّ ما معروف في أذهان العرب من صور سلبية عن الأمريكان وإلى حد ما عن البريطانيين والفرنسيين من جهة، وتجاربي الخاصة التي هي غالباً إيجابية مع الغرب والغربيين عموماً من جهة أخرى، عادةً ما شكّلتا في ذهني صورتين متعارضتين، ما كان لهما، وأنا أتناول الغرب في الرواية العربية ما بعد الاستعمار، إلا أن يحضرا.
معروف أن الاستعمار/ الكولونيالية كان قد تمثّل، على المستويات الثقافية، في الخطاب الاستشراقي الذي تعامل معه إدورد سعيد وحلّله وفككه. ووفقاً لسعيد وباحثين ومفكّرين آخرين، وهم في الغالب من بلدان العالم الثالث ويعيشون أو يقيمون في الغرب، أن أكثر الأمور المهمة التي عبّر عنها الخطاب الاستشراقي، تعلّقاً بالآخر كانت: العنصرية، والهيمنة، والتهميش، وهي التي شكلت محتوى ما ستّسمى نظرية الاستعمار. وكل ذلك قد تجسد في ما صار معروفاً بالمركزية الأوروبية ونحن نفضل تسميته المركزية الغربية.
هنا، نحن نرى أن من الطبيعي، إن لم نقل الغريزي، أن تحاول جميع الأمم والبلدان أن تصدّر ثقافتها ومبادئها، لتهيمن على الآخرين، على الأقل في مناطقها أو أقاليمها، ولتمارس في النتيجة فعل التوسع، وهذا ما تمثّل في الفعل الاستعماري الغربي وعبّر عنه الخطاب الاستعمار، وكما تمثل في غيره عبر التاريخ. ولكن من الطبيعي أيضاً أن تظهر ردة فعل الآخر ووجهة نظره التي ترفض وتسفه وجهة النظر تلك وما يراه توسعاً من الآخر واعتداءً عليه، أو على الأقل تهميشاً له. وهكذا ظهر خطاب ما بعد الاستعمار ومن خلفه نظرية ما بعد الاستعمار على أيدي أبناء البلدان المستعمَرة وكانوا في الغالب ممن يقيمون في الغرب، مثل إدوارد سعيد وهومي بابا وسبيفاك وغيرهم. النتيجة كانت أن كُتّاب ما بعد الاستعمار، الذين هم من بلدان العالم الثالث أو ذوو أصول تعود إليها، رفضوا في خطابهم هذا المركزية الغربية بكل مقوّماتها. وهذا جوهر ما صار يُصطلح عليه خطاب ما بعد الاستعمار.
بالانتقال إلى صور الغرب التي قدمها الرواية العربية نجدها تتوزع على مجموعتين رئيستين، وضمن كل واحدة منها تنطوي صور ثانوية وفرعية. المجموعة الأولى تقدم الغرب سلبياً، والثانية تقدمه إيجابياً، وبهيمنة مثيرة للانتباه للصورة السلبية للغرب. وفي محاولة معرفة لماذا تهيمن الأولى في الرواية العربية لا نجد هذه الصور في أذهان شخصيات العوالم المتخيّلة للروايات فقط، بل في أذهان العرب على أرض الواقع وفي الحياة الحقيقية، مما يعني أنّ هناك أسباباً أو لنقل عوامل عديدة قادت إلى ذلك، وأهمّها أولاً: الاستعمار وأشكال الوجود الأجنبي، وثانياً: الصراع العربي الإسرائيلي، وثالثاً: الخلفيات العقائدية والأيديولوجية والفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية المسبّقة، ورابعاً: وسائل الإعلام والاتصال، سواء تلك التي في الغرب أو تلك التي في الوطن العربي، وخامساً: التجارب الشخصية للروائيين العرب مع الغربيين.
تعلّقاً بالصورة السلبية للغرب في الرواية العربية، تقدّم معظم نماذجها، أفراداً ومجموعات ومجتمعات، بوصفهم استعماريين وعنصريين وعدوانيين وغير وديين. إن انتتهاء الاستعمار في بلدان مختلفة لا يعني أن تأثيره بالضرورة قد زال فيها، ولا يعني أن شعوب تلك البلدان قد نسيت كل شيء عنه، بل هو لا يزال حاضراً، بشكل أو بآخر. والكثير من الروايات عبّرت عن شيء من هذا، يعكس أنّ الاستعمار باق في أذهان شعوب البلدان المستعمرة، ففي رواية “عابر سرير”- 2002- للجزائرية أحلام مستغانمي تعبّر الكاتبة عن ذلك من خلال الشخصية الفرنسية فرانسوا، حين تقول عن لوحة بريشة فنان جزائري:
“- هذه رسمها زيان تخليداً لضحايا مظاهرات 17 أكتوبر 1961، خرجوا في باريس في مظاهرة مسالمة مع عائلاتهم للمطالبة برفع حظر التجول المفروض على الجزائريين، فألقى البوليس الفرنسي بالعشرات منهم موثقي الأطراف في نهر السين. مات الكثير منهم غرقاً، وظلت جثثهم وأحذية بعضهم تطفو على السين لعدة أيام، لكون معظمهم لا يعرف السباحة.”(عابر سرير، ص58-59).
ومع وجود مثل هذا الحضور في الكثير من الروايات العربية، كما قلنا، كان طبيعياً جداً أن تكون غالبية الروايات التي تعاملت مع المستعمر عموماً في العقد الأخير وربما العقدين الأخيرين، عراقية، استجابة لما شهده العراق من وقائع وأحداث شملت عودة الأجنبي، الأمريكي بشكل خاص والغربي إلى حد كبير، في أحد أبرز أوجه حضوره، وهو الاحتلال، وهو ما استجابت له الروايات العراقية. ومن أبرز تلك التي تعاملت مع الأجنبي عموماً، والأمريكي والغربي خصوصاً، وضمن ذلك تعاملها معها محتلاً: “الحدود البرية”- 2004- و”نبوءة فرعون”- 2007- و”حلم وردي فاتح اللون”- 2009- و”شاي العروس”- 2010- وجميعها لميسلون هادي، و”حليب المارينز”- 2008- لعواد علي، و”الغبار الأمريكي”- 2009- لزهير الهيتي. وجميع هذه الروايات تعبّر عن وعي بحقيقة ما يجري، وبما هو حقيقة ًوراء قدوم الأجنبي.
عدا هذا، تقدم هذه الروايات، وغيرها أيضاً، الغربيين، أفراداً وجماعات ومجتمعات وهم يُواجِهون أبطال هذه الروايات العرب، الذين عادةً ما يكونون أصحاب تجارب غير سعيدة في الغرب، حين يقيمون فيه بوصفهم طلاباً أو لاجئين في غالبية الحالات. الحالة التي تتمثل عادةً في زمن ما بعد الاستعمار، تظهر وكأنها، بشكل ما، استمراراً للممارسة الاستعمارية السابقة. من هذه الروايات التي قدمت هكذا صوراً أو حالات: “الرحلة”- 1987- للمصرية رضوى عاشور، و”الرقص على الماء”- 2000- للعراقي محمود البياتي. ولكن تبقى الحالة الأكثر حدّة ووضوحاً لهكذا صورة سلبية للغرب في الروايات التي درسناها حالة هي لا تتعامل مع الغرب والبلدان والشعوب الغربية بشكل عام، بل مع الولايات المتحدة الأمريكية والأمريكان حصرياً الذين تصورهم الرواية التي ترد فيها عدوانيين وقبيحين جداً.
وإذا ما كان هذا الخطاب العربي يستهدف خطاباً معادياً للخطاب الغربي الذي يصفه إدوارد سعيد بالعنصري، فيجب أن نشير إلى أننا لا نعرف أحياناً ما إذا كان خطاب الآخر الغربي هو وجهة نظر الروائي نفسه، معبّراً عنه من خلال الراوي، أم هو يعود للشخصية الغربية المتخيّلة التي هي عنصرية فعلاً في مواقفها وتصرفاتها، أم هي عنصرية من وجهة نظر البطل العربي أو الشخصية العربية المتعاملة معها في الرواية، وبما يعني احتمال أنْ لا يكون مصيباً في فهمه أو اتهامه. ففي رواية العراقي محمود سعيد “الموت الجميل”- 1998- مثلاً، يقول العالم العراقي (إسماعيل)، وهو يقترح نظريته العلمية أمام لجنة علمية في بلد غربي، ما قد لا يكون حقيقةً، بل وجهة نظره أو ظنّه أو فهمه:
“هناك مجموعة من الأساتذة يكرهون الشرقيين، العرب بشكل خاص، يمثلهم في هيئة المناقشة واحد سليط متعصب- م. ونستون. لست أدري أيستطيع الوحيد المتعاطف معنا- م. أنجلز- أن يصمد أمام هجومه؟”(الموت الجميل، ص80-81).
بطلة رضوى عاشور في “الرحلة” لا تُخفي تحامل بطلتها على الغرب وأمريكا وهي تذهب إلى أمريكا، فهي تحمل في ذهنها صورة الغربي أو الأمريكي العنصري، حتى قبل وصولها إلى أمريكا ورؤية الأمريكان والاحتكاك بهم أو الإقامة بينهم. ولهذا فهي تسعى إلى إثبات رؤيتها وصحة تحاملها، على طول خط رحلتها ووصولها وإقامتها في أمريكا، وهو تماماً ما يحمله بطل رواية صنع الله إبراهيم “أمريكانلي”- 2004. أما نحن، قراءً ونقاداً فلا نعرف، على وجه الدقة والتأكّد، ما إذا كان ما تلاقيه البطلة الراوية هو عنصرية فعلاً، أم أنه التحامل والتصور المسبق الذي تحمله البطلة، ومن خلفها الكاتبة بكل تأكيد والرواية تقترب من أن تكون رواية سيرة.
من الصور الأخرى التي تقدم الغرب والغربيين سلبياً، تلك التي تقدم المرأة الغربية. فالمرأة الغربية غالباً ما تقدَّم في الرواية العربية سلبياً، فهي إن لم تكن متهتّكة، فإنها لا تكون، من وجهة نظر الراوي أو الشخصيات العربية في الرواية، محتشمة. وفي هذا نجد الروائيين العرب، برسمهم للمرأة الغربية بهذه الصورة، كأنهم يريدون تقويض صورة الغرب نفسه. فلننظر كيف يصف (عماد) بطل رواية العراقي علي خيون “العزف في مكان ساخب”- 1987- زوجة عمّه الإنكليزية:
“… فتحتُ الباب. دخلتْ ودعتني للدخول. غابت لحظة لا أدري في أي غرفة. كنت خلالها أحدّق كالمخبول في صورتها الكبيرة بالشورت القصير تمسك بمقبض كرة التنس وتبتسم ابتسامة عريضة. عادت بقميص شفاف بعد أن تخلّصتْ من رافعة الصدر، ولم ألمح تحت القميص سوى سروالها الداخلي الأبيض الصغير”(العزف في مكان صاخب، ص86).
وفي نهاية الرواية، تهجر هذه الزوجة الإنكليزية زوجها وتهرب مع عشيق أمريكي. ليبرّر الروائي بهذا الهروب الأخير، لبطله وصفه السابق لزوجة عمه، بالشكل الذي رأيناه.
بالرغم من حقيقة أن هذا تشويه متعمد لصورة المرأة الغربية على يد الكاتب، فإنه يبقى عبارة عن استجابة مضادة أو ردّ على الصورة التي قدمها أو يقدمها الخطاب الثقافي والإعلامي الغربي، ومنه الاستشراقي، للمرأة الشرقية، والعربية تحديداً، كما يكشف عنها إدورد سعيد، مما يضعه، حتى وهو متجّن أحياناً، ضمن رد خطاب ما بعد الاستعمار على خطاب الاستعمار.
تعلّقاً بالحياة في الغرب، قدمت بعض الروايات العربية الجوانب السلبية والسوداوية فقط، كما يراها الروائيون والشخصيات العربية فيها، أي مرة أخرى غالباً من وجهة نظر الشخصية المتخيّلة أو الراوي أو الروائي. ومن ذلك: ارتفاع الجريمة، والعنصرية، والمادية، والضعف في العلاقات الاجتماعية، والإحساس بالوحدة. فمن بين الروايات التي قدمت صور الغرب بهذه الجوانب أو ببعضها، روايات السعودي عبد الرحمن منيف “سباق المسافات الطويلة”- 1979- ومحمود البياتي “الرقص على الماء”، ورضوى عاشور “الرحلة”، ومحمد أزوقة “الثلج الأسود”.
والآن إذا ما كانت الرواية العربية، وأشكال الخطاب الثقافي العربي الأخرى تقدم، الغرب بهذا الشكل المشوّه، وبقصدية، فإن ذلك قد يُعتبر ردّاً على الطريقة التي قدم بها خطاب الاستشارق الشرق والعالم العربي. يقول إدوارد سعيد أن الغرب حين قدم الشرق في خطاب الاستشراق، فإنه لم يقدم الشرق الحقيقي، هو بدلاً من ذلك قدم صورة له هي في أذهان الغربيين أو كما يريدون للشرق أن يكون عليه. في المقابل، نحن نرى، أن العديد من الصور التي قدمها الخطاب الثقافي العربي، وضمنه الرواية، للغرب، لا تقدم صورة حقيقية لهذا الغرب، بل هي صور مشوّهة له يحملها العرب في أذهانهم، أو هم يتعمدون رسمها بهذا الشكل لتكون ناقدة أو مهاجمة له.
انتقالاً إلى الصور الإيجابية للغرب التي قدمتها الرواية العربية، نقول مع أن الصور السلبية التي تقدمها هذه الرواية للغرب هي المهيمنة مقارنةً بالصور الإيجابية، كما رأينا، فإن الأخيرة تبقى موجودة في غالبية الروايات التي قدمت الغرب، لكنها لا تكاد حجماً تقترب من الصور السلبية، حين يتعلق الأمر بموضوعات الروايات ووجهات نظرها، وتبعاً لذلك بشخصياتها الرئيسة ربما إلا في رواية واحدة هي “عمارة يعقوبيان”- 2000- للمصري علاء الأسواني، وبدرجة أقل في روايات محدودة أخرى، مثل “التوأم المفقود”- 2002- للعراقي سليم مطر، و”واحة الغروب”- 2006- للمصري بهاء طاهر. ومن جهة أخرى، تقدم جل هذه الروايات سلبية الصور أنفسها الغرب بشكل إيجابي، ولكن بشكل ثانوي أو هامشي أو من خلال شخصيات أو جوانب ثانوية، ولسببين أو عاملين، أحدهما فني، والآخر واقعي. أما الفني فهو سعي الكتّاب إلى أن يكونوا أو يبدوا موضوعيين في رسمهم لشخصياتهم الروائية، ونحن نعرف أن الشخصية كما يُريدها الفن، وخصوصاً الفن الروائي، لا يمكن أن تكون ذات وجه واحد، فلا يمكن أن تكون مطلقة السلبية ولا مطلقة الإيجابية، ولا تكون شريرة، ولا خّيرة بشكل مطلق. أما السبب أو العامل الموضوعي فهو ما فرضته تجارب الكتّاب الحقيقية مع غربيين عرفوهم وعايشوهم أو ارتبطوا معهم بعلاقات مختلفة إذ وجدوهم أناساً عاديين، فلا يأخذون عليهم شيئاً.
من بين الصور الإيجابية صورة الغربي الذي تقدّمه إنسانياً ولطيفاً ومحبوباً وتوّاقاً لإقامة علاقات مع عرب. فهو في إحدى إنساني، خصوصاً في علاقاته مع الآخرين، أو في مشاعره تجاههم في قضايا معينة. وغالباً ما تتمثل هذه الصورة، وهي عادة مقدَّمة من وجهة نظر البطل العربي في الرواية، أو الروائي نفسه. فمع أنه مشهد قصير ذلك الذي يرد في رواية “مذكرات امرأة غير واقعية”- 1992- للفلسطينية سحر خليفة، يبقى، برأينا، الأجمل والأكثر إيصالاً لرسالة الحب والعلاقة الدافئة من خلال علاقة عابرة، وتحديداً حين تلتقي البطلة الفلسطينية على طائرة بامرأة أيرلندية فتنقل لنا وبنَفَس إنساني جميل، اكتشاف أنها والإيرلندية، بخلفياتهما وتجاربهما الحياتية، قريبتان جداً إلى بعضهما.
إن صورة الغربي الودود واللطيف ليست بالمختلفة كثيراً عن صورة الإنساني، بل ربما كل منهما وجه آخر للأخرى. من هذه الروايات التي تقدم الغربي الودود واللطيف، هناك أيضاً رواية “عمارة يعقوبيان” لعلاء الأسواني التي نرصد فيها ظاهرة أو حالة يصعب تفسيرها. فشخصيات الرواية تنقسم إلى قسمين الأول يضم جميع الشخصيات عدا شخصية واحدة، بينما يضم القسم الثاني هذه الشخصية، وهي (كريستين بيثولاس) فقط. جميع شخصيات القسم الأول منحرفة أو مجرمة أو فاسدة جنسياً أو أخلاقياً، أو على الأقل مخطئة، أما شخصية القسم الثاني الوحيدة (كريستين)، فلا يقدمها نبيلة وطيبة فحسب، بل هي كريمة ومحبة لمساعدة الآخرين وجذابة ومحبوبة جداً جداً، في الحقيقة إنها تقترب من أن تكون ملاكاً. وهذا يعني، ولأفسّر لماذا قلت إن هذا الرواية أو ما تقدمه شاذ أو غير طبيعي، أن الرواية تقول، بوضوح وبما لا يقبل اللبس، إن المصريين جميعاً سيّئون والغربيين طيبون، أو على الأقل إن المصريين لا يساوون شيئاً بدون الغرب. بالنسبة لي أن الرواية وببساطة تقول هذا تماماً.
آخر الصور الإيجابية، هي الصورة أو الصور التي تقدم الغرب مكانَ جذبٍ يجعل منه حلماً سحرياً بالنسبة لعرب العرب. هذه الصورة تمجّد الغرب بوصفه عالمَ التكنولوجيا المتقدمة، والفكر الحديث، والجمال، والاقتصاد المزدهر والحياة السهلة، والحرية والديمقراطية. ولكن من الطريف أن بعض هذه الروايات التي تقدم الغرب بهذه الصور، إنما تقدمه بهذا الشكل لا لتؤكده، بل لتقول هذا عنه في البداية، ثم لتسفّهه أو تنفيه في النهاية. نجد مثل هذين الوجهين لهذه الصورة معاً في رواية “الميراث”- 1990- لسحر خليفة.
في النهاية نرى أن الصور التي قدمتها الرواية العربية عن الغرب، إنْ هي إلا خطاب ثقافي عربي ما بعد استعماري/ ما بعد كولونيالي يردّ، كما نوّهنا من قبل، على الخطاب الثقافي الغربي الاستعماري/ الكولونيالي، وهذا ما يؤيده وجود التمثيل الإيجابي للغرب في هذا الخطاب نفسه. فهذا الخطاب، وفقاً لوجود هذا التمثيل الإيجابي، هو ليس بالأساس ضد الغرب، بل ضد الخطاب الغربي الاستعماري، وعليه ربما جاز لنا أن نصفه على أنه نوع من الدفاع المشروع عن النفس والرد المبرّر على هجوم الآخر.
في النهاية، نطرح على أنفسنا السؤال الآتي: هل الصور السلبيية عن الغرب، كما قدمتها الرواية العربية، تعكس تصرفات الغرب وحقيقتهم، أم هي تصوير من العرب، وتحديداً الكُتّاب، اختلقوها وادّعوا أنها موجودة في الغرب حقيقةً. برأينا أن هذه الصور، في الحالين، هي استجابات عربٍ أو ردودهم على الغرب والخطاب الغربي.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

دراسة عن دروب وحشية

تشكلات البناء السردي في رواية دروب وحشية للناقد نجم عبد الله كاظم أنفال_كاظم جريدة اوروك …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *