ملاحق جريدة المدى اليومية » الأخبار » الملاحق » ملحق اوراق
التلصص من ثقب الباب مقالات في الأدب النسوي
بتاريخ : السبت 17-08-2013
قحطان جاسم جواد
ضمن سلسلة”أوراق”الصادرة عن دار المأمون للترجمة والنشر صدر للروائية ميسلون هادي كتيب صغير بعنوان (التلصص من ثقب الباب – مقالات في الادب النسوي) يقع في 95صفحة من القطع الصغير.
الكتاب عبارة عن مجموعة من المقالات المتفرقة كتبت في أوقات متباينة يجمع بينها الهم النسوي في الأدب ، ونظرة المرأة الأديبة الى المرأة الأديبة, ودورها في المشهد الثقافي العراقي اولا والمجتمع ثانيا بأعتبارها انسانة.
أشار الناشر (دار المأمون) في كلمته بمقدمة الكتاب (كان موضوع ادب المرأة ومازال واحدا من ابرز المواضيع الادبية اثارة للجدل بين الاوساط النقدية والفكرية في كل زمان ومكان , واذا كانت هيمنة الكاتب الذكر على الادب قد استمرت حصريا لفترة طويلة، فان هذا الكاتب نفسه ادى دورا غريبا في تهميش ادب المرأة، ايضا على مر الزمان.
يبدو ان العقود الاخيرة من زماننا فسحت المجال واسعا امام المرأة لتكتب ادبا جديدا لايمكن بأي حال من الاحوال التقليل من شأنه خاصة بعد ان باتت المرأة في كتابات عدد ليس بالقليل من الادباء نموذجا احادي المنحى لايكاد في اغلب الاحيان يعترف بقيمتها في المجتمع وانسانيتها بعد عصور من الظلام والابعاد.
ان هذا الكتاب يستمد اهميته من انه من تاليف واحدة من الاديبات العربيات، استطاعت ان تترك بصمتها الواضحة والمتميزة على الادب العربي الحديث في القصة والرواية والمقالة. حجتها في نقاشها ان الاوان قد آن لظهور ادب عربي تكتبه امرأة يوازي مايكتبه الرجل.
الكتاب هواضاءة لاشكالية قائمة بين تاريخ غائم وملتبس من المواضيع الاجتماعية التي تضطهد المرأة، وبين الخروج عن هذا التاريخ، الذي يجب ان يتم عن طريق الجدل الفكري البناء بين افكار جديدة وافكار قديمة للوصول الى افكار اخرى, تستمد جرأتها من تلك العلاقات الجدلية، وليس من مسار مستعار يشبه ارتداء سروال ضيق او تنورة قصيرة في مجتمع محافظ.
تقول الروائية ميسلون انها كلما قرأت رأياً لكاتب عربي او انتهت من مقابلة صحفية وجدت انه من النادر ان يستشهد بكاتبة او يقتبس منها او يحيل عبارة قالتها او كتبتها.
كما انه لايذكرها الا عندما يسأل فقط عن رأيه بالكاتبات من النساء فيقوم بتوزيع الهدايا على الحبابات الشاطرات ويقول مالايضر ولاينفع في الثناء على الجميع. ان عالمنا في العقود الثلاثة الاخيرة شهد ثورة في مجال الرواية النسوية، وباتت هناك ندوات ومؤتمرات تعقد لرصد هذه الظاهرة ومناقشتها. وصار الكاتب العربي يحاول فهمها من جديد وينظر اليها من موقع الناقد المحايد. كما ترشحت وفازت العديد من الروايات النسوية في جوائز مهمة منها”القوائم القصيرة”لجائزة البوكر العربية. ومن المؤكد ان وجود كاتبات يعبرن عن هموم وهواجس المجتمع الحقيقية هو الذي سيجعل الكتابة المجيدة تفلت من قبضة الاستجابة للتلصص والتحديق والتحرك خارج حدود السيطرة الذكورية للقارئ بمعناها السالب.
وتستشهد ميسلون بمقولة للناقدة نازك الأعرجي وهي تطالب وتدافع عن مصطلح الأدب النسوي وتدعو الكاتبات للتمسك به والعمل داخله كفريق واحد للتباري واثبات الجدارة مع أدب اخر هو الأدب الذي يكتبه المجتمع ممثلا بالرجل!
الكتاب يتضمن عدة مقالات هي: صوت الانثى لنازك الاعرجي، وكعب اخيل حريم النقاد، ونساء وحماس ادونيس، والتلصص على كتابات المرأة من ثقب الباب، والايدي الناعمة، وعندما تحكي شهرزاد، والسيدة سين، وفاطمة المرنيسي ترحل مع شهرزادها الى الغرب , ومن هي الكاتبة الجريئة، من هو الكاتب الجريء، وقديما مثل هيباشيا.
في مقالة صوت الانثى لنازك الاعرجي تذكر انواع التحيزات ضد الادب النسوي حسبما اشارت اليه جواناروس وتعددها بما يلي:
هي لاتكتب لنفسها بل يكتب لها. واذا اعترفوا انها تكتب فما تتناوله امور تافهة. وهناك من يقول انها تكتب لكن هناك من ساعدها في الصياغة. او انها تكتب لكن كتاباتها لاتنتمي الى جنس أدبي. او انها كتبت بالفعل لكنها نسخة مكررة من ذلك الاديب المشهور.او انها كتبت لكن كتاباتها لن تخلد وبهذه التميزات تثبت جواناروس ان هناك تعصبا ضد المرأة بالرغم من انها صارت ظاهرة عالمية وليست حكراً على دولة ما . وفي الوقت الذي تجاوبت العديد من الاديبات مع دعوة جوانا نجد ان هناك من انزعجن من الدعوة لان مصطلح الادب النسوي الهدف منه محاصرة الادب النسوي داخل سجن لاضفاء الدونية عليه وعزله
عن الفضاء الادبي الانساني , الذي يكتبه الانسان سواء أكان رجلاً أم امرأة. على عكس طروحات نازك الاعرجي التي تدعو الى التمسك بمصطلح الأدب النسوي كما أشارت في كتابها (صوت الأنثى) الذي تقدم في مرافعة نقدية جريئة.
وتقدم في فصل اخر من كتابها دراسة عن الكاتبات الستينيات مثل لطفية الدليمي وسهيله داود ومي مظفر وسميرة المانع وعالية ممدوح وبثينة الناصري وديزي الامير، وتتوصل الأعرجي الى نتيجة مهمة مفادها ان الاقتراب من (منخفض النساء) الذي هو منخفض اجتماعي شامل قد تم بالقدر الذي لايؤثر في مكانة الكاتبة الاجتماعية او هويتها الشخصية، فالكاتبة تخشى ان تحال (معرفتها) المتجلية في عالم قصتها الى خبرتها الذاتية ، ثم تخلص فيه الى القول بأن فضاء الحرية هو مايعوز فضاء القصة العراقية التي تكتبها الكاتبات بشكل خاص ، وان اقتران الحرية لدينا بالعيب قد اثر عميقا على مضامين القصة وبنائها وشخوصها ونعتها.
وتناقش ميسلون في مقالة اخرى طروحات د. محمد صابر عبيد في (كعب اخيل عاصفة الرواية النسوية والمعركة الخاسرة) الذي هاجم الرواية النسوية وطلب بصراحة إخلاء الساحة من اللاعبات الغلط وإعادة الملعب لأهله من اللاعبين الذكور. متمنيا في نهاية المطاف انطلاق السهم المقصود الذي سيأتيها من الاخ الشقيق ويصيبها في مقتل . ويكنس مخلفاتها لتقبع في فضلات السردية العربية الحديثة.
وفي مقال اخر تستغرب المؤلفة من قول لأدونيس حول الزواج حيث يدعو الى ابطال مؤسسة الزواج وترك المرأة تعيش حياتها ومتعتها بجسدها وعقلها.. وتشير الى انه يجعل تمرده بلا قضية عندما ينادي بتحرير المرأة ومن جهة اخرى نراه يعمد الى تحميل المرأة أعباء جديدة يجعلها تعيش حالة اغتراب شديدة عن مجتمعها عبر الدعوات النظرية والحلول الخيالية. وللاسف تقول ميسلون: ان الكثيرمن المثقفين ينظرون الى المرأة من هذه الزاوية الطوباوية المتطرفة. فيبدون في إمساكهم بالخيط من طرف اليسار لايقلون غلوا وحماسا عمن يمسكون به من طرفه اليمين كرجل الدين السعودي الذي افتى بوجوب نقاب العين الواحدة.
وتضيف:ـ الا يدري أدونيس كيف تعيش المرأة العازبة في الغرب ممن تزين لها الحرية الركض وراء هذا التمرد على قيود الأسرة والزواج لتجد نفسها مسؤولة من دون اب . وتعيش وضعا صعبا في تسجيل الطفل الذي في الغالب يهرب تاركا الحبيبة غارقة في وضع لاتحسد عليه . هذا جانب من جوانب الغاء مؤسسة الزواج الذي يدعو اليها أدونيس. وكان يفترض فيه ان يقدم مشروعا نهضويا للمرأة بدلا من افكاره التهديمية.
وانطلاقا من مقولة نازك الاعرجي حول التمسك بالأدب النسوي تقول ميسلون إن على المرأة الانطلاق في ابداع غير مبتذل ولا يثير هواجس الآخر من خلال دخول منطقة الابداع التي يفتح لها الباب لدخول هذه المنطقة الحرة التي لا يقمعها فيها احد، عند ذلك تشعر المرأة عندما تكتب وترسم او تحاضر على منصة انها الملكة التي تحكي والكل يستمع بما في ذلك الرجل! شاء ام لم يشأ. لان المرأة عندما تبدع فأنها تعرض على الملأ فطنتها وأدبها وحكمتها، ونادرا ما تخوض في المباذل والمهازل.واذا كان قدر المرأة الحكيمة ان تكون موهوبة لتحكي وترسم وتكتب فأن ما تقوله سيختصر نوازع كل النساء وهواجسهن. من هنا تأتي وجهة النظر الداعية الى بقاء المرأة في خانة الأنوثة، التي ان غادرتها واسترجلت وبالغت بالخروج عن دورها، فانها ستضع قدمها في منطقة ثالثة لاهي نسوية ولا رجالية. وهي منطقة فيها شطط كبير عن الأنوثة وعن الفيزياء الطبيعية للمرأة وفيها جرأة مبالغة قد لاتصلح الا للنساء للخوض مع معترك السياسة.
كما تذكر المؤلفة ان الكاتبة المغربية فاطمة المرنيسي تناقش وضع شهرزاد القاصة التي انقذت بنات جنسها من القتل عبر حكاياتها الألفية. وقد عبرت بذلك عن فطنتها وذكائها وقدرتها على استخدام عقلها في محاورة الرجل والحد من طغيانه الذكوري. وشهرزاد لم تمثل نفسها حسب بل تمثل المرأة الشرقية على نحو عام. وتجده المرنيسي اعترافا من الشرق بهذه المرأة. وتستغرب كيف ان الغرب لم يجد في تلك الحكايات سوى لغة الجنس والإثارة الإباحية ونسجوا حولها صورا شهوانية عن الحريم؟! عبرت عنها لوحات الفنانين ماتيس وانجر ولوتريك وادكار وبيكاسو .
كما تعيب المرنيسي على بعض الغربيين مثل (إدغار الان بو) اعتبار ذكاء المرأة جريمة وقتل شهرزاد في نهاية قصة له، وكذلك (كانت) الذي يطلب منها التنازل عن ذكائها وحجب عقلها اذا شاءت إغراء الرجل او الغور بأنوثتها. اي ان الفلاسفة الغربيين كانوا يحلمون بنساء جاهلات خلال عصر الأنوار في اوروبا. وتحمل المرنيسي الرجل الشرقي مسؤولية تلك النظرية الغربية لشهرزاد والمرأة الشرقية.
وتخلص بالقول ان وجود حريم في ذهن الرجل الغربي اكثر استبدادية من حريم الشرق كونه لايستعمل الحجاب وسيلة للإفصاح عنه بل يستخدم وسائل وسبل اكثر خفاء وقمعاً وتسلطية.
وفي مقالها عن الكاتبة الجريئة تذكر المؤلفة ان الأمر حين يتعلق بالمرأة الكاتبة فان من الغريب ان يضع الكثير من ادبائنا ونقادنا العرب مفهوم الجرأة لديها تحديداً في جراب واحد هو جرأتها على استعراض تجارب حسية تقترب من المناطق المحظورة او المخفية في حياة المرأة. وغريب ايضا ان يجري مثل هذا الطرح في العمل الأدبي، في وقت يزخر به تراثنا الأدبي بكم هائل من القصص والقصائد التي تناولت ذلك الجانب الحساس واشبعته قصصا وشعرا وبحثا وتندراَ! وهذا التعامل مع الجسد هو مايفترض الا يجعلنا نصفق لكاتبة معينة لمجرد تناولها لموضوع مطروق بقوة في أدبنا وأدب الآخرين.
وعن تجربة الشاعرة سهام جبار تقول انها خرجت من التاريخ لتكتب وتقدم رؤيتها الفلسفية الخاصة عن المرأة خارج مفهوم الأنوثة بالمعنى السالب للكلمة. وفي ديوانها (قديماً مثل هيباشيا) تتدارس سهام الوجود بالشعر، وتقترب من الواقع اكثر وتضع قدميها على خط الاستواء حتى وهي تنظر شمالا، وهذا هو مايميز برأينا الأدب الذي يجمع بين الجمالي والتقدمي وهو مانراه في تجربتها الشعرية.