الصمت أقوى اسلحة السلطة

الصمت أقوى أسلحة السلطة
ميسلون هادي
كيف يمكنك أن تحكم بلداً فيه 246 نوعاً من الجبنة؟ هذه الجملة قالها الجنرال شارل ديغول الأب الروحي للجمهورية الفرنسية الخامسة، والذي يرجع له الفضل في استقلالها ضد الجيوش النازية أثناء الحرب العالمية الثانية. وهو نفسه القائل أيضاً “إن الصمت أقوى أسلحة السلطة”…. والصمت هو ما نحن بأمس الحاجة إليه قبل استعمال بعض الكلام الناري الذي قد يكون أشد فتكاً من أسلحة الدمار الشامل، والعكس صحيح أيضاً، إذ قد يكون الكلام الجميل أجمل وقعاً من سيمفونية بتهوفن التاسعة، ويفعل فعلها الساحر في تطييب الخواطر وتهدئة النفوس.. ألم يقل أهالينا الأولون إن اللسان الحلو يطلّع الحية من الزاغور؟ فأين سياسيونا من هذا اللسان الحلو الذي يداوي الجروح ويفتح أبواب الأمل بدلاً من الكلام الذي يربي أعتى الأفاعي في أوكارها؟.
نحن فعلاً نجني الآن عواقب الكلام الذي (لا يُودّي ولا يجيب)…. الأقلية السنية.. والبيت الشيعي.. واقليم الجنوب.. وأقليم الغرب… ونظام مقبور.. وفلول وأيتام وأزلام واجتثاث وفاشست وقومجية… وشغف عجيب بالمفردات المخيفة التي شبعنا منها حد التخمة منذ أيام النظام السابق حينما كانت المعركة تتحول الى (أم المعارك) والحرب الضروس الى (الحواسم)… وأسماء أخرى لأحياء وساحات وتواريخ ستغيير لاحقاً ومع دورة الدنيا الدوارة من ملكية الى جمهورية، ومن شيوعية الى بعثية، ومن بعثية إلى إسلامية ، فتتحول الثورات إلى انقلابات، والاحتفالات إلى مآتم، والمآتم إلى احتفالات…. ووحدها الحقيقة ستمر ضاحكة وهي تنظر إلينا من نافذة عربة تجرها الخيول إلى الهواء.
نعم لن نستطيع الإمساك بالحقيقة، لأننا ننشغل بالأسماء وندع المسميات.. ولا نجعل الكلام قوياً بندرته لا بكثرته، فنتعلم فن الصمت عن الصغائر، ونمر باللغو مرور الكرام. لقد عشنا حياة طويلة ونحن مشغولون بالخطب الطويلة عن كيف يجب أن تكون الأشياء حتى مللنا الاستماع إلى خطب فارغة يزداد طولها مع خواء المعنى، كما هو الحال مع القذافي وجماهيريتة الليبية الاشتراكية العظمى… وقس على ذلك من وقتنا الحاضر كيلومترات من الخطب الرنانة عن الوحدة الوطنية من قبل سياسيين يجب أن يكونوا أمثلة ساطعة للوحدة الوطنية وليس منظرين أو واعظين…. أسماء تتغير ووجوه تتكرر وتتناسخ مع بعضها، ولكن أين هي المسميات؟ أين هي حضارتنا وعمراننا وعاصمتنا الجميلة؟.. أين العراق القوي المتحضر والمتفاعل مع زمانه؟.. أين السياسي القادر على التجوال في شوارع بغداد؟.. أين نائب الشعب الذي نعرف بيته ونستطيع الاتصال به ليحل مشكلة واحدة من مشاكل الشعب؟.. أين الشطارة في الفعل بدلا من الشطارة في معارك الكلام؟…. تلك المعارك هي التي أججت الشارع بدلاً من تهدئته من قبل سياسيين يستفزون الناس بدلاً من تهدئة النفوس… يعتقدون أنهم يعبرون بذلك عن إرادات طوائفهم وأمانيهم، ولكن هذه الإرادات قد مُسخت بفعل اللاصمت وغياب الحكمة، وكان من نتائجها تجييش الشارع العراقي بالاتجاه الطائفي المقيت الذي أُريد له ان يضمن الكراسي والنفوذ، ولكن السحر قد ينقلب عليهم وعلى السائرين في نومهم نحو التقسيم والطائفية.

2005

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

الأحلام لا تتقاعد

لو أنَّ حدّاداً تعب وهجر مهنته أو نجّاراً شاخ فتوقف عن العمل أو محاسباً بارعاً …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *