مخلوقات ميسلون هادي
قراءة في قصة الإكواريوم
خضير اللامي – السويد
موقع الناقد العراقي
4-8-2019
في البدء ، ترسم لنا ريشة المبدعة ميسلون هادي في قصتها هذه ، الإكواريوم ، أو حوض الاسماك الصغيرة ، مشهدا بانوراميا غرائبيا ، لأسماك تتحرك ، في حوض زجاجي بإنسيابية شفافة ، يضفي عليه غروب الشمس لمسات تلويناته ، وتَظهر من خلاله بشفافية ، حركة تلك الأسماك وتموجات ألوانها ، وانسيابية حركتها ، في وقت غروب ، تعتقد فيه ميسلون هادي ، انه الوقت المناسب ،الذي يلقي بظلاله الهادئة ، حيث ترسم لنا مشهدا لا تبدو فيه هنا ، انها تسرد عملا ابداعيا ، رواية او قصة قصيرة ، بقدر ما ترسم لنا هذا المشهد بريشتها الرشيقة ، خلل ضوء الغسق ، الذي يغمر الحوض المائي كما وصفته بأنه ” يمض الروح ويجعل الانسان يشعر بالأسى والحزن . وتذهب بنا المبدعة هادي الى رسم مشاهد اخرى ؛ مثل الشخصية التي اطلقت عليها اسم الانسان الذي يراقب حركة الاسماك ليزجي الوقت بين الظلمة والضوء ، وليراقب حركة تلك الأسماك ، ولا يبدو على سيمائه حركة او نأمة ، سوى الاستغراق في التأمل لمشاهدة حركة تلك الاسماك حسب …ويبدو ان ميسلون هادي ،هنا ، ترسم لنا هذه البانوراما كما لو أنها تملك ريشة فنان تشكيلي يضفي على اشكال رسوماته مشهدا زيتيا ..وليست تلك الساردة للرواية والقصة كما عرفناها ..
ومن هنا ، ربما عزفت الروائية والقاصة ميسلون هادي عن استخدام الشخصيات البشرية في اعمالها الروائية والقصصية الأبداعية . فراحت تفاجئنا اليوم بقصة الاكواريوم ، مشكّلة بذلك مملكة جديدة لها حسب ، إذ راحت ترسم لنا ايضا مشهدا بانوراميا يضفي عليه غروب الشمس لمسات ظلال باهتة ، يشعر القاريء كما لوأنها أي الساردة ، ترسم بلوحتها هذه مشهد مخلوقات مائية تتموج بانسيابية عالية في حوض الاكواريوم .و شخصية اطلقت عليه الساردة الانسان ، كما جاء في كلامنا اعلاه ، الذي ربما انه هو هارب من واقعه ، فراح يراقب الأسماك بصمت مطبق، وهمه في هذا مشاهدة حركة تلك الأسماك ، من خارج ذلك الحوض ، متأملا حركتها الإنسيابية ، ومستمتعا بالوانها الزاهية ، والجذابة ، وبالتالي ليسجي وقته معها ، ويبدو أن الانسان هذا ، فقد أي دور آخر له في الحياة سوى مراقبة حركة هذه المخلوقات التي كادت أن تكون مجهرية . بيد أنه، أي الانسان، لا تخلو مراقبته من تحليل واستمتاع لفعاليات هذه الأسماك الصغيرة . الى حد يشعر بالحزن والأسى كما تقول الساردة .
ففي القصة هذه ، وعلى قصرها واسلوبها المكثف، فيها الكثير من الايحاءات والمخيال والرموز والإيماءات عمّا تستشرفه الساردة من خلل هذا النص الابداعي ، او هذه اللعبة الجميلة ، التي راقت لها ..لذا ، راحت المبدعة ميسلون هادي تلعب لعبتها الجميلة لخلق شخصيات مجهرية ، تعيش وعلى وفق نظام متسق ، ويبدو من هذا كله ، أن الساردة ميسلون ربما تعيد الى ذاكرتنا رواية مخلوقات الكاتب البريطاني ه . أ ويلز، W. H.Wels التي تحولت الى فيلم في سبعينيات القرن الماضي تتحرك آليا دون وعي، ويعني هذا ، هنا توقف تفكير الانسان وتحوله حسب الى مجرد آلة سلوكا وحركة ووعيا ..