السلطان الخطير

قراءة في كتاب السلطان الخطير
أمريكا لاتدعم الديموقراطية الا عندما تناسب مصالحها

ميسلون هادي

كتاب السلطان الخطير الصادر بترجمته العربية عن دار الساقي ببيروت ،هو مجموعة محاورات فكرية معمقة بين جلبرت الأشقر ونعوم تشومسكي تتناول السياسة الخارجية الامريكية في الشرق الأوسط وتداعياتها ، من خلال قراءة وتأمل مجمل قضاياه الساخنة التي يخصانها بكثير من التحليل والمراجعة كالصراع العربي الإسرائيلي والحرب في العراق وأفغانستان بالإضافة إلى الصراعات المحتملة في سوريا وإيران وعنوان الكتاب باللغة الانكليزية كما ورد في الغلاف الداخلي للكتاب هو perilous power
مما يعني انه كان من الافضل استعمال كلمة القوة او النفوذ بدلا من السلطان لما في الكلمة الاخيرة من معان اخرى بالعربية قد تختلف عن المعنى المطلوب، اللهم الا اذا كان المترجم ربيع وهبة قد قصد ذلك.
ونعوم تشومسكي عرف كعالم في اللغويات ثم انتقل إلى الفلسفة وتحول نحو مطلع السبعينات إلى الكتابة عن القضايا السياسية الراهنة وأبرزها الشرق الأوسط الذي يهتم نعوم بقضاياه كونه منتم إلى الجناح اليساري من الحركة الصهيونية ، أما جلبرت الأشقر شريكه في تلك المحاورة فقد كانت معرفته الأكاديمية بالشرق الأوسط أعمق وأكثر عملية كونه نشأ وترعرع في لبنان وكان منخرطاً في سياسة المنطقة وعلى معرفة جيدة بالدوائر السياسية اليسارية في العالم العربي .
أما المحاور الذي يدير المحاورة وهوستيفن شالوم فقد كان قد عقد صداقة مع الاشقر عبر الأطلنطي من خلال موقع ألكتروني تقدمي إسمه زد نت وعن طريقه كان جلبرت الأشقر قد كتب الكثير من المقالات والترجمات المهمة بهذا الشأن جمعها في كتاب ( الشرق الملتهب ) ويصف المحاور شالوم مقالة الأشقر التي نشرها بعد سقوط بغداد مباشرة عام 2003 ونشرتها الكثير من الصحف والمواقع الألكترونية، انها أصبحت من المأثورات .
إن ستيفن شالوم هو الشخص الثالث الذي قام بطرح الأسئلة وحافظ على مسار النقاش بعد لقاء طويل تواصل لثلاثة أيام من المحادثة مع الإثنين في مكتب نعوم تشومسكي في معهد ماساتشوستش للتكنلوجيا في كامبردج يناير من العام 2006
السؤال الأول الذي يطرحه المحاور في بداية الفصل الأول هو :
-ما الطريقة المعقولة لتعريف الإرهاب ؟
ويجد تشومسكي ان أيا من عشرات التعريفات الرسمية المختلفة والتحليلات في الصحف القانونية لم يتوصل لفعل هذا على وجه كامل .والسبب واضح تمام الوضوح حسب نعوم تشومسكي ، وذلك لأن عليك أن تجد تعريفاً يستبعد الإرهاب الذي نقوم به ضدهم ، يقصد الذي تقوم به أمريكا ، ويشمل الإرهاب الذي يقومون به ضدنا .. .
ويستبعد تشومسكي فكرة ضلوع الحزب الجمهوري أو المخابرات الأمريكية في تفجيرات 11 سبتمبر ، لأسباب كثيرة يذكرها هو والاشقر الذي يشاركه الرأي نفسه .ثم يعريان الطريقة التي تمضي فيها السياسة الأمريكية المتبعة في الشرق الأوسط بحيث تخدم تلك العمليات الإرهابية هذه السياسات بشكل غير مباشر وفي هذا الصدد يقول الأشقر : هناك حالتان واضحتان جداً خدمتا مخططات الإمبريالية الأولى هي غزو العراق للكويت عام 1990 والذي أدى إلى إعادة تشكيل النظام العالمي بعد الحرب الباردة والثاني هو أحداث الحادي عشر من أيلول التي أفضت إلى إطلاق مجموعة من السياسات الهادفة إلى توسيع السيطرة الأمريكية على مناطق إنتاج النفط في الشرق الأوسط وغيرها من المناطق الستراتيجية. وسواء كان مقصوداً أو غير مقصود فقد كان صناع السياسة الأمريكية في حاجة إلى نوع معين من الأحداث كما انهم لم يقدموا على فعل جاد لمنع هذا النوع من الأحداث أو يفعلوا شيئاً لمنع هجمات الحادي عشر من ايلول لذلك، حسب الأشقر ، فإن هذا التفسير هو أكثر مشروعية من نظرية المؤامرة التي تزعم أن إدارة بوش قد نظمت هجمات الحادي عشر من أيلول . وإلا كان هذا نهاية الحزب الجمهوري إلى الأبد .
والأمر نفسه يتكرر مع غزو صدام حسين للكويت وما رافقه من ملابسات أو تعليمات غامضة نقلتها الولايات المتحدة إلى صدام بأنها لن تعترض إذا فعل شيئاً لتصحيح الحدود وهذا ما يعني أخذ حقول نفط الرميلة من الكويت وربما الحصول على منفذ على البحر ويأتي هذا الرأي على ذمة نعوم تشومسكي فيكرر الأشقر فرضيته التي تقول ، ولا يعارضها نعوم ، بأنه إذا كانت الحكومة الأمريكية قد أرادت حقاً أن لايفعل صدام حسين ما فعل لما تصرفت حياله على نحو طبيعي حتى اللحظة الأخيرة ، ولو أرادت فعلياً للحظة واحدة أن تفعل أي شيء جاد لتمنع هذا الرجل لكانت منعته ، وكان بإمكانها فقط أن تخبره بأنه إذا أقدم على غزو الكويت فستعتبر هذا إعلان حرب عليها وتضع هذا الكلام نقطة في نهاية السطر . وهذه الحصيلة ،كما يقول الاشقر، تجعلك تفهم لماذا عليهم إيجاد الذريعة المناسبة دائما وإن صدام حسين لو لم يكن موجوداً في ذلك الحين لكانوا اخترعوا صداماً .
الفصل الثاني من الكتاب يناقش قضية الاصولية والديموقراطية في الشرق الأوسط فيسأل المحاور عن مدى اعتبار الاصولية الإسلامية مهمة كمصدر للإضطراب في العالم فيجيب تشومسكي بأن الإصولية الإسلامية هي بشكل رئيس رد فعل لقوى الإضطراب في العالم ، فعلى مدى سنوات طويلة كانت هناك قومية علمانية على مستوى العالمين العربي والإسلامي . فكان جمال عبد الناصر في مصر قومياً علمانياً ، والعراق أيضاً كان ذا تراث طويل في القومية العلمانية يعود إلى قرن من الزمن صاحبته جهود دمقرطة ، وهكذا في بلدان عربية أخرى . وإيران أيضاً كان لديها برنامج قومي علماني قبل نصف قرن ولكن هذه النظم القومية العلمانية هوجمت بقوة من الخارج ومن الغرب على وجه التحديد فترك هذا فراغاً كبيراً إلى حد أنه ملئ بالأصولية الإسلامية وهذا ما يؤكده الأشقر بأن صعود قوة الأصولية الإسلامية اليوم هي نتاج مباشر لسياسات أمريكية مباشرة ولكن مع إضافة شرط آخر هو أن القومية العلمانية قد أضعفتها ودمرتها الولايات المتحدة بصفتها عدوها الرئيس .ويؤكد تشومسكي هذا الرأي وكيف امتدت تلك السياسة التدميرية من عبد الناصر عدوها الرئيس إلى عبد الكريم قاسم في العراق . بل إلى دعم الولايات المتحدة لطالبان في البداية عندما جاؤوا إلى السلطة في أفغانستان عام 1996 .
وفعلت اسرائيل الشيء نفسه عندما أرادت القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت وطنية علمانية ، وفي سبيل ذلك ساعدت على تطوير جماعات أصولية حتى أواخر الثمانينات ، والأمر نفسه حدث في لبنان وربما دون قصد فقد غزوا لبنان لتقويض منظمة التحرير الفلسطينية العلمانية وانتهوا إلى ( حزب الله ) .
يتطرق أيضاً الأشقر وتشومسكي إلى مختلف الأصوليات الدينية الموجودة على الأرض كالهندوسية واليهودية والكاثوليكية والبروتستانتية وجميع هذه الأصوليات صعدت في ربع القرن الأخير وذلك لأسباب التحول الرئيسي في الاقتصاد العالمي بعد السبعينات من ناحية ، ومن ناحية أخرى إفلاس جميع أنواع الأيديولوجيات التقدمية بسبب الفشل الاجتماعي والسياسي للدول المجسدة لهذه الأيديولوجيات سواء القومية أو الشيوعية أو سواهما . كماويناقش الباحثان حالات أصولية متعددة كاالحالة الإيرانية والحالة السعودية وفي الحديث عن تقويم الحالة الديموقراطية في الشرق الأوسط يقول الأشقر :
إن الشرق الأوسط كان هو الاستثناء الوحيد لل ( الموجة الثالثة ) من التغيرات الديموقراطية ، كما كان لصموئيل هنتنغتون ان يدعوها ، أي عملية الدمقرطة العالمية التي انطلقت في الثمانينات .
ويطلق الأشقر على ذلك الاستثناء ب ( الاستثناء العربي الاستبدادي ) ،فقد كانت هناك تغيرات في جميع أنحاء العالم ، أمريكا اللاتينية ، أوربا الشرقية ، أفريقيا ، شرق آسيا ولكن لا شيء مشابهاً في الشرق الأوسط .
الأشقر يرد هذا الاستثناء إلى سببين هما النفط أولاً وثانياً حقيقة أنك إذا نشرت الديموقراطية هناك فإن ( الأشرار ) سيفوزون .وبالطبع فإن ما تقصده أمريكا بالأشرار هي القوى المعادية للغرب أي الأصولية على الأغلب .
إذن يسأل المحاور ، ماذا يحدث عندما تكون القوة الأكثر احتمالاً للانتخاب في الحقيقة نوعاً من الحركات الأصولية .
فيجيب تشومسكي بالقول ان أمريكا تعد واحدة من أكثر البلدان الأصولية في العالم ، وهي كذلك منذ فترة طويلة ، وإحدى الكتل الإنتخابية الناشطة في أمريكا هي في الحقيقة أصولية متطرفة .وفي مكان اخر يقول ان الرد الامريكي على انتخابات حماس يكشف ثانية ان الولايات المتحدة لاتدعم الديموقراطية الا اذا كانت تناسب اهدافها الاستراتيجية والاقتصادية.

أما فيما يتعلق بالديموقراطية الناتجة عن غزو العراق فيقول إنك عندما تتعاطى مع شيء مركب مثل مجتمع من المجتمعات وتدمره بقوة غاشمة ، فإن كل ما يمكن تصوره من عواقب قد يحدث ،بما في ذلك الأشياء التي قد تكون محبذة كالديموقراطية ، ولكنك لا تثني على الغزو أو تعتبره جيداً حتى وإن أدى إلى إطلاق قوى ديموقراطية في الشرق الأوسط بعد عشرات السنين .
ويعلق الأشقر على ذلك بالقول بأن العراق لم يصبح على الإطلاق نموذجاً جذاباً في الشرق الأوسط ، بل على العكس أصبح نموذجاً مروعاً لأن الولايات المتحدة طبقت في العراق وعن وعي أكيد مفهوماً للديموقراطية مستلهماً من النموذج اللبناني للديموقراطية وهذه حسب رأيه وصفة سيئة جداً وتقود إلى كل أنواع المشكلات وعدم الإستقرار .كما يقول :
لقد تصرفت إدارة بوش بأغبى طريقة ممكنة ، ومن ثم فإن التاريخ لن يذكرها كمعززة للديموقراطية في الشرق الأوسط ، بل كمكفنة للمصالح الأمريكية في المنطقة .
الفصل الثالث من الكتاب يناقش مصادر السياسية الخارجية في الشرق الأوسط وأول هذه المصادر النفط حيث يقول تشومسكي لو لم يكن الشرق الأوسط يحتوي على معظم احتياطات الطاقة في العالم لما اهتم به صانعوا السياسات في العالم أكثر مما يهتمون بالقطب الجنوبي ، ولأن كل ما يهم أمريكا هو إدارة العالم فهي بمجرد أن تفقد السيطرة على الموارد الرئيسية للنفط في العالم ينتهي الأمر .
الفصل الرابع يتناول حروب الشرق الأوسط الكبيرة بدءاً من أفغانستان والحرب على الإرهاب ثم الوضع في العراق الذي يصفه تشومسكي بالقول : كان يمكن للغزو ، إذا حصل بذكاء ، أن ينهي العقوبات التي ألحقت الدمار بالبلاد ويخلص الشعب من صدام حسين ، كفرج للغالبية العظمى منه .
كان بإمكانهم إرسال فريق من قسم الهندسة الكهربائية في معهد ماساتشوستس للتكنلوجيا لإصلاح النظام الكهربائي واستثمار أي مقدار من المال في إعادة الإعمار فلم يكن هناك دعم خارجي لأي تمرد ولكن في واقع الامر كان عليهم أن يخلقوا تمرداً حقيقياً بوحشيتهم وفجورهم ، لقد بدت لعبة سهلة الحسم وغنيمة هائلة .
ويستعرض الأشقر سيناريوهات الإطاحة بصدام قبل الغزو ثم يشرح نعوم السياسة الأمريكية الحالية في العراق حيث أصبح حتمياً فرض نوع من الحكومات التابعة على غرار دول أوربا الشرقية وأمريكا الوسطى وإذا لم تفعل فستكون كارثة على الولايات المتحدة .
أما قضية الأكراد فيعتبر تشومسكي ان هذه الامة قد تعرضت إلى القمع والتنكيل وأن لها الحق الشرعي في تقرير المصير والانفصال عن العراق وتركيا وإيران وسوريا ولكن المشكلة أن أمريكا لن تدعم الأكراد ضد تركيا وفيما يتعلق بقضية كركوك فيقترح نعوم تشومسكي الآتي :
إن الحل الأمثل سيكون باستعارة بعض العناصر من الامبراطورية العثمانية القديمة وليس هناك الان من يريد اعادة بناء الامبراطورية العثمانية لكثرة مساوئها ، ولكن لم يكن عليك ان تعبر حدوداً من القاهرة الى اسطنبول الى بغداد . اليونانيون يديرون المناطق اليونانية والأرمن يديرون المناطق الأرمنية أي أن تترك الناس وحدهم في أي مكان تنظر إليه ويعتقد ان هذا هو الحل الصائب لموزاييك مركبة من السكان .
الفصل الخامس يتناول قضية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ويثير المحاور الجدل حول شرعية دولة اسرائيل فيقول تشومسكي ان مفهوم شرعية الدولة لا يعني الكثير لأن الولايات المتحدة نفسها قامت على الابادة الجماعية واستولت على نصف المكسيك فمالذي يجعلها شرعية ؟ والطريقة التي أسس عليها النظام الدولي قوامها ان الدول لها حقوق معينة ، لا تمت بصلة لشرعية الدول ، وهذا ما ينطبق على اسرائيل او غيرها .ويمضي الفصل في مناقشة شرعية اسرائيل والرؤية الفلسطينية للتسويةومعاداة السامية والعنصرية ضد العرب والاسلام وكل ما يتعلق بالمواجهة الاسرائيلية والامريكية مع حماس وحزب الله.
ان ما يلاحظ على مجمل الآراء الواردة في هذا الكتاب القيم الذي يطرح وجهات نظر موضوعية وغير منحازة في قضايا الشرق الاوسط ، انه يرد كل اسباب ضعف الديموقراطية او غيابها في الوطن العربي الى جهات خارجية وامريكا في مقدمتها ، عملت على محاربة الانظمة العلمانية تاركة بتغييبها تلك النظم فراغا ملأته الحركات الاصولية، كما انها لا تمانع من ان تدعم انظمة اصولية او غير ديموقراطية اذا ما وجدت في ذلك الدعم ما يحقق مصالحها وطموحاتهاالاستراتيجية الامر الذي يجعلنا امام مفارقة عجيبة مفادها غياب الديموقراطية بتحريض من اولئك الدعاة اليها .
أماعندما يتعلق الامر بالارهاب فيخلص رأي المتحاورين الى ان امريكا تكيل بمكيالين يجعل الارهاب غير مشروع اذا كان ضدها كما في احداث الحادي عشر من سبتمبرويجعل الارهاب مشروعا اذا كان من اجل مصالحها كما حدث في الحرب على العراق، الامر الذي يذكرنا بمقطع روائي للكاتب الامريكي المعاصر جون ابدايك يقول فيه ان امريكا هي الام الكبيرة التي تريد ان تسقي الاولاد دواءاً مرا لا يستسيغونه ولكنها تعتقد انه جيد لهم ، لنتساءل بعد ذلك حسنا اليس على السياسي الذي يريد ان يكون تاجرا ان يتحلى على الاقل بمنطق التجارة فيستعير من التاجر اخلاقه التي تريد الربح وتركز عليه ولكن في الوقت نفسه تعمل على اسعاد الزبون ولا تجبره على ما لا يريد.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

النصف الآخر للقمر

ميسلون هادي مجلة الأديب العدد 2 2025 القادم من المستقبل قد يرى أعمارنا قصيرة، وعقولنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *