العرب ضد الغرب في الرواية، قصيرة للنشر


العرب هامشاً ضد الغرب مركزاً
في رواية ما بعد الاستعمار العربية
أ د. نجم عبدالله كاظم
معروف أن الغرب، أوروبياً أو أمريكياً أو أورو- أمريكياً، كثيراً ما جعل من نفسه مركزاً للعالم ومن غيره محيطاً أو أطرافاً، وبما يعني أن يكون هو أصلاً وغيره هامشاً. وتعود مثل هذه المعادلة إلى القرون الوسطى أو ما بعدها، وكما عبر عنها الخطاب الثقافي الغربي، على مختلف أشكاله وميادينه ومستوياته. ولعل أبرز من خرج بهذا واضحاً كان إدوارد سعيد، في تشريحه لخطاب الاستشراق، ولاسيما في كتابه الشهير (الاستشراق المعرفة، السلطة، الإنشاء) الذي ظهر في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي. هذه المركزية قادت إلى ما صار يُعرف بالتمركز الغربي ويعني تمركز الغرب حول الذات لتكون المرجعية الرئيسة في تحديد أهمية ومكانة أي آخر، والنتجية أنْ يصير هذا الآخر، ومهما كانت أهميته، هامشاً.
ولكنْ أنْ يجعل نفسه مركزاً والآخرين، العالم الثالث وضمنه الوطن العربي، محيطاً أو أطرافاً، لم يكن ليعني قبول الآخر أو الآخرين بأن يكون الغرب سيداً ويكونوا هم أتباعاً، كما صار ما يسمى خطاب الاستعمار يعبر عنه، وهو الخطاب الذي نضج تشخيصه على يد سعيد أيضاً، بما خلّفه من حركات هيمنة وعملٍ على الإتْباع والتوسّع والاستعمار. وهكذا اتخذ العرب، كما غيرهم من أمم وشعوب العالم الثالث، مواقفَ مختلفة تجاه الغرب وضده، انبثقت تحديداً من هذه العلاقة غير المتوازنة وغير المقبولة، بينها وبين الغرب، وهي العلاقة التي يعبر عنها الخطاب الاستعماري ويعمل على ترسيخها. انطلاقاً من هذا، وإزاء هذا الخطاب الاستعماري، ظهر خطاب يردّ على ذلك ويناهضه، وهو ما صار يُعرف بخطاب ما بعد الاستعمار وعلى أيدي هؤلاء الذين يستطيعون ذلك في أحسن السبل، وهم بشكل خاص المفكرون والفنانون والأدباء والكتّاب عموماً في بلدان العالم الثالث وأممه وضمنهم العرب بالطبع، وهو الخطاب الذي عُنيت به ونظّرت له نظرية ما بعد الاستعمار التي نضجت على يد سعيد أيضاً.
لقد انبنت نظرية ما بعد الاستعمار، وهي تنظّر لهذا الخطاب، على مجموعة من المرتكزات الفكرية والمنهجية وأهمها: فهم ثنائية الشرق والغرب، وتفكيك الخطاب الاستعماري، والدفاع عن الهوية القومية، وعلاقة الأنا بالآخر، والتعددية الثقافية، وغير ذلك. وفي النتيجة يعمل خطاب ما بعد الاستعمار الثقافي العربي، وكما هو شأن خطابات العالم الثالث، على التعبير عن ذلك. باختصار، إن نظرية ما بعد الاستعمار نظرية تسلَّحَ بها كُتَّاب العالم الثالث بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة كتّاب آسيا وأفريقيا، وضمنهم العرب بالطبع، لمجابهة التمركز الغربي، وما يقود إليه من هيمنة متعدّدة الأشكال والمستويات على هذا العالم.
وإذا كان الخطاب الأدبي هو أبرز أنواع الخطابات العربية تعبيراً عن هذا، ولاسيما في معارضة الهيمنة ومقاومتها، فإن الرواية العربية تأتي في مقدمة هذا أنواع هذا الخطاب ومستوياته وأساليبه. وهكذا إن تأمل العديد من الروايات العربية التي تعاملت مع العلاقة ما بين الشرق والغرب أو العرب والغرب، أو نحن والآخر الغربي، على امتداد تاريخ الرواية العربية ولاسيما خلال العقود الأربعة الأخيرة، تقدم مثل هذا الموقف أو ربما جاز لنا القول المواقف. الواقع إن الرواية العربية التي تعاملت مع علاقة الشرق والغرب أو العرب والغرب، لاسيما خلال العقود الأربعة الأخيرة، مثّلت وتمثّلت خطاب ما بعد الاستعمار هذا، حين عبّرت وتعبّر، وبأشكال مختلفة، عن رفض أن يكون العرب محيطاً تابعاً وأن يكون الغرب مركزاً مهيمناً، ووفقاً لذلك غالباً ما قدّمت العربي معادياً للغرب حين يجعل هذا الغرب من نفسه مركزاً والآخرين محيطاً تابعاً. وإذا كان الخطاب الثقافي الاستعماري، وكما تمثل أكثر ما تمثل في خطاب الاستشراق التقليدي والجديد، قد قدم رؤية الغرب لهذه العلاقة ولما يجب أن تكون عليه، فإن الخطاب الثقافي العربي، ممثّلاً في مقالنا هذا بالرواية تحديداً، كثيراً ما جاء ردود أفعال على ذلك الخطاب وطروحاته وعبّر عن رؤية العرب البديلة لهذه العلاقة.
ومع أن رأينا ومقولاتنا، مع من يشاركنا فيها، انبنت على قراءة عدد كبير ومن الروايات وتحليلها، فإنن نقر بوجود عدم التسليم بأنها جميعها، وجميع طروحاتها قد جاءت في هذا السياق، بل نفترض أن بعضها لم يتوقف عند حدود الرد على طروحات خطاب الغرب. فإذا كان الخطاب الاستعماري في لا إنسانيته ولا موضوعيته، قد رسم شرقاً، على حد تعبير إدوارد سعيد في كلامه عن خطاب الاستشراق، هو غير الشرق الجغرافي الذي نعرفه، فإن بعض خطاب ما بعد الاستعمار الثقافي العربي، ممثَّلاً بالرواية، قد جاء في ردّه على الخطاب الاستعماري لا إنسانياً ولا موضوعياً وكل ذلك مما يمكن رصده في توزّع الروايات العربية، في الصور التي تقدمها للغرب والغربيين ما بين الصور السلبية- التي نتوقع أن تكون هي الأكثر- والصور الإيجابية. فمن روايات الصور السلبية نذكر: “سباق المسافات الطويلة”- 1979- للسعودي عبد الرحمن منيف، و”نورا”- 1981- للعراقي ناجي التكريتي، و”الرحلة”- 1983- للمصرية رضوى عاشور، و”الشاهدة والزنجي”- 1987- للعراقي مهدي عيسى الصقر، و”طفل السي إين إين”- 1996- للعراقي إبراهيم أحمد، و”كم بدت السماء بعيدة”- 1999- لبتول الخضيري، و”أمريكانللي”- 2003- للمصري صنع الله إبراهيم، و”الحدود البرية”- 2004- للعراقية ميسلون هادي، و”الغبار الأمريكي”- 2009- لزهير الهيتي، و”عناق عند جسر بروكلين”- 2013- للمصري عز الدين شكري فشير، و”جوّانتنامو”- 2014- للمصري يوسف زيدان. أما من روايات الصور الإيجابية فنذكر: “أشجار البراري البعيدة”- 1994- للقطرية دلال خليفة، و”عمارة يعقوبيان”- 2000- لعلاء الأسواني، و”المحبوبات”- 2003- للعراقية عالية ممدوح، و”طشاري”- 2014- للعراقية إنعام كجه جي، و”الطلياني”- 2014- للتونسي شكري المبخوت.
بقي أن نقول إن هذه الروايات وغيرها، سواء قدمت الصور السلبية أم الصور الإيجابية، كثيراً ما تختلف، فيما بينها، في مدى موضوعية أو لا موضوعية هذا التقديم أو هذه الصور. ولكن من دراستنا الطويلة لثيمة (الآخر) أو (نحن والآخر) وتتحديداً الغربي في الرواية العربية، لاحظنا أن الموضوعية غالباً ما ارتبطت بتقديم الصور الإيجابية، على قلتها، بينما ارتبطت الصور السلبية غالباً باللاموضعية. ونعتقد أن لذلك علاقة بالحماسة والنزعة العاطفية، وربما الانفعالية- ولكنها نبيلة عادةً- لأصحاب خطاب ما بعد الاستعمار من الروائيين العرب، الذي عادةً ما ينطلقون من الدفاع أو الرد على خطاب الاستعمار، ليس الروائي فحسب، بل الثقافي عموماً.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

دراسة عن دروب وحشية

تشكلات البناء السردي في رواية دروب وحشية للناقد نجم عبد الله كاظم أنفال_كاظم جريدة اوروك …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *