الامير ليس على ما يرام قاسم مشكور

قراءة في رواية(الامير ليس على ما يرام)للروائية ميسلون هادي
قاسم مشكور
أستطيع الزعم ان الرواية هي فعل كتابي يعكس خلاصة تصورات الروائي ،على ان هذه التصورات يتم تقديمها محقونة بجرعة تفاعلية تجمع ذات الروائي مع العالم الخارجي المستمدة منه احداث الرواية بغض النظر عن كون هذا العالم الخارجي واقعيا او حتى افتراضيا. عليك إيها القارىء الكريم ان لا تتصور ان هذه المهمة سهلة ومتاحة لكل الروائيين. انها مسؤولية ضخمة ينهض بها الروائي المبتكر،وتتجسد ضخامة هذا الفعل في ان الروائي بواجه في هذه العملية نسقا مضمرا ،هو في الحقيقة يمثل سلطة حتمية تمارس نفوذها على الروائي،الامر الذي يحتم على الروائي ان يسارع الى تنشيط الحركة السردية،لا بما يملي عليه المتن الحكائي،بل بما تنبثق تصوراته المستجيرة بالمبنى الحكائي. ان الروائي بمقدار ما يبدي براعة في انتاج احداثه المفترضة،متوسلا في هذا بالخيال المشفوع بنظام سيميائي دلالي ،يكون قد تخلص من عبء المتن الحكائي،حينئذ يكون قادرا على ان يتمثل تجربة انسانية ما ،فيعيد تشكيلها وفق تصوراته الفكرية الخاصة به. في روايتها المائزة(الامير ليس على ما يرام)،تقدم لنا الروائية ميسلون هادي شخصيات بعضها نصف واقعية،فيما ذهبت في رسم البعض الٱخر من الشخصيات رسما خياليا،لكنها شخصيات فاعلة وغير نمطية،كما انها أي الشخصيات لا تمثل وجهة نظر مؤدلجة،وانما هي شخصيات تنمو في اطار فكري خارج اسوار التقليد،فالتجارب التي تخوضها هذه الشخصيات داخل مساحة احداث الرواية يشيع فيها الإحساس بالفعل النابت في ذات الشخصية وليس فعلا تمليه عليها الروائية. لقد ساهمت هذه الشخصيات الراكزة في رسم صورة نهائية للشكل الروائي الذي اعتمدته هادي،وقد تجلى هذا في تقديم هذه الشخصيات لمجموعة الافكار والاراء الجديدة ،بعد ان البستها الروائية هادي البعد الفلسفي،فتمكنت من خلالها الروائية وبإقتدار من السيطرة على بنيتها الداخلية. على الرغم من ان الرواية لم تحفل سوى بحدث رئيسي كان منصبا على محنة حروب مع حبيبها اكرم سلام ،خلت خلالها الرواية من احداث ثانوية توازي الحدث الاصلي الا انها نجحت في المجالين التصويري والتركيبي،وهل الرواية الا تصوير وتركيب فني.
لقد قدمت الروائية عالما افتراضيا مشوقة احداثه عبر اجادتها استخدام التقنيات الفنية التي اظهرت من خلالها تفوقا واضحا، بعد ان رسمت عالما ينبض ويضطرب اضطراب الحياة ذاتها،على ان هذا العالم لم يكن مطابقا للواقع، وبهذا المعنى يمكن وصف الروائية بانها نجحت في استخدام تقنية تناوب الضمائر ،كما جاء في أكثر من موضع. الروائية ميسلون نجحت في خلق واقع فني مستل من عالم وهمي، ومصنوع من خيالها الخصب. التحول في سلوك البطلة ان أصعب شيء يقوم به الروائي هو السيطرة علئ شخصياته لجهة عدم انفلات الأمور وخروجها عن السيطرة، وفي هذه الاثناء يتحتم على الروائي ان يعالج بحكمة انقسام الذات الذي يصيب بعض شخصياته، ولا يقتصر الأمر على السيطرة على حركة الشخصيات، بل يتعدى ذلك بكثير، فينبغي على الروائي ان يستجير بمعالجات لغوية تتماهى وتتناسب مع الوضع النفسي الجديد لشخصياته، واظنها نجحت في هذا أيما نجاح في هذه الجزئية. إذا كان ثمة جنس ادبي نهض بالنثر، فذاك الجنس هو الرواية، وهذا ما وجدت مصداقا له في هذه الرواية. لقد قدمت الروائية شخصية البطلة محاطة بلحظة انفصام عن افكارها القديمة، وهذا بالتأكيد يحتاج من الروائية الى جهد مضني لاقناع القارىء بمبرر هذا التحول الذي يبدو مفاجئا بالنسبة له، وهل سينهض بهذا سوى اللغة، على الرغم من ان الروائية كانت فطنة الى ضرورة التمهيد لانقلاب وتبدل سلوك البطلة(حروب) إزاء حبيبها اكرم سلام،كما جاء في الصفحة ٢١٤(بعد ان اغلقت الهاتف،فكرت حروب بالغلظة التي ارتكبها اكرم سلام) ثم تعود في ذات الصفحة لتقول(لا لم تكن غلطة واحدة،بل غلطات عدة تراكمت). في ظني ان هذه الرواية مصداق للرأي القائل،ان الرواية عمل تخيلي، وبهذا المعنى فان الروائية لم تترك وسيلة الا وتوسلتها من اجل الارتقاء بخيالاتها الخصبة.. بقي ان أقول: ان لغة الرواية كانت منسابة بشكل يدعو الى الدهشة،فضلا عن انسيابيتها كانت لغة منضبطة ،وتحتكم الى طراوة محببة،بعد ان ضمنتها تقنية المشاهد بغية عرض موضوعاتها المختلفة.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

الحياة السرية لوالتر متي

الحياة السرية لوالتر متي هدية حسينجريدة الصباحشباط 2025على مدى أكثر من أربعين عاما وأثناء عملها …