الفصل الأول
الشخصية ومروياتها في منجز ميسلون هادي الروائي
رواية الداخل الحلول والمواقف
الشخصية في السرد العراقي
يعد التعبير المباشر على لسان الشخصية الروائية عن الظلم الذي يحل بالمجموعة البشرية نساء كانت أم مكونات دينية أم مذهبية أم غيرها، واحدا من أكثر الأساليب شيوعا في الرواية. فالشخصية الروائية تأخذ على عاتقها كما تفعل شخصيات رواية ميسلون هادي “زينب وماري وياسمين” وأغلب رواياتها الأخرى(1)، سرد آلامها الشخصية وتاريخها الشخصي الذي لا يخلو من إحالة إلى ماضي المجموعة التي تمثلها الشخصية دينيا ومذهبيا وجنسيا.
وهو نوع من التوظيف للشخصية يرتبط بحقبة رواية التغيير العراقية وبسرد الضحايا(2). فنظرة إلى الرواية العراقية أو القصة العراقية أو السردية العراقية، تعلمنا أن الشخصية في الحقب السابقة لم تكن لتشكل لدى الكتّاب الهم الأكبر، ولم تكن مدار عنايتهم، ولم تكن في الغالب إلا وسيلة من وسائل نقل أفكار القاص وتصوراته(3). وهو ما جعل البعض يعتقد أن الشخصية، التي تحتاج إلى عناية وتأمل وتطوير، كانت نقطة الضعف الأساسية في الرواية العراقية(4). فكثير من الكتّاب لم يكن يعطي الشخصية العناية التي تستحقها في الرواية، الشيء الذي جعل الرواية العراقية في كثير من الأحيان رواية قراءة، ورواية مثقفين ومهتمين أكثر منها رواية ثقافة ورواية تلق عام. فهي بسبب غياب عنصر الشخصية وما يتصل بها صارت أضعف من الناحية التشويقية(5) وتحولت إلى ما يشبه متحف أفكار ومواقف من المجتمع والحياة.
وهو الشيء الذي يؤكد عليه النقاد والمعنيون بالقصة العراقية في مراحلها المختلفة التي بدأت بالواقعية الانتقادية المثالية ممثلة بمحمود أحمد السيد، حيث كانت القصة وبخاصة “جلال خالد”، محاولة لتقديم تصور إصلاحي للمجتمع ينطلق من وعي الكاتب بعيوب ذلك المجتمع التي تسبب في تأخره وفي تخلفه، وكل ذلك بلغة أقرب إلى لغة المقالة، ولغة لا تغفل أبدا دورها الإصلاحي التنويري الانتقادي(6).
تأتي بعد ذلك المرحلة الواقعية الانتقادية، وفيها يتحوّل اهتمام الكاتب إلى المجتمع وعيوبه ومشكلاته، وتجسيد كل ذلك في قصّ، مع أنه قريب إلى الواقع إلا أنه يحوّل كل مكونات المروي، وتحديدا الشخصية، إلى نماذج تحيل إلى أبعاد الظواهر الاجتماعية وتشخصها مبينة عيوبها مثل شخصية المثقف الانتهازي أو الطبيب الفاسد أو المعلم المتعالي على المجتمع(7).
وفي حقبة الستينيات من القرن الماضي برزت، على حد تسمية النقاد، المرحلة الذاتية الانتقادية(8). وفيها تحوّل أبرز قصاصي هذه المرحلة وهما عبد الملك نوري وفؤاد التكرلي إلى الاحتماء بالذات تعبيرا عن احباطهم ويأسهم من إصلاح الواقع الذي لم تفلح ثورة تموز 1958 في تغييره مفضلين الانزواء داخل الذات في نوع من الدفاع عنها بوصفها الحصن الأخير الذي تجب حمايته من الفساد والضياع، ومفضلين، من خلال ذلك الانزواء، الاهتمام بالفن القصصي، متأثرين بما كانوا يقرأون من ترجمات ومن نقد تطبيقي حول فن القص(9).
وبحسب النقاد، أيضا، فإن ذلك الانزواء ترك أثره على مجمل عناصر المروي، ومنها وعلى رأسها الشخصية التي صارت خالية من الملامح الخارجية وبعيدة عن الواقع وأقرب إلى فكر الكاتب شأنها في ذلك شأن العالم القصصي كله. فهو يتسم، وهو ما اتفق عليه نقّاد القصص الستيني كلهم، بالذهنية وبتغييب السمات المحلية. حتى أن قصة للتكرلي، وكما يقول الدكتور علي جواد الطاهر، يمكن أن يقرأها القارئ الغربي ولا يجد أنها بعيدة عن ذائقته(10).
وفي مراحل لاحقة من تطور السردية العراقية الحديثة، فيما يعرف بالموضوعية الانتقادية في السبعينيات وما بعدها، يلاحظ ميل إلى إبعاد الذات عن الاندماج في العالم القصصي والروائي من خلال الاعتماد على المروي بكل عناصره واتخاذه معادلا موضوعيا لأفكار الكاتب ورؤاه. ومن خلال اعتماد السرد الموضوعي والوصف الموضوعي الحيادي للخارج. وهو ميل نتج عنه بصور مقصودة، ربما، ومبررة نقديا في سياق المرحلة التي انتجت تلك القصص والروايات، إغفال للشخصية ولأثرها في العالم ولدورها في تغييره. فهي ليست سوى مشاهِدة لما يمر بها، ناقِلة له، لا قدرة لها على التأثير فيه. بل بالعكس هو، أي ما ترى ويمر بها، الذي يؤثر على الشخصية ويطبعها بطابع السلبية والانهزام والتراجع والاكتفاء بالمشاهدة أو السرد الحيادي لما يجري(11).
وفي هذا السياق الذي لا يخلو من استجابة للواقع السياسي والإيديولوجي السائد في تلك الفترة وما شهده من صعود لأنظمة الحكم الشمولي وما صاحبها من خسارات فادحة للمجتمع وللمثقف الذي انهارت طموحاته وأوهامه في النقد والإصلاح وإعادة القيمة للذات وللإنسان وللمجتمع لينتهي إلى عنصر محبط مستسلم قابل بقدره.. في هذا السياق الذي لا يخلو أيضا من استجابة للبيئة النقدية النظرية التي نشطت في حقبة الثمانينيات وما بعدها، عندنا، ممثلة بالتركيز على النظر البنيوي والموقف البنيوي من العالم والكتابة. وهو موقف يؤكد على ثباتية الأفكار، وبطريقة ما، ثباتية العالم الذي لا يتغير إلا مظهره فيما هو في جوهره يعود إلى بنى محددة متشكلة من عناصر محددة تتحرك بقوانين ثابتة ومحسوبة لا دور فيها للفاعل أيا كان نوعه سواء كان متلقيا أم ناقدا أم مؤلفا(12).
أعود للقول، في ذلك السياق الذي تلاقى فيه التاريخ العربي والعراقي بالفكري النقدي انتهت الشخصية إلى نوع من التقزم والتخفي وخفوت الصوت والمظهر وتراجعت سردياتها قياسا بسرديات كبرى شكلت مرجعيات الأحزاب الحاكمة في المنطقة العربية والعراق. سرديات عملت أول ما عملت على طمس أية سرديات أخرى لا تنسجم معها دافعة إياها إلى السكوت والقبول بدور الوصف والتوثيق الذي ينم عن عدم قدرة على الفعل، وعن انعدام ثقة كامل بالدور التاريخي والثقافي والأخلاقي للشخصية وللمؤلف من بعدها.
السرد من خلال الشخصية: خصوصية السرد العراقي بعد التغيير
هل تأتي الشخصية ها هنا -في روايات ميسلون- موافقة للقياسات النقدية النظرية المعروفة حول الشخصية؟ لنجب مبدئيا بـ”لا”. فتلك القياسات أو النظريات النقدية جاءت وصيغت حول نصوص أكثر تماسكا في الرؤية والتقييم والنظر إلى العالم الذي كان لما يزل بدوره أكثر تماسكا وانتظاما على مفاهيم محددة تخص الوطن والتعايش المشترك والمجتمع والهوية(13)، تلك الهوية التي لم تكن تعاني تشظياتها الحالية، وإلى حد ما كانت تكمن انقساماتها وراء تصلب نظري وإيديولوجي متبنى سياسيا ومُعوَّم بقوة السلطة، ومعاد من خلاله النظر إلى التاريخ والفرد والمجتمع والحدود الوطنية. وهو ما نجده ممثلا بوضوح في عراق ما قبل التغيير. هذا إذا أردنا أن نتخصص بالحديث عن العراق والرواية العراقية مع أن الأخيرة لم تكن في هذا بدعا عن الحالة العربية ككل باستثناء القلق الحداثي الذي كان يشتغل بطريقة نقدية وفكرية ومنهجية سواء في الكتابة أم النقد في الخليج العربي(14) بوصفه إلى حد ما يشكل بيئة معاندة للتحديث بحكم بنيته الاجتماعية التقليدية. وهو ما كان يستدعي نقديا وكتابيا خطابا عقلانيا منظما وواضحا يستند إلى الحداثة ومقولاتها النظرية في أصولها الغربية أو في تطبيقاتها العربية كما تظهر من خلال بعض الأسماء والتجارب كتجربة طه حسين على سبيل المثال(15).
وعلى مستوى الكتابة الروائية فقد كانت الرواية الخليجية ومنذ وقت أسبق تعبر عن القلق الفردي تجاه تواطؤ جماعي على تهميش الفرد وإضعاف دوره وصهره في المجموع والحرص على إلزامه بتقاليد ذلك المجموع ونصوصه وسلوكه. وقد ظهر ذلك القلق الفردي في ارتفاع شحنة التعبير الذاتي داخل الرواية التي طغى عليها السرد بضمير المتكلم و السرد الذاتي المعبر عن مشكلات المجتمع ورغبات بعض من أفراده أو جنس من أجناسه في تحقيق الذات وتوسيع هامش الحرية(16).
وعموما لم يخرج هذا التوجه في الرواية العربية عن التوجه العام الأقرب إلى الانشغال بقضايا كلية تخص الهوية النظرية أو المتخيلة التي تتصل بالمجموعات في وجودها الفكري أو الخيالي أكثر من وجودها المادي والحقيقي والتاريخي، مثل المرأة وحقوقها والملونين وحقوق الإنسان عامة في الحرية والانتخابات والتعبير عن الرأي وحق الزواج على أسس مدنية لا دينية أو مذهبية أو قبلية(17).
وهذه الهوية المثالية تسعى إلى أن تستمد نفسها من سرديات فكرية نظرية كما سبقت الإشارة، ومن تجارب أمم وفئات أخرى خاضت معارك الاعتراف بها وحققت مكاسب ملموسة كما فعلت الحركة النسوية عامة. وهي لا تصغي بطبيعتها إلى السرديات الفعلية الموجودة في الواقع المحلي الذي تنتمي إليه، ولا تعبر عنها. فهي لا تعير اهتماما للنساء الموجودات في الواقع واللواتي ربما، لا يجدن غضاضة في تقييد حريتهن مؤمنات بأن هذا جزء من تاريخهن وتقاليد بيئتهن أو من تعاليم ديانتهن. وهي، كذلك، لا تسعى إلى تمثيل خصوصيتهن سرديا عبر اكتشاف الفوارق الدقيقة التي تميّز ما يمكن أن يُعدّ هويات جزئية متمايزة موجودة داخل المجتمع الواحد وغير مُعبَّر عنها أو منظور لها إلا من خلال منظور خارجي كلي ادماجي(18).
ومن هنا يقوم السرد بفرض رؤية مسبقة ومتعالية وافتراضية ونظرية على الفئة التي يتبنى قضيتها في انتماء صريح إلى طقس أو تقليد من تقاليد الحداثة. وسرديا ينعكس ذلك على العالم الروائي الذي يبدو بدوره أكثر انتظاما ووضوحا وانتماء إلى مرجعيات فكرية ودعوات نظرية بعينها تمثل كاتبها أو تمثل الحقبة التي ينتمي إليها أكثر من تمثيلها للمجتمع أو لمكون من مكوناته أو للهويات الصغرى الذي ينطوي عليها ذلك المجتمع. وينعكس ذلك الانتظام والوضوح على الزمان الذي يميل إلى الامتداد والاستطالة والاقتراب من زمن الحوادث بما يساعد على تشكيل الذاكرة التي تجمع بين الاستعادة والتمحيص والتأمل والنقد للجماعة لا للذات. وينعكس ذلك الانتظام للعالم السردي أيضا، على المكان الذي يتنوع بحسب الحوادث ويقترب من المكان الحقيقي وإن كان منظورا إليه نظرة عاطفية. فهو محفز من محفزات سرد الذات التي تتحول بدورها إلى ذات مثالية تريد من القرّاء أن يتماهوا مع تجربتها وذاكرتها وأحكامها بالدرجة نفسها التي تتماهى فيها هي مع ما تروي. فالراوي الذي هو شخصية من شخصيات الرواية غالبا يتمركز حول ذاته ويهتم بسرديته مفترضا أنها السردية الأمثل التي يجب أن تنتصر في مواجهتها لسرديات كبرى تحكم المجتمع تعود إلى التقاليد والدين والثقافة التقليدية والنصوص السائدة. وهو ما يقودنا إلى عنصر الشخصية في الرواية العربية السابقة على روايات العقد الأخير بعامة وروايات التغيير العراقية بخاصة. فهناك لم تكن الشخصية سوى معادل للراوي ومن بعده للذات العارفة المشرفة على سرديات فئوية مثالية تواجه في صراعها اليومي والنفسي والتاريخي سرديات عامة مثالية.
سيكون علينا أن نعيد التفكير، في عود على بدء، بالشخصية التي بدأت مع الرواية التي تنتمي إلى ما بعد الحداثة عموما والى السرد العراقي بعد التغيير خصوصا بتجاوز الحدود التي رسمتها السردية التقليدية لها بوصفها عنصرا مستقرا من عناصر المروي يعبر عن الواقع ومتغيراته وعما يقع للإنسان فيه، ويعبر عن الإنسان الطموح في صراعه مع قوى المجتمع المختلفة وانتهائه بالفوز عليها أو بالاندحار اندحارا نبيلا أمامها. وحتى سرديا، وكما سبقت الإشارة، فإن الشخصية ظلت معادلا للذات التي تريد أن تغيّر العالم ولو بمقاومة داخلية، وتريد أن تشكك في السرديات الكبرى(19) التي تحرك عالمها وتحدد مساراتها ومصيرها.
مرويات الشخصية: الوصف
سوف تتحوّل الشخصيات في سردنا العراقي الحديث إلى شاهد على الخراب الحاصل أحيانا وعلى التمزق في الهوية وفي الذات في أحيان قليلة أخرى كما هو الحال مع ميسلون هادي في كل أعمالها، وتحديدا في روايتها “زينب وماري وياسمين “. حيث تمرّ الشخصية بأدوار تختلف باختلاف الأزمنة التي هي في الحقيقة خارج زمن السرد الآن. فزمن السرد ليس إلا زمن الشك والالتباس والتردد بين أكثر من سردية. وهو زمن لا يتجاوز الساعات وحيث تزور ياسمين قبر أمها زينب (غير الحقيقية). أما زمن الشخصيات الأخرى غير الساردة (ياسمين) فهو زمن مطابق للواقع ولأحداثه، وهو مشحون بالمشكلات، ويعيدنا إلى سرديات مختلفة يمكن أن تتشكل من اجتماعها هويات مختلفة إلى حد التناقض ولكن ليس إلى حد التقاتل.
تتحرك في هذا الزمن شخصيات ثرية فاعليا ودلاليا. تبدأ بالأم غير الحقيقية لياسمين. فياسمين تولد في يوم 29 شباط لعائلة مسيحية وتولد إلى جوارها ياسمين أخرى لعائلة مسلمة، وحين يؤخذ المواليد في هذا اليوم للاحتفال بهم تُستبدل الطفلتان لتنشأ ياسمين المسيحية في بيت امرأة مسلمة شيعية في حي شعبي(20).
سيبدو التباس الهوية غير مقصود وقدريا وعبثيا. هكذا توحي الحبكة. ولكنه لن يكون كذلك بالنسبة للساردة، ياسمين، التي تأخذ على عاتقها تحمل هذا الالتباس ودفع ثمنه نفسيا وإنسانيا وفكريا.
تأتي بعد زينب ماري وهي الأم الحقيقية لياسمين التي ستعود بعد سنين طويلة إلى أخذ ابنتها من العائلة المسلمة التي تربت في أحضانها.
ولن يكون الأمر مربكا لياسمين لولا ما تعيشه من ازدواج، لا في هويتها الدينية أو المذهبية، ولكن النفسية والفكرية فيما بعد وهو ازدواج يأتي من المرويات التي تنبني عليها شخصية ياسمين، وهي بالدرجة الأولى مرويات الجدة “صبيحة” أم زينب، أو قصصها التي ترويها من دون توقف على مسامع ياسمين تبريرا لما يظهر على زينب من قهر وحزن وميل إلى البكاء وما انتهى بها إلى المرض والموت مبكرا.
ستبدو الجدة بمثابة اللسان الذي يتابع تاريخ الأسرة التي جاءت هاربة من إحدى مدن الجنوب بعد أن صارت ابنتاها فدية أو (فصلية) بلغة العشائر، ودفعتا دية عن جريمة قتل قام بها الأخ(21).
تروي الجدة حكاية الفرار بابنتيها من حكم العشيرة وما لاقته وهما، من عذاب ومشقة. وتروي أسباب زواج زينب من محمد الذي بدا للعائلة المطحونة مناسبا في منظره وهيئته أول ما بدا، ولكنه بعد ذلك تكشف عن رجل سكير ومقامر تسبب لزينب المسكينة، على حد وصف أمها “صبيحة”، بأذى كثير أدى إلى مرضها وإلى موتها(22).
أما “زينب”، ولا أدري إن كان اسمها قد جاء اعتباطا؟! فهو يرتبط في الموروث الشيعي بالألم والمشقة التي تقع على امرأة من النساء. إذ يُقتل اخوتها وبنوها وأهلها أمام عينها، وتُعرّض للنار والرعب من جيوش الأعداء وتسير مسبية بما تبقى من أهلها وهم من النساء والصغار إلى الشام.
زينب إذن، الشخصية في الرواية تمثيل يحيل في جانب بعيد إلى مرويات فئة من فئات المجتمع العراقي وطبيعته النفسية التي جاءت من وقائع تاريخية ودينية بعينها. وهي في الرواية تحيل إلى الجانب النفسي من جوانب “ياسمين” التي نشأت، رغم أنها في الأصل ليست ابنتها، في أحضانها، وفي أحضان عائلة فقيرة مسلمة تعيش واقعا اقتصاديا واجتماعيا متخلفا يجعل من مرويات القهر والظلم وما يعززها من وقائع التاريخ مكونا أساسيا من مكونات الشخصية. وهذه المرويات ستكون فعّالة في إنتاج السرد وتجديده خاصة في ظروف محفزة على انتاجه سواء على مستوى العالم الروائي أم على مستوى السياق التاريخي الذي ظهرت فيه رواية “زينب وماري وياسمين” وما يشهده من اختلال في مفهوم الهوية التي تشظت إلى هويات صغرى أو فرعية حادة في فهمها لنفسها وفي تعاملها مع الآخر وفي الرد عليه بقسوة من خلال الفعل أو إعادة إنتاج الذات. فهناك في هذه الحقبة من تحوّل من سؤال الدولة والمجتمع والهوية الوطنية إلى سؤال الجماعة أو المكون الذي يتميز بمروياته التي تمتلك القدرة على تبرير ما يقع من حوادث تبريرا انفعاليا وعاطفيا، وتمتلك القدرة على تجديد نفسها من خلال ما يقع عليها من إقصاء أو عداء أو تفجيرات، وهي، في النتيجة، تجدد الفاعلية السردية التاريخية القائمة على فكرة الظلم من دون أن تقوم بأي فعل يصب في صالح الجماعة أو في صالح الوطن أو في صالح فكرة الدولة التي يجب أن تكون حديثة وديمقراطية وجامعة لمختلف المكونات وقادرة على مواجهات التحديات المختلفة بما فيها تحدي الديني والطائفي والمناطقي والتاريخي القريب أي تاريخ العراق الحديث القومي، والبعيد أي التاريخ الرسمي أو تاريخ الخلافة الرسمي.
وهو تماما ما تجسده “زينب”. فهي في صورتها داخل الرواية لا تمتلك القدرة لا على الفعل ولا على صناعة تاريخها الخاص بها.
هي كما تؤكد “صبيحة” تذهب دائما ثمنا لأخطاء الآخرين. أي أنها ضحية. هي في الأصل ضحية لجريمة لم تقم بها وإنما قام بها “عبد الجبار” أخوها الذي قتل شخصا من قبيلة أخرى فقررت قبيلتها أن تدفع بها دية وذلك جعل الأم تفرّ بها وبأختها، لتعاني ما تعاني. ثم هي تدفع إلى الزواج بمحمد مقابل مبلغ تحتاجه العائلة لبناء غرفة تحتمي بها العائلة من حر الصيف وبرد الشتاء.إنها كما تقول عنها صبيحة، مظلومة(23).
وهي لذا لا تقول شيئا فصبيحة هي من تتولى الحديث عنها وعما لاقته من ظلم، وفيما بعد تتولى الحديث عنها ابنتها ياسمين التي كانت الأقرب إليها نفسيا. وهو قرب سيكون له جدواه في نهاية الأمر.
وهي قبل ذلك لا تفعل شيئا غير الاستسلام للواقع وللظلم وللأذى والقبول به وتَلَبُس دور الضحية كاملا والرضا به والتماهي معه إلى نهايته لتنتهي بالمرض والموت.
وفي مقابل ذلك تميل الرواية إلى استغلال مرويات موازية لمرويات الضحية التاريخية التي تتمثل في قصة زينب المظلومة الفصلية بنت الفصلية التي ستكون ابنتها فصلية كما تصف صبيحة، وضع الضحية الذي تتبناه فئة من المجتمع وتفضل الانتماء إليه والتماهي معه. وتلك المرويات المقابلة هي مرويات القسم الثاني من المجتمع المتخفف من دور الضحية التاريخي والأقرب إلى الواقع والحياة وإلى التفاعل مع المتغيرات التاريخية. وهو ما تمثله قصة “ماري” والعائلة المسيحية التي تعود إليها “ياسمين” فعليا وتتحول بعد سنوات من ولادتها إلى العيش معها في الحي الراقي الذي تعيش فيه مخلفة بيت زينب وظروفها من دون أن تتخلى عن تأثيرها العاطفي والنفسي فيها فذلك قد تغلغل بعيدا في وجدانها ولا خلاص لها منه.
وتختلف الشخصيتان (زينب وماري) كلّيّاً. فالأولى كلامية أما الثانية فهي فعلية. وتترتب على ذلك مجموعة من الخصائص المتصلة بكلّ من الشخصيتين، إذ الأولى سلبية. فالجدة صبيحة تقول عن زينب ((كانت ذليلة فقيرة))(24) والثانية إيجابية فـ((ماري التي تجري وتضحك وتقودني إلى نتيجة واحدة… هيّا إلى العالم))(25). الأولى ثابتة، فـ((المسألة الكبرى هي أن تتحرك زينب من مكان إلى آخر.. وعندما تريد عبور الكرخ إلى الرصافة تقدّم رجلاً وتؤخر أخرى))(26) والثانية متحركة ((صاخبة بالحركة)) و((بكلّ سهولة تنتقل… من مكان إلى مكان… بقيت في الأردن ثلاثة أعوام قبل أن تطير إلى كندا… أصبحت تزورني للاطمئنان على زواجي))(27). الأولى تموت ((زينب المظلومة ماتت)) (28) والثانية تستمر في الحياة. الأولى تخسر ابنتها، فتموت لذلك حزينة، ((أمي زينب قد ماتت وهي تدري بأنني لست ابنتها))(29) كما تخسر الثانية، ((قالت (الخالة زمان) لماري إنه (أي الأب) مطمئن عليها (ياسمين ابنته) معكم ما دامت مريضة وتحتاج إلى علاج مستمر، ومطمئن عليها أكثر ما دامت مع ابنته الأخرى ياسمين التي يثق بخلقها وأدبها))(30)، والثانية تربح البنتين((تمسكت ماري بياسمينها)) (31). الأولى تُروى حكايتها والثانية تهتم بمصير عائلتها وحياتهم. الأولى تعيش في الماضي ((أمي زينب كانت فصلية ابنة فصلية، وابنتها ستكون فصلية أيضاً))(31). والثانية تعيش للحاضر والمستقبل ((ماري أفكارها واضحة عن كلّ شيء.. ترسم صورة للفكرة كما هي موجودة في رأسها لا كما يجب أن تكون)) (33).
تختلف ماري إذن، عن زينب في كل شيء. في الوضع الاجتماعي والاقتصادي والتكوين النفسي وفي القدرة على الفعل والتأثير وفي الحياة. فماري تعيش في حي راق من أحياء بغداد بينما تعيش زينب في حي فقير وذلك ينعكس على سلوك الأسرتين ومفاهيمهما ومواقفهما من المرأة والدين. فأسرة زينب الأب والابن أقرب إلى التشدد في التعامل مع المرأة ومع ياسمين تحديدا التي حجبها أخوها مبكرا وباستمرار يهينها(34) بينما لم تجد مثل هذا التعنت من أسرتها المسيحية. وفيما غابت أية قصص أخرى غير قصة الظلم التي لا تكف الجدة عن روايتها وتفسير مصير زينب بها، كانت حياة ياسمين الجديدة مع أسرتها المسيحية مجالا لقصص متنوعة ولشخصيات مختلفة. من بينها ماري وابنة زينب الحقيقية ياسمين التي تبقى مع العائلة المسيحية وتهاجر معهم إلى كندا وتكون بحكم تربيتها المختلفة عن تربية ونشأة ياسمين طيعة ومنطوية تحت جناح ماري تقبل بما اختارته لها من دون إبداء أية محاولة للتمرد أو اختيار حياتها وما يتطلبه ذلك من مسؤولية. وهناك الجارة “أسامي” وهي صحافية مثقفة وتصبح صديقة قريبة لياسمين. وهناك أيضا “كافي الكيلاني” حبيب أسامي الذي يبدأ مثاليا في نظرته للوطن فيترك مهجره في بداية الحرب العراقية الإيرانية ويعود ليحارب مع جيش بلده ولكنه يتعرض للأسر والإذلال فيعود منكسرا ومهزوما ليهاجر مرة ثانية وبلا عودة ومن دون أن يتزوج من أسامي. وأسامي هنا أقرب إلى شخصية المرأة في روايات ميسلون الأخرى التي لا تعتمد على المرويات، إذ تأتي منتظرة ومهجورة وبلا أمل في أن تستعيد حبيبها أو تلتقي به على الصورة التي أحبتها به. فهو إما يغيب بلا عودة أو يعود مهزوما لا يشبه الرجل الذي عرفته وانتظرته الشخصية(35).
تظل ماري الأم الأصلية لياسمين شأنها شأن زينب مرويا عنها ولكن من يروي عنها ومن غير وساطة أحد (كصبيحة الجدة في حالة زينب) هي ياسمين. وهي لا تروي عنها كلاما كما في حالة زينب وإنما أفعال ومواقف تظهر فيها ماري قوية ومؤثرة في أسرتها وذات إرادة. فهي تتمسك بياسمين الابنة الحقيقية مثلما لا تتخلى عن ياسمين الأولى التي ربتها وصارت ابنتها بالتربية وهي تفاوض الأسرة المسلمة لتحتفظ بالبنتين. ولا تجد أية ممانعة حقيقة فالأسرة لا تعرف ياسمين ابنتها أصلا، وهي لا تستطيع أن تتحمل عبء تربيتها والإنفاق عليها، فلماذا لا تظل حيث هي ما دامت مرتاحة؟!
وماري تتحكم في أفراد عائلتها الذين يسلمون لها بقوتها وقدرتها على اختيار الحياة الأفضل ولا يواجهون ما تفعل بغير الرضا بالنسبة للأبناء وبغير الصمت بالنسبة للأب. ولذا تراهم يهاجرون جميعا مسلمين لماري بقرارها ومتبعين لها. فهي صارت ترى أن العراق لم يعد صالحا للعيش فيه في ظل الخراب الموجود، وأنه لا بد من الهجرة وبالفعل تنتقل العائلة إلى الأردن ومنها إلى كندا وتستقر هناك، غير ماري التي تظل متنقلة بين كندا وبين بغداد حيث ابنتها ياسمين الأصلية التي رفضت أن تهاجر مع الأسرة مفضلة البقاء في بغداد والزواج من الرجل الذي رفضته ماري ولم ترتضه لها وحذرتها من الاقتران به ولكن بلا جدوى.
وتبدو ياسمين في هذه المرحلة من حياتها منجذبة بحكم تربيتها إلى مرويات الأم زينب، ومنتمية إليها وعصية على الاستجابة لماري. وهو ما جعلها منقادة إلى عاطفتها وإلى مشاعرها تجاه الرجل الذي أقنعها بالزواج منه وبأنه يحبها فصدقته وتبعته ولكن ليدمجها كأنثى في تراث الظلم للأنثى المتعارف عليه وليحولها من ماري إلى زينب ومن الفعل إلى الكلام عن الظلم المتواصل للنساء واحدة بعد الأخرى(36).
مرويات الشخصية: الحل
تستفيد ياسمين من مرويات الأم البديلة زينب لتخوض تجربتها الذاتية. فمن حقها أن تعيش حياتها وأن تتحمل نتائج خياراتها لتكون أكثر نضجا وعمقا وقدرة على الفعل. وفي الوقت ذاته هي تستفيد من قدرة ماري على الفعل وعلى مواجهة الحياة بالفعل وعلى شق السبل البديلة وقت الضرورة. ولذا فياسمين تنفصل عن زوجها وتتحمل مسؤولية ذلك الزواج الخاطئ وما نتج عنه من ابنة مصابة بالتوحد، لتنتهي الرواية بمشهد استرداد الابنة من المركز التأهيلي والعودة بها لتولي رعايتها مع إشارة قد لا يبدو من الذكاء الكثير تفسيرها بمعناها المباشر ولكنه من المفيد، فياسمين تخرج من غير حجاب ابنتها وحين تنتبه إليه المعلمة تجري به وراء زينب طالبة منها أن تعود لأخذه ولكن ياسمين تشيح بوجهها عنه وتواصل طريقها(37).
ومن المعقول أن يكون لهذه النهاية علاقة بإصرار ياسمين على أن تقطع صلتها بالماضي أيا كانت والبداية من جديد مستفيدة من مرويات الظلم ومن مرويات الفعل معا وقد مزجا في تجربتها الذاتية فجعلتاها أقدر على اختيار طريقها وطريق ابنتها من غير أية مقيدات أو موجهات من أي نوع كانت.
وذلك ما يزيد الفاعلية السردية للساردة داخل الرواية فهي تشرف على نقل الكلام (كلام الجدة) والأفعال (أفعال ماري) وهي تعيش حياتها وتقوم بالأفعال اللازمة لتحررها وتخطيها لمشكلاته مثلما تحكي عن نفسها وعن الآخرين وتتم الرواية التي ستكون على مستوى القراءة وفي سياق رواية ما بعد التغيير في العراق تمثيلا لصراع بين أكثر من هوية يمكن أن تُصنف باختصار إلى مرويات المتكلمين ومرويات الفاعلين، ولعل الانتماء إلى أحداهما لن يكون مفيدا للحاضر أو الراهن العراقي. فالانتماء إلى ماري الفاعلة سيضيع على ياسمين فرصة التجربة والخطأ ولتصحيح وفرصة أن تكون هي. والانتماء إلى زينب يجعلها مسجونة في حيز المظلومة والعاجزة والمروي عنها. أما الاستفادة من الاثنتين فسيجعل الشخصية أكثر غنى وأكثر فاعلية وأكثر تأثيرا وأقدر على إيجاد طريقها الخاص بها وتطوير حياتها وإمكاناتها.
هل هذه هي إجابة الرواية عن مأزق الهوية الحالي الذي يشهده العراق؟ ربما تكون! ولكن من المفيد للنص وللقارئ أن يجد فيه مثل تلك الإجابة. ومن الضروري أن يكون مثل هذا التصور هو الحل العملي لمأزق الهوية أن لم يكن في نظر الساسة، فعلى الأقل في نظر المثقفين وقرّاء الروايات الذين لا بد أن يستمدوا منها، فيما يستمدون، موقفا ثقافيا أو إنسانيا يقع بمثابة الحل الذي تستبدله رواية الداخل العراقية بالتبرير(38) الذي تحرص عليه رواية الخارج.
مرويات الشخصية: الموقف
لنعيد التأكيد على أن مرويات الشخصية في منجر ميسلون هادي الروائي، هي ما يتناقله الراوي السارد أو الراوي الشخصية عن شخصيات أخرى لها أهميتها في العالم الروائي كشخصية “زينب” في رواية “زينب وماري وياسمين” أو “شهرزاد” في رواية “حفيد الـ(بي بي سي)”. وتتضمن هذه المرويات إشارات تتصل بوضع الهوية العراقية السابق أو الحالي. ففي رواية “زينب وماري وياسمين” إشارة إلى صراع تقليدي بين هوية آنية تقوم على الأفعال وأخرى استردادية تقوم على الروايات. والأخيرة موسومة بالبكاء والحزن والقهر تكرر معنى “المظلومية” عبر الزمن وتخضع له وتعده نوعا من التطهر من إثم تاريخي، وهو تطهر ضروري حتى لو جاء عن طريق إيذاء النفس والقسوة عليها ومنعها من التطور أو تجاوز اللحظة التاريخية القديمة في نوع من أنواع القتل أو الثأر المعنوي من الذات. وهذا الفعل هو ما يجعل الجماعة عصية على الاندماج مع غيرها من الجماعات خاصة ضمن خيار الهوية الكبرى أو الوطنية التي تلتئم على أساس وطني. فهي لا تستطيع أن تفسر أي تصارع داخل هذا الإطار الجديد إلا على أنه تصارع تاريخي ثابت الأقطاب ومتغير المسميات يهدف إلى تكرار الواقعة والإضرار بالمؤمنين بها جسديا ونفسيا.
أما في “حفيد الـ(بي بي سي)” فهي مواجهة غير محسوسة ولا تدور في نفس “عبد الحليم” كما هو الأمر بالنسبة لـ”ياسمين” التي كانت تعاني بسبب انتمائها إلى أسرتين والى ثقافتين وإلى نمطين من التفكير والتصرف انقساما عاطفيا ونفسيا حادا أثر على حياتها ومصيرها وانتهى بها مطلقة مع طفلة مصابة بالتوحد عليها مسؤولية العناية بها وتجاوز عاهتها، وإنما هي مواجهة تدور في الخارج، و”عبد الحليم” سامع لها وشاهد عليها وفاعل من خلالها. فـهو يتذكر أفعال “شهرزاد” وأقوالها ويسمع نقاشات “منار” ويتكون نفسيا وفكريا وعمليا وسلوكيا من خلال ذلك الخليط وتلك المواجهة بين نوعين من المرويات شكلت المواجهة بينهما صراعا خفيا أنتج شخصية متميعة وغير قادرة على التعامل مع العيوب المجتمعية أو العيوب السياسية مما أدى إلى زيادة تراجع الحال العراقي وصولا إلى انهياره. وعندها لم تجد تلك الشخصية أو الثقافة إلا الهجرة حلا، كما حصل مع “عبد الحليم” الذي اختار هجر العراق تاركا مكانه في العمل لموظف جديد إسلامي الهيئة والسلوك يتحرج من مصافحة يد “منار” الممدودة إليه في أول يوم عمل له في الدائرة وفي القسم والغرفة التي تعمل فيها منار(39).
وتنطوي جميع المرويات في “حفيد الـ(بي بي سي)” على اختلاف وتباعد الشخصيات التي تنتسب إليها، على بعد كلامي، ولكنه إما ذو مرجعيات فعلية “شهرزاد” أو مرجعيات كلامية في حالة “منار”.
و”شهرزاد” وهي تغري بعقد مقارنة من نوع ما مع “شهرزاد” ألف ليلة وليلة لا تختلف عن الأخيرة في أنها تقيم عالمها التخييلي واسع التأثير على الذكر أولا وعلى العالم ثانيا من خلال الحكايات التي تبتعد عن أصلها بمقدار يزيد وبمقدار تصحبه المبالغة ولكنها لا تلغي صلتها به تماما لكي لا تدخل في خانة المستكره والمنبوذ من الجمهور.
ومثلها “شهرزاد” الـ(بي بي سي) في أنها تقيم عالمها التخييلي الذي يؤثر على “عبد الحليم” وحياته وخياره اللاحق الذي يظهر في آخر الرواية والمتمثل بالهجرة وترك العراق بعد احتلال بغداد.. تقيمه على مجموعة من الحكايات والأوصاف والحكم والأخبار التي تسمعها من الـ(بي بي سي) الإذاعة التي تحب وترتبط بها عاطفيا. وتتصل أخبارها، أي الإذاعة، بالملكة اليزابيث الثانية التي تحبها شهرزاد وتقلدها وتتابع ما يصدر عنها في تقارير الإذاعة من طريقة الأكل واللبس والحياة والتصرف، كما تتصل بالأحداث الكبرى والمصيرية التي مرت بها الأمة العربية في صراعها مع الغرب ومع إسرائيل في الأعوام 1948 و1967 و1973 وفي تقلباتها أو انقلاباتها الداخلية بين الأنظمة الحاكمة.
ويؤشر هذا التوزع في العاطفة بين الأنموذج الغربي وما ينطوي عليه من إعجاب بموقع المرأة فيه وبين الانتماء للقضايا العربية روحيا وعاطفيا والتفاعل معها وعبر قناة توصيل واحدة هي الـ(بي بي سي)، يؤشر في الظاهر إلى تمزق في الهوية لدى “شهرزاد” ليس جديدا فهو يعود إلى أمها “شمسة” التي أعجبت بالمصباح الكهربائي، في الوقت الذي كان فيه جدها المهوال محمود يثور ويهزج ضد الإنكليز الطوب أحسن لو مكواري، وأعجبت وباخترعات المحتلين الإنكليز الجديدة، وكادت أن تسمي مولودتها الجديدة مصباحا لولا تدخل زوجها صبيح(40).
واتسع هذا التمزق لدى “شهرزاد” التي تركت أصولها الجنوبية الريفية التقليدية، فهي من الناصرية جنوب العراق، لتعيش مع زوجها الكركوكلي قارئ المقام ولتشاهد تمازجا كبيرا بين أديان ومذاهب وقوميات وحضارات وتطلع عليه في كركوك ثم تعايشه أكثر في بغداد حيث ظلت سمة التنوع والتعدد والتأثر والتأثير والتبادل الثقافي والحضاري هي السائدة في خمسينيات وستينيات القرن السابق.
و”شهرزاد” تعلق قلبها بسوق شارع النهر وكان ملاصقا لأقدم سوق للكتب أيام العباسيين، وهو سوق السراي الذي يغص بالمطابع والمكتبات. و”شهرزاد” تصل إلى هناك من منطقة المصبغة المجاورة لسوق الخفافين إلى مقهى الشط المزين بالزخارف البغدادية الجميلة… هناك كان زوجها ممتاز يغني برفقة قارئ المقام اليهودي يوسف حورش ونخبة من الموسيقيين كصالح الكويتي ويوسف بتو وعزوري وجميعم من اليهود. كان الجمهور يقبل على سماع قرّاء المقام أحمد زيدان ورشيد القندرجي الذي كان عندما يغني في الرصافة يسمع صوته في الضفة الأخرى من نهر دجلة المحتشد بقوارب الصيادين والقفف والمهيلات والأكلاك وهي تنقل الخضروات والفواكه من ضفة الرصافة إلى ضفة الكرخ. لا تزال شهرزاد تكشف لأحفادها روعة الرحلة التي اكتشفت فيها جمال بغداد يوم شرائها لنيشان زواجها فرأت لأول مرة في حياتها المكوى والجامخانة والمكتبة وسمعت بالسيفون والسينما والبندق والفستق والدوندرمة ومكتبة مكنزي الإنكليزية المشهورة في بغداد والخياط البيروتي الشهير علي رضا الذي سيخيط لهم بدلة العرس وسنترال السينما ومباني الخياطين والمصورين والصرافين ومسارح اليهود وملاهي الارتيستات والكاولية ودكاكين الأرمن الذين يبيعون البسطرمة والكيك والدوندرمة والمكسرات. واستنتجت من تلك الزيارة الشارع الرشيد أن عالم الجمال والمأكولات اللذيذة في بغداد يصنعه اليهود والصابئة والمسيحيون والأرمن. وان عالم الفنون تصنعه شركة بيضافون لإنتاج الاسطوانات التي تسجل الاسطوانات لأشهر مطربات ومطربي العراق كسليمة مراد ونرجس وزكية جورج ومنيرة الهوزوز وزهور حسن ومحمد القبنجي وحضيري أبو عزيز وغيرهم(41).
و”شهرزاد” أيضا مغرمة بالملكة البرطانية اليزابيث الثانية تتابع أخبارها وتحاول أن تقلدها. فهي تبدأ برنامجها الصباحي كما تبدأ الملكة بفنجان من الشاي وكوب من الحليب الطازج ثم تستمع إلى برنامج سياسي صباحي على الـ(بي بي سي). وتروي “شهرزاد” لصويحباتها ما تقوم به الملكة من الجلوس أمام أحد الرسامين لرسم لوحة زيتية جديدة لها أو مشاهدة التلفزيون(42).
وفي المقابل كانت “شهرزاد” متابعة للأخبار السياسية، ولما يقع للعرب من حوادث تاريخية كبرى. هي رأت أكثر العراق وتعلقت به وعرفت قيمة تنوعه وشهدت أحداثه وخرابيط قادته وخطاباتهم المضحكة التي لا رابط بينها. فهل تصدق، تقول “شهرزاد” لحفيدها “عبد الحليم”، أن عبد السلام في إحدى خطبه في معسكر رانية أمام حشد من الضباط والجنود قال ضاحكا: شاحجي البامية انكلبت شيخ محشي. وأقسم مرة ثانية أمام حشد من الجنود في معسكر الحبانية. وقال لهم: أقسم بالله لو بيدي سأزوجكم جميعا(43).
وهي تتذكر موت عبد السلام بسقوط طائرته به بسبب خطاب طويل استرسل فيه بينما كان في زيارة للبصرة(44).
وتتحدث عن الانقلابات التي كانت سهلة أيام زمان أسهل من التقاط صورة فوتوغرافية، كما يقول عبد السلام عارف لمصور الملوك والرؤساء جاك الأرمني الذي طالبه ((بالابتسام واتخاذ البوزات اللازمة لالتقاط الصورة. فضج عارف وقال أخيرا إن القيام بانقلاب عسكري أسهل عليه من التقاط صورة فوتوغرافية))(45).
“شهرزاد” أسمت أحفادها بحسب المناسبات العربية التي كانت تسمع بوقوعها عبر الإذاعة وتتفاعل معها وتنفعل بها(46). إلى درجة أنها قد تتسبب في انهيارها أخيرا وموتها ((مهزومة بالقهر بعد شهور من نهاية (أم الحواسم).. أصابتها الجلطة القلبية بعد دقائق من خاتمة ندوة أقامتها الـ(بي بي سي) مع مجموعة من النقاد التشكيليين عن جماليات العلم العراقي الجديد الذي تحولت ألوانه الزاهية من الحمراء والخضراء والسوداء إلى بيضاء باهتة يقطعها خطان زرقاوان كـ… الخطين اللذين يقطعان العلم الاسرائيلي))(47).
هل يأتي موت “شهرزاد” بسبب قناعتها بالسرديتين المختلفتين والمتنافستين معا وإيمانهما بهما. فهي تجمع بين الأصول الريفية المحافظة جدا والتنوع الحضاري والثقافي العراقي. وهي تتابع الملكة وتحبها في الوقت الذي تروي أبشع النكت الجنسية لصاحباتها وتحفظ كما من الأمثال الشعبية.. الأمور التي تجعلها في عين “عبد الحليم” الذي تمر سريات “شهرزاد” من خلاله متقلبة متغيرة الآراء تبدل رأيها بالسهولة التي تبدل فيها وضعيتها أثناء النوم(48).
ولكن هذا ما يبدو لـ”عبد الحليم”، أما الحقيقة فإن “شهرزاد” تميّز بحكم تكوينها النفسي والعاطفي والعقلي بين الانتماء إلى الاصول متمثلة في امتدادها الشعبي وفي ما يمثل ذلك الامتداد من أمثال وحكايات شعبية ونكت وبين انتمائها للثقافة العراقية التي تتسع لتشكل مزيجا من المؤثرات والأديان والقوميات وبين انتمائها الإنساني إلى كل ما هو جميل وحضاري وراق.
وإذا كان من تمزق أو من إحساس بالتناقض فذلك ما يفترضه الوعي أو المبئر أو الذي تمر عبره مرويات “شهرزاد” وهو عبد الحليم وإلا فـ”شهرزاد” لا تجد تناقضا في قولها أو في وصفها أو في سلوكها خاصة ذلك الذي يظهر فيه موقفها من الجنود المحتلين لبغداد. فهي تفتخر بقصتها مع الجنود الأمريكان وترويها مرات ومرات لأولادها بل حتى لكناس الشوارع. أخبرتهم أنها حملت الزجاج الذي تكسر بتأثير القصف في كيس أسود إلى خارج البيت ((وفي اللحظة نفسها مرت دبابة أمريكية ونزل منها المارينز ثم انبطحوا على الأرض كالكلاب المحترة. وقال لها المترجم: ماذا تفعلين؟ قالت له: أنظف البيت من شظايا الزجاج. فصاح بها هيا ادخلي إلى البيت. فرمت الكيس عليهم وجرحت اثنين منهم.. هجم الجنود عليها وصاحوا إرهابية. ولكنها ضحكت منهم بفمها الخالي من جسور الأسنان))(49).
لا يفهم “عبد الحليم” أكثر تصرفات “شهرزاد” وإن كان ينتمي إلى مروياتها ويعجب بها. فلماذا لا تحب شهرزاد وحش الشاشة وتحب شريرها محمود المليجي. ولماذا تتابع الأفلام المصرية لا من أجل الأبطال ولكن من أجل الشخصيات الثانوية كالنابلسي وأحمد رمزي(50).
هذا لأنها تنظر إلى أن أي جانب من جوانب الحياة لا يقوم من دون الثاني. فلا يمكن أن تكون للقوة الخيرة من معنى دون الشر ولا للأساسي من دور دون مساعد ولا للهوية المثالية، هذا أن وجدت، دون الثقافة المتصلة ببيئات وأناس مختلفين يشعرونك بأهمية ما عندك ويكونون مزيجا جديدا قويا وجميلا من الأصلي والجديد ولا معنى للذات من دون الآخر. بل على حد وصف “شهرزاد” نفسها حتى العدو يفيدني لأني أتعلم منه شيئا واحدا مفيدا(51).
المشكلة ذاتها تتكرر مع “منار”، أعني تشويش المرويات التي تمر عبر وعي الشخصية الرئيسية في الرواية أي تشويش مرويات “منار” هذه المرة سواء بوسمها بكلمة تفلسف في الغالب أو بوصف ما تقدمه من معلومات تنسبها إلى كتّاب ومفكرين وفلاسفة كسارتر وفرويد وماركس بأنها أشبه بعملية رمي قشور الموز للآخرين، فهي -كما يقول عبد الحليم- تختار كل يوم كتاب لتتفلسف به. وهي تتفلسف حول الهامش والمركز وحول نعوم جومسكي والقدرة اللغوية والكفاءة اللغوية(52) وهي تنظر إلى ما يجري نظرة عامة شعرية فتقول، عما خبرته من خلال تجربتها في إحدى الدول العربية واضطرارها إلى الحصول على العمل، إننا نعيش في عصر رق أسوأ مما كان في الجاهلية، لأنها رأت في دائرة فحص الدم في بلد عربي عددا كبيرا من العبيد المشترين بأبخس الأثمان من الهند والباكستان وأندنوسيا(53).
و”منار” من خلال وعي “عبد الحليم”، رغم أنه ينجذب إليها جنسيا لما تتمتع من معالم أنثوية طاغية، ليست سوى امرأة معطوبة اللفظ تستبدل الراء بالغين ومعطوبة التفكير، فهي شيوعية معادية للثورة محرضة على التمرد لا تقدر حجم مسؤولية “عبد الحليم” الرقابية ودوره في الوقوف بوجه الفساد الفكري الذي يمكن أن تنشره النصوص المسمومة.
ولكن كل ذلك لم يمنع “عبد الحليم” من الاستفادة من تلك السرديتين المختلفتين العملية التي تعود لشهرزاد والكلامية أو الفكرية التي تعود لمنار، ولكنها استفادة خارجية وغير واعية وتأتي من شعور بتفوق ما عليهن. فهن في نظره ليستا سوى وجهين لعملة وحدة واحدة. عجوز كانت صبية، وعانس ستكبر إلى عجوز(54).
ولذا تسبب له تلك الاستعادة غير المفهومة لخبرات الجدة ولمعلومات “منار” في تقرير يكتبه عن مسرحية اسمها “الزعيم آخر من يعلم” بعد إجازتها، بالسجن والفصل من العمل إذ يتصادف عرض المسرحية التي تتضمن مشهدا لمحاولة اغتيال الرئيس مع محاولة تنفذ في الواقع لاغتيال الرئيس، وتنتهي به، أي اجازة المسرحية وما ترتب عليها، مهاجرا.
رواية الشخصيات: الانتظار والمقاومة بالسرد
ما ضرورة مرويات الشخصيات للرواية العراقية بعد التغيير؟ لنتخيل مجموعة من الأمور من بينها توقف الإنسان عن الفعل وعجزه عن المقاومة به. فهي أي المقاومة، وإن حصلت ليست سوى عبث بيّن، وإذا ما غاب الفعل عن السرد تحوّل السرد إلى وسائل أخرى لسد ذلك الغياب الذي يصعب سده من دون أن يتسبب ذلك بمشاكل مع القارئ ومع الناقد ومع المؤلف في الكتابة الروائية.
من تلك الوسائل، وأنا هنا اخصص حديثي بميسلون هادي، فضلا عن اللجوء إلى مرويات الشخصية الذي سأعود إليه لاحقا مرة أخرى،
اولا: التضمين، الذي يغطي مساحات لا بأس بها من المتن الروائي ويقدم للقارئ معلومات مختلفة تاريخية وثقافية. هذا إذا كان غير حكائي أما اذا كان حكائيا فهو كثيرا ما يتصل بوضع الشخصية.
ومن الأول، أي التضمين غير الحكائي، الحديث عن التأثير المتبادل بين القمر والجسم البشري فريم تقول لفادية في هذا السياق ((إن اليوم السابق كان يوم الانقلاب الخريفي من السنة حيث يكون طولا النهار والليل متساويين وتكون كمية الطاقة التي تحصل عليها الأرض قيمة وسطى تقع بين يوم 21/6، وهو يوم الانقلاب الصيفي، أطول يوم مضيء في السنة، ويوم 21/12 وهو يوم الانقلاب الشتوي، أقصر نهار مضيء في السنة.. وقالت إن تلك القيمة الوسطى التي تقع بين الاثنين هي الأمثل لحياة البشر. وهذا التغيّر في التأين ينعكس إيجابا على نشاط الجسم البشري))(55). ومن التضمين غير الحكائي ما ينقل من معلومات تاريخية إلى المتن الروائي كتلك المعلومات عن ((اسم بغداد التي وصل إلينا ذكرها من عهد حمورابي، الملك العظيم سادس ملوك بابل الأولى صاحب المسلة الشهيرة باسمه التي وضعت في بابل على شكل عمود أسود منقوشة عليه صورة الملك حمورابي وهو يستمع إلى إله الشمس وتحته كاتب يسجل القوانين)) (56).
أما من الثاني، أو التضمين الحكائي، فما يرد من الحكايات التي تُضمن في آخر رواية “نبوءة فرعون” التي تدور حول ضعف الإنسان أمام القدر وقلة حيلته كما في حكاية الملك الأب وأبنائه الثلاثة والأسد. فلما التهم الأسد اثنين من أبناء الملك قام بوضع الثالث في قصر حصين لا يصله حيوان أو إنسان، ((ليحميه من الموت لحين يرث العرش من أبيه. وذات يوم حمل نسر رجلا عارفا ورماه إلى مكان الأمير الشاب، بعد التحية والسلام طلب الشاب من العارف أن يصف له الأسد الذي قتل أخويه لأنه لم ير أسدا مطلقا في حياته… فأخذ العارف طينة من طين الأرض وعجنها بين يديه، ثم صنع منها حيوانا على هيئة أسد… وما هي إلا لحظات حتى دبت الروح في التمثال وغدا أسدا حقيقيا زأر وهاج، ثم هجم على الأمير فافترسه في الحال. حينها ترك العارف القصر وولى هاربا، وقد آمن بالقدر وأدرك أن المقدر كائن لا يمحي))(57). وذلك يأتي في سياق حديث أحد المارة إلى “بلقيس” التي تترقب عودة ابنها المفقود “يحيا” عند النهر.
ثانيا: يضاف إلى التضمين اعتماد التبئير الخارجي في نقل تفاصيل المشهد وتحويلها إلى فواعل لا تختلف عن الشخصية في شيء على الأقل من حيث خضوعها بطريقة معينة لقوى لا يمكن السيطرة عليها او فهمها أحيانا. وذلك يعوض عن تراخي الفعل ويزيد من حساسية القارئ للعالم الخارجي فيجعله شأنه شأن الشخصية ممن يؤثرون في العالم تأثيرا بطيئا من خلال المقاومة الصامتة التي تعتمد على تفعيل الحساسية بكل مكونات العالم السردي لتكون بديلا عن توقف الفعل وما يصاحبه من إحساس بالعجز لدى الشخصية.
ففي العيون السود تجتمع “يمامة” مع “مثنى” في غرفة واحده فقد جاء ليعودها وليبدي لها حبه الذي تشعر تجاهه بالحيرة فليس له من “حازم” الذي كانت تحبه واختفى مهاجرا من العراق إلا العيون السود. أما الجوهر فنقيض “حازم” لان “مثنى” ابن التسعينيات وابن الحصار وابن السوق. ولكنها تتشبث بأي أثر من حازم حتى وإن كان العيون السود فقط. فماذا تفعل هل ترفضه أم هل تحبه؟ إنها سطوة الأفكار والهواجس والمشاعر على الشخصية التي تعجزها عن الفعل. وهنا ينتقل السرد إلى وصف الحديقة وحركة القط بالقول: ((نوافذ الغرفة كانت مفتوحة على زقزقة العصافير وقت الغروب، وثمة قطة شهباء، كانت تسير على حافة الجدار الذي يفصل بيتها عن بيته من جهة الخلف. كان ينظر إليها بصمت.. هكذا أحست يمامة، بالرغم من أنها لم تكن تنظر إليه، وإنما إلى القطة الجائعة التي كانت ترفع رأسها في الهواء وتتشمم باحثة عن حشرة تأكلها))(58).
وقريب من ذلك في “الحدود البرية” فبيان التي تنتظر خالد ابن عمها وخطيبها المفقود في حرب ايران وترفض خالد ابن الجيران والطبيب الذي عرض عليها الحب فتضطره للهجرة لا تجد ما تفعله غير المراجعة والتذكر والتأمل ولا يجد السرد غير الوصف والتقاط كل كائن من كائنات الحياة خاصة ذلك الذي لا يخلو فعله أو حركته من دلالة على مستوى الرواية: ((حطت نحلة فوق كتيبة النافذة من الخارج.. وعلى حافتها السفلى كان ثمة عنكبوت يحاول اصطياد نملة غافلة.. وعضاءة رابضة على الجدار تنتظر حاصل هذه الوليمة لتلتهمه..))(59).
ثالثا: تضعيف الواقع وزحزحته وفتح ثغرات فيه تمهيدا لاحتمال تغييره أو قهره بواقع جديد تعود للذات وللشخصية فيه قدرتها على الفعل وذلك من خلال الحلم وفسح المجال للغريب.
والحلم يكون في صورة اقتراحات لتكميل الرواية وتوجيهها أكثر من وجهة. كما في حلم “خالد” في رواية “الحدود البرية” بـ”بيان” في نهاية الرواية في وضعيتين مختلفتين الأولى تأتي إليه فيها إلى البيت وتبدو جميلة وممتلئة وحيوية فيتبادل معها العناق. والثانية يذهب هو إلى بيتها ليجدها وقد شاخت وهزلت فتسأله عن البيت قائلة له هل حقا عدت من أمريكا لتبيعه وتطلب منه أن يقف إلى جانبها عند إخوته لتشتريه هي(60)، وفي الحالتين لا يشعر القارئ أنه أمام حلم إلا بعد أن ينتهي الحلم. وإلا فخالد العائد لأيام من أمريكا لا يجرؤ أن يكلم بيان أو ينظر في عينيها أو يتصل بها وتنتهي الرواية ولا يفعل.
أما تسلل الغريب، المحسوب والمفاجئ، في ثنايا السرد فهو ما ظهر في رواية “نبوءة فرعون” كثيرا، وهي رواية تتناص مع قصة موسى وفرعون في أكثر من جانب إذ يبدو “يحيا” ابن “بلقيس” زوجة “منصور” الثالثة أقرب إلى موسى، وهو يعاني من عقدة في لسانه تزول بعد أن يبلغ الثامنة وتتكشف معها مواهبه العقلية والنفسية الخارقة، فهو يرى ما لا يراه غيره ويسمع ما لا يسمعه غيره ويحدس الشيء قبل أن يقع ويمتلك حافظة هائلة. وكل تلك الأمور ترشحه ليكون نابغة في المستقبل وتنمي الأمل في نفس الأم التي فقدت زوجها في حرب الخليج الثانية بعد ولادة الابن بيوم. ولكن ما يحصل هو أن الابن يضيع بطريقة غريبة في إحدى ليالي حرب الألفين وثلاثة من دون أن يعلم به أحد أو يراه غير اخته نصف المنغولية ونصف المجنونة “شاكرين” التي تقول إنها رأته يسير وراء حية(61) والحية كانت قد قتلتها الأم في ذلك الصباح بعد أن وجدها “يحيا” تحت السجادة في غرفتهم. بطريقة ما تحيل الحية إلى حية موسى، ولكنها هنا خلافا لها في قصة موسى مع فرعون لا تقدم ليحيا سوى الضياع لتنهي حلم الأم بتغيير واقعها في إشارة إلى غلبة فرعون وضعف أي أمل في مواجهته.
وأمام ذلك يلجأ السرد إلى إضعاف تلك الحقيقة التي يؤكدها الوقائع والحقائق المسرودة من خلال الحوادث الغريبة كحادثة عودة جارهم أبي ملائكة قبل يوم من عودة أسرته بعد نهاية حرب 2003 من أحد الأرياف التي لجأووا إليها خوفا من القصف، وطلبه منهم أن يتخذ سطحهم وسيلة لبلوغ سطح بيته لكسر زجاج بابه وفتحه من الداخل. وهو ما حصل يتضمنه سؤال أبي ملائكة لـ”بلقيس” عن “يحيا” وأسفه لضياعه. وحين تعود الأسرة كلها في اليوم الثاني وتخبر “بلقيس” “ملائكة” بحادثة أبيها أمس تقول: نعم.. المفتاح عندي ولكن أبي لا يمكن أن يكون قد جاءكم أمس لأنه مات قبل أربعين يوما تقريبا فتصر بلقيس على أنها رأته وحدثته، وليست وحدها بل معها شاكرين التي أكدت أنها رأت الرجل بدورها(62).
والواقعة التي تضعف من حدة الواقعي بغرابتها لا تتشدد بدورها في واقعيتها كما لا تنفيها أي انها تتأرجح بين بين. ففي الواقع ما يؤكدها لأنهم حين ذهبوا إلى السطح وجدوا بابه مفتوحا فعلا. وفيها ما يضعفها فبلقيس كانت انتبهت ليد جارها، وهو يتشبث بالسياج الفاصل بين السطحين ليقف فوجدت أصابعها كاملة غير منقوصة فاستغربت عودة الإصبع الخامس الصغير المبتور إلى مكانه ولكن من دون أن تسأله عن كيفية حصول ذلك(63).
وتلك الطرق السردية تأتي في سياق الروايات التي تخلو من المرويات، ويمكن أن تسمى روايات الانتظار والتسليم بالواقع وبالهزيمة كنبوءة فرعون والعيون السود وحلم وردي فاتح اللون. وهذه الروايات لا تقدم غير صورة للواقع بمرارته وانكساره وتحوله من وضع أقل سوء إلى وضع أسوء. ففي “حلم وردي فاتح اللون” تبين الرواية ما أصاب الهوية العراقية من شروخ بعد الاحتلال في 2003 وكيف أدى ذلك إلى اندحار الشخصية عامة وليست النسوية وحسب. فـ”ياسر” الفتى الذي اتهمه الأمريكان بسبب تحمسه لوطنه بالتطرف وأودعوه السجن لا يختلف عن “فادية” التي تقضي أيامها في الانتظار. ولكن ميزة الأنثى في روايات ميسلون غالبا هي المراقبة، ومن ثمّ المقاومة من خلال السرد.
مرويات الشخصية: بين الحل والموقف
تقوم الرواية في النوع الثاني من روايات ميسلون التي تعتمد على مرويات الهوية وهما بوضوح شديد روايتا “زينب وماري وياسمين” و”حفيد الـ(بي بي سي)”، على المرويات التي تمر من خلال شخصية رئيسية هي “ياسمين” في الأولى و”عبد الحليم” في الثانية. وبعيدا عن الموقف النسوي من الذكر، فإن الروايتين قدمتا تصورا غير مباشر ومن خلال المرويات للحالة العراقية الراهنة وما يشهده العراق من تصدع في الهوية الكبرى بسبب تنازع الهويات الصغرى كما قدمتا في الأولى حلا لذلك الصراع وفي الثانية رؤية انتقادية لما تمخض عن ذلك الصراع وما كان سببا في استعاره.
ففي الحالة الاولى كان على ياسمين أن تستفيد من مرويات الفعل”ماري” ومرويات القول “زينب” لتكون هي ذاتها وتحدد موقفها مما يواجهها من تحديات ومشكلات من دون أن تنتمي إلى سردية بعينها، أي لا إلى الفعل فتنتهي بهجرة العراق واليأس من إصلاحه، ولا إلى القول فتنتهي إلى العجز عن المواجهة والانكفاء على الذات لتلاقي مصير “زينب”. وفي الحالتين فلا يخدم الوضع الراهن التزام أحد الموقفين في شيء.
وفي “حفيد الـ(بي بي سي)” تمر مرويات الشخصيتين الفعلية “شهرزاد” والكلامية “منار” عبر “عبد الحليم” فيقوم بالتشكيك فيها ونقدها ونقد أصحابها والتدليل بطريقة ما على خطئها فهو حين يعتمد عليها ينتهي إلى السجن، ولكن حين يقوم بتمحيصها والتفريق بينها وتبني ما يناسب غاياته ينتهي إلى الخلاص من جحيم البلد والهجرة إلى بريطانيا بعد حرب عام 2003 ليقول في لقاء مع صحيفة بريطانية إنه امتداد للجانب البريطاني (الاستعماري) من الهوية المتمثل بغرام جدته شهرزاد بالملكة اليزابيث وتقليدها لها(64) وغرامها بالـ(بي بي سي) البريطانية واستلامها العالم كله من خلالها.
وعجز “عبد الحليم” عن فهم مرويات الهوية العراقية ووعيها والانتماء إليها هو ما جعله في الحقبة السابقة عبدا للنظام الجاهل وسوطا بيده ورقيبا لديه. وهو ما يجعله في حقبة الاحتلال يختار النجاة بنفسه على المقاومة ومواجهة الخراب ويترك مكانه للتطرف الديني فمن يأتي إلى الدائرة مكانه إسلامي يرفض حتى مصافحة منار. وبذلك يكون هذا النوع من التعامل مع سرديات الهوية مسؤولا مسؤولية أخلاقية عما يحدث للعراق وللثقافة العراقية.
هوامش
تميل ميسلون هادي الروائية العراقية الى الاهتمام بالشخصية ومتابعة عوالمها الداخلية وأفكارها وما ترى وما تأمل إلى درجة يصح أن يقال معها إن رواياتها روايات الشخصية في أحلامها المؤجلة وآمالها المستحيلة التحقق وفي يأسها الآمِل. ويبقى الفرق اننا نستطيع أن نقسم أعمالها على قسمين كبيرين أولهما روايات الشخصية وثانيهما روايات “مرويات الشخصية”. والثانية تعد تطورا فنيا قياسا بالأولى أو لعلها جاءت لتعبّر عن مشكلات المجتمع العراقي والإنسان العراقي الراهن فيما يتعلق بصراع الهوية وتأثيرها على وجوده. وفي المجموعة الأولى من الروايات يتابع السرد علم الشخصية الداخلي وما يحصل لها كما هو الحال بالنسبة لبلقيس في “نبوءة فرعون، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2007” وهي تعيش فقدان زوجها في حرب الخليج الثانية ثم فقدان ابنها الوحيد “يحيا” في حرب سقوط النظام في العام 2003. وكما هو الحال بالنسبة لفادية وختام في “حلم وردي فاتح اللون، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2009” وهما تعيشان ظروف بغداد بعد الاحتلال، والأولى تعيش على ذكريات المدينة “بغداد” التي لم تعد موجودة إلا في خيالها والثانية تنتظر أن يطلق الامريكان سراح “ياسر” فيما يبدو حبا ملتبسا للفتى المتشدد في مواقفه الدينية. ومثل هاتين الروايتين “الحدود البرية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2004” وفيها تنتظر الشخصية الرئيسية ابن عمها وخطيبها خالد الذي أُسر في حرب الثمانينيات وتقمع مشاعرها تجاه خالد الذي يحبها فتضطره إلى الهجرة لتظل هي منتظرة. وفي “العيون السود، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط2/2011” تنتظر الشخصيتان حبيبيهما جمال الأسير وحازم المهاجر، ولكن دون جدوى فكل انتظار مصيره الفشل كما يبدو من نهايات الروايات السابقة، التي تبدو بدورها، كأنها تسجل حالة إنسانية متشابهة بطرق مختلفة أو بقصص مختلفة وبأسماء مختلفة، والحالة هي حالة الإنسان العراقي الذي عصرته الحروب والويلات المتواصلة طيلة عقود. أما النوع الثاني من الروايات التي تقوم لا على الشخصية مباشرة وإنما على ما يروى عن الشخصية أو على مروياتها فهي الرواية موضوع هذا البحث ورواية “حفيد البي بي سي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2011″، وكلاهما تناقش مشكلة الهوية في العراق وتكاد تقترح حلا لها من خلال السرد والحكاية.
سرد الضحايا، حكايات الشخصيات التي تأتي على لسانها أو لسان غيرها من الشخصيات في الرواية وتعبر عن الظلم الذي تعرضت له وتبرر عجزها عن المقاومة والتأثير والتغيير، وعلى مستوى أبعد من الرواية وفي العام الحقيقي فان الرواية ككل توظف لتكون جزءا من سرد الضحايا فهي تبرر للكاتب موقفه من الأحداث التاريخية التي يمر بها بلده.
استفتاء حول حاضر ومستقبل الرواية العراقية، الأقلام، العدد 5، س2، شباط 1977، ص 69.
السابق، خضير عبد الأمير، 71.
يُنظر: سؤال الرواية في العراق “استفتاء”، مجلة الأقلام، س28، ع7-8، تموز-آب-1993.
ينظر: نزعة الحداثة في القصة العراقية، الدكتور محسن جاسم الموسوي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، طبع دار آفاق عربية، ص20 ينقل المؤلف عن سليم التكريتي في مقال له في مجلة الآداب يربط فيه بين الصحافة وسيادة الواقعية في القصة العراقية في الثلاثينيات وأثرها على أسلوب القصة.
ينظر حول بعض قصاصي المرحلة في المراجع المذكورين فيها مثل :
يوسف متي: نشأة القصة وتطورها في العراق 1908-1939، د. عبد الإله أحمد، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد،2001، ص123.
شالوم درويش: السابق، 129
أنور شاؤول: السابق، 225.
ذو النون أيوب السابق، 111 و 248 57 و القصة القصيرة الحديثة في العراق، دكتور عمر محمد الطالب، منشورات جامعة الموصل، 1979، 101.
ينظر: معالم جديدة في أدبنا المعاصر، فاضل ثامر، منشورات وزارة الإعلام، الجمهورية العراقية، 1975، ص9.
ينظر: عن تحول التكرلي ونوري إلى الواقعية الذاتية والذهنية كتاب: الأدب القصصي في العراق منذ الحرب العالمية الثانية، د.عبد الإله أحمد، منشورات وزارة الإعلام-الجمهورية العراقية، 1977، 2/321.
ينظر السيد حول أن قصة التكرلي يمكن أن يقرأها الأجنبي فلا يستغربها لغياب المحلية في القصص العراقي المعاصر، الدكتور علي جواد الطاهر، منشورات المكتبة العصرية، بيروت، ص21.
قصص محمد خضير كلها تقريبا خير مثال على هذا التوجه. ينظر مثلا: في درجة 45 مئوي، محمد خضير، وزارة الثقافة والإعلام بغداد، سلسلة القصة، 1978.
ينظر حول طروحات البنيوية العامة: دليل الناقد الأدبي، د.ميجان الرويل ود.سعد البازعي، المركز الثقافي العربي، ط3/2002، ص67-76.
كانت الدراسات السردية تنظر الى الشخصية بوصفها عنصرا من عناصر المروي يمكن دراسته على انه رمز كما في كثير من الدراسات التي تناولت شخصيات نجيب محفوظ فنظرت الى كل واحدة منها على أنها تمثل جانبا من جوانب الحياة والمجتمع، أو يمكن دراستها أي الشخصية على أنها دال أو كائن ورقي أو مدلول محدد الدور في القصة ولسرد لا يختلف إلا اسمه أو مظهره كما تفعل البنيوية بشقيها السردية والسيميائية، التي تجرد الشخصية من أي بعد ثقافي وتنفي عنها أي تداخل في الموقع أو الدلالة داخل السرد. ينظر للتثبت من هذا الكلام: بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي، د. حميد لحمداني، المركز الثقافي العربي، ط3/2000. وسيميائيات آيديولوجية، د.حبيبة الصافي، محاكاة للدراسات والنشر والتوزيع، سورية-دمشق، 2011. والشخصية والقول والحكي في لعبة النسيان لمحمد برادة “دراسة نصية”، محمد معتصم، مطبعة الإتحاد الأخوي، 1995.
ينظر: مقاربات حوارية، معجب الزهراني، الانتشار العربي، بيروت-لبنان، ط1/2012، ص109. يشير الباحث إلى تمايزات خاصة بالتجربة الروائية الخليجية تعود إلى طبيعة المجتمع التقليدي الذي تنتمي إليه الرواية. وهو يرى أنها تؤثر تأثيرا جزئيا أقرب إلى التنويع الأسلوبي على الرواية ولا تجعلها مغايرة كليا للرواية المكتوبة في الوطن العربي عامة وفي نمط روائي كرواية السيرة التي يناقشها الزهراني في هذا الفصل من كتابه.
ينظر: حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية، د.عبد الله الغذامي، المركز الثقافي العربي، 2004. وفيه توصيف كامل لما مر ذكرته في هذه الفقرة مختصرا.
ينظر السرد النسوي، الثقافة الأبوية، الهوية الأنثوية، والجسد، د.عبد الله إبراهيم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2011. حول خصائص السرد النسوي الحديث عامة. وينظر: مقاربات حوارية (مذكور)، 76 وما بعدها، حول الرواية النسوية الخليجية تحديدا.
يمكن، لتبين الخصائص العامة التي اشرت إليها، متابعة أعمال: جاهلية، ليلى الجهني، دار الآداب، بيروت، 2008. هل أتاك حديثي؟، زينب حفني، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2012.
هناك كتابات نسوية كثيرة تشير إلى أن الكاتبة تدافع عن قضايا عامة ثقافية مثل كتابات نوال السعداوي الروائية وهي أقرب إلى المباشرة في طروحاتها.
وردت كلمة السرديات الكبرى، وهي غير سرديات أو مرويات الشخصية كما يعمل في إطارها البحث وكما تأتي في الرواية، وهي أقرب إلى ما يسميه ليوتار السرديات الصغرى في مواجهة الكبرى. فإذا كانت الأخيرة الأفكار العامة التي تلغي التمايزات أو تحاول إذابتها في كيان فكرى يفترض بنفسه الصحة والشمول والتوافق والحق في السيادة كالسرديات التي تقول بأحقية العقل الغربي في تعليم العالم وفرض قيمه عليه، فإن السرديات الصغرى هي خصائص ومميزات الأنواع الثقافية الأخرى والجنس الآخر واللون الآخر الذي أُريد له أن يخضع لعنصر ولجنس وللون بعينه. وتركز ما بعد الحداثة على إطلاق هذه السرديات وإفساح المجال لها للتعبير عن نفسها ثقافيا وفكريا وسرديا في محاولة لمواجهة الهيمنة والتسلط الذي كان يمارس عليها مسبقا. للتفصيل ينظر: الوضع ما بعد الحداثي، جان فراسوا ليوتار، ترجمة أحمد حسان، دار شرقيات، القاهرة، 1994. و ليوتار وفلسفة ما بعد الحداثة، د.معن الطائي وأماني ابو رحمة، منشورة على موقع شهريار الالكتروني بتاريخ 9/11/2011.
ينظر: زينب وماري وياسمين (رواية)، ميسلون هادي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2012.
ينظر: السابق، 15.
ينظر: السابق، 44.
السابق، 133.
السابق، 15.
السابق، 61.
السابق، 44، 132.
السابق، 24، 131.
السابق، 44.
السبق، 36.
السابق، 92.
السابق، 92.
السابق، 71.
السابق، 31-31.
ينظر: السابق، 11.
ينظر: العيون السود (مذكور). وفيها يعود جمال من الأسر لجنان ولكنه غير الرجل الذي أحبته فتظل هي تعيش حالة الانتظار التي ألفتها.
ينظر: السابق، 202.
ينظر، السابق، 127.
التبرير هو ما يقوم عليه سرد الضحايا الذي يأتي لتبرير موقف الروائي من خلال الرواية والسرد ومعظم روايات الخارج العراقية تنطوي على التبرير ولنأخذ مثلا طشاري لإنعام كجه جي” طبعة الجديد العام 2013″ فهي تقوم على قصة الطبيبة العراقية المسيحية “وردية” وما تعانيه في العراق بعد 2003 واضطرارها إلى الهجرة هي وأفراد عائلتها الذين توزعوا تحت سماوات العالم المتباعدة حتى صار أقصى أملهم أن يتجمعوا بعد موتهم في مقبرة افتراضية! وفي النهاية يحس القارئ أن الثمن الذي يدفعه عراقي الخارج يفوق الثمن الذي يدفعه عراقي الداخل الذي يواجه الموت والمفخخات، وأن الأول ليس أبدا مرتاحا في المنفى وقد يزيد عذابه على الثاني.
حفيد الـ(بي بي سي) (مذكور)، 286.
ينظر: السابق، 15.
السابق، 26-29.
ينظر: السابق، 40-41.
ينظر: السابق 96-97
ينظر: السابق، 97
السابق، 78.
ينظر: السابق، 217.
السابق، 231.
ينظر: السابق، 188.
السابق، 37.
ينظر: السابق، 142-143.
ينظر: السابق، 24.
ينظر: السابق، الصفحات 78-79-88.
ينظر: السابق، 87.
ينظر: السابق، 120.
حلم وردي فاتح اللون (مذكور)، 94.
السابق، 31.
نبوءة فرعون (مذكور)، 176.
العيون السود (مذكور)، 219.
الحدود البرية، 45.
ينظر: السابق، 149 و154.
ينظر نبوءة فرعون (مذكور)، 140.
ينظر: السابق، 144-147.
ينظر: السابق، 146.
ينظر: حفيد الـ(بي بي سي) (مذكور)، 275.