الآخر بين الواقعي والمتخيّل
في الرواية العربية المعاصرة
د. نجم عبدالله كاظم
ناقد وأكاديمي
( 1 )
بداية أعني بالواقعي ليس القابل للحدوث أو الوقوع فقط، بل الذي يقع ويحدث فعلاً، وضمن ذلك أحياناً الحقيقي، وأعني تحديداً ما عايشته وقرأته وكتبت عنه. هنا أتذكر عودتي إلى الوطن، العراق لأول مرة بعد نكبة سقوط بغداد عام 2003، وفي أعقاب سبع سنوات من الغربة والبعد عنه وعن الأهل والأحبة، وللقارئ أن يتوقع حجم ونوع الأحاسيس والعواطف والانفعالات التي كان لا بدّ من أن تتفاعل وتصطخب في داخلي آنذاك، خصوصاً والوطن في ظل الاحتلال. والواقع لقد انثار في ذهني عدد من الأسئلة تتمحور بشكل أساس حول ما ستكون مشاعري وأنا أرى المحتل؟ وكيف سأتصرف حين لا يكون من طريقة لتلافي اللقاء بجنوده، إلى غير ذلك من هذه الأسئلة. وتفجرت تلك الانفعالات فعلاً بعنف وارتبكتُ أيّما ارتباك مع أولى خطوات أخطوها على تراب الوطن عابراً الحدود البرية، حين لمحت أول مظهر كنت أُمنّي نفسي عبثاً بأن لا أراه، عسكرياً أمريكياً يحمل سلاحاً طالما رأيته في الأفلام السينمائية والوثائقية والإخبارية على شاشات التلفزيون يفعل به الأمريكان كلَّ ما هو مسموح وممنوع. وبالرغم من نيتي بتلافي الاقتراب منه، كان مروري بالضرورة به، ففاجأني بسؤالي بودّ غريب: هل أنت من العائدين إلى الوطن؟ فأجبت بكلمة واحدة: نعم. فعاد ليقول بالود نفسه: أهلاً بك في وطنك. وأحسسته يركّز على (وطنك)، وعندها فقط تأملته فانتبهت إلى حداثة سنه، وبدا أكثر من ذلك لي خجولاً ومهذّباً. هنا نبعت في داخلي، إلى جانب الغضب والحقد الطبيعيين عليه محتلاً، رؤيةٌ إنسانية يتمثّل لي من خلالها، إلى جانب المقاتل المعتدي المحتل والمهين لوطني، الإنسان العادي. وهكذا صارت هاتان الصورتان تحضران كلما فكّرت بالآخر، وكما هما في كتابتي هذه.([1])
( 2 )
لعل من أوليات ما يكشف عنه إدوارد سعيد، في كتاب “الاستشراق”، صراحةً وضمناً، آلية السلطة والسيطرة والقوة، والألية التي مارست وتمارس بها المؤسسة الغربية الرسمية السلطة مع الشرق.([2]) ولكن الكتاب لا يتعامل مع هذا الشرق المادي والجغرافي الذي نعرفه، بل عن شرقٍ تصوَّرَه الغرب إلى درجة يمكن أن نقول معها إن هذا الغرب- ممثَّلاً بخطاب الاستشراق- كان حين يتصور شرقاً يريده، “ينفي وجود الشرق” الحقيقي.([3]) والغرب حين يفعل ذلك فإنه، وانطلاقاً من فاعلية المعايِن- الغرب- في المعايَن- الشرق- وبالعكس، فإنه يؤدي إلى “أن الموضوع المعايَن يبدأ بصياغة المعايِن على صورته. هكذا يصبح الاستشراق كبنية فكرية غربية ممتلكاً للخصائص التي عاينها في الشرق (البنية الفكرية اللا غربية) وتصبح المعرفة بالشرق وشرقنته، جزئياً، شرقنة للذات والمنهج الغربيين كذلك.([4]) ويرى سعيد أن الغرب، كونه متقدماً ومتعالياً ثقافياً، كان لا بد أن يؤدي إلى رسم صور مشوهة للشرق، كما قدمها فعلاً الكثير من الآراء الاستشراقية العنصرية كتلك التي لإدوارد لين ورينان وغوبينو وبلفور وكرومر، وغيرهم ليكون الشرق الخاص المختلق أو الملفّق أو المصنوع أو، على الأقل، المشوه، وفي النتيجة “أصبح على الغربي أن يقبل الصورة التي خلقها المستشرقون عن الشرق.”([5]) وهكذا فإن خطاب الاستشراق قدم شرقاً متخيّلاً ومصنوعاً أراده بعض الغربيين، ولم يقدم الشرق كما هو، الشرق المادي الجغرافي الحقيقي. وتطبيق الطروحة عندنا ستكون بالطبع بشكل معاكس- إن صح التعبير- أي على تقديم الخطاب الروائي العربي للغرب، ووفقاً له سيعني هذا عندنا أن الكثير من هذا الخطاب العربي، الذي تعامل مع الغرب، قدم غرباً متخيّلاً ومصنوعاً أراده بعض العرب ولم يقدم الغرب كما هو، الغرب المادي الجغرافي الحقيقي.
إن طروحة سعيد بشكلها المطلق، غير المرتبط برؤية الغرب للعرب، نعني برؤية أي فرد أو شعب أو جهة معينة إلى آخر، نراها تنطبق إلى حد كبير على روائيين عرب، حين لم يصوروا، في خطابهم الإبداعي، الغربَ كما هو على أرض الواقع، الغرب الجغرافي المادي، بل كما رأوه ذهنياً وفكرياً، أو كما أرادوا له، وربما تمنوا، أن يكون، لأسباب يتعلق بعضها بالكاتب، وبمرجعياته والمجتمع الذي ينتمي إليه، والظروف الخارجية والسياسة والتاريخ، مثل الاستعمار، والصراع العربي الصهيوني، والدين، والنزعات القومية، ووسائل الاتصال والإعلام، وغيرها. بقي أن الذي قال به إدوارد سعيد بصناعة الخطاب الاستشراقي للغرب، هو، برأيي، ليس بغريب في حقيقته وهو لا ينطبق على رؤية المستشرق أو الغربي عموماً للشرق والشرقي، بل هو واقع يتحقق، بدرجة أو بأخرى، في نظرة كل إنسان تقريباً، للآخر، وكل شعب للآخر، وكل أمة لأخرى.. إلخ. لكنّ الجديد فيه أن سعيد صاغه بشكل رؤية وربما نظرية نجح في تطبيقها وإثباتها من خلال تحليله وتفكيكه للخطاب الاستشراقي، ولهذا ليس غريباً أن ينطبق هذا على رؤية العرب، ومنهم الروائيون، للغرب. وهكذا جات نظرة الكثير من الروايات العربية وأبطالها العرب، أم هل نقول الروائيين العرب؟، وهي تنظر إلى الغرب بهذا الشكل.
( 3 )
إن تأمّل الكثير من الروايات العربية التي قدمت الغرب لا كما هو حقيقة بل كما تراه أو يراه أبطالها أو كتّابها الروائيزن العرب، متأثرين بالعوامل التي ذكرنا وغيرها. ولهذا، ولتغير مثل هذه العوامل والأسباب من فترة إلى أخرى، فإن الصور التي يقدمها العربي عن الآخر والعلاقات معه تتبدل وتتغير، وتبعاً لذلك من الطبيعي أن تكون هناك أشكال ومستويات مختلفة من رؤية العربي للغربي والعلاقة به، كما تمثّلتها الرواية العربية، ومن الطبيعي أن يكون أحدها بشكل صراع أو يترجم صراعاً. المهم أن أحد هذه الأشكال أو المستويات تتمثل في ما أسميه رؤية الغربي لا كما هو حقيقةً بالضرورة، بل كما يقدمه العربي أو الرواية العربية عموماً، نعني من وجهة نظر العربي التي ليست بالضرورة تكون صحيحة، بل أكثر من هذا قد تكون مشوهة بقصدية أو بغير قصدية، ولكن في كل الأحوال قد تمثل ردة فعل هي من ردود أفعال خطاب ما بعد الاستعمار. وضمن ذلك جاء أكثر المواقف السلبية من الآخر تطرفاً كما تمثّلت في الرواية العربية هو ذلك الذي يبدو فيها البطل أو الشخصية أو الراوي أو الرواية، أم هل نقول الروائي، وهو يتمثله أو يحمله مسبقاً قبل أن يرى ونرى معه الغربي في بلده أو قادماً إلينا، وهو ما نجده في العشرات من الروايات، مثل “الحي اللاتيني”- 1953- لسهيل إدريس، و”الرحلة”- 1983- لرضوى عاشور، و”العزف في مكان صاخب”- 1987- لعلي خيون، و”قبو العباسيين”- 1995- لهيفاء البيطار، و”أمريكانلي- 2003- لصنع الله، وغيرها. فبطلة رضوى عاشور في “الرحلة” لا تخفي تبنيها لهذه الرؤية مسبّقاً، حين تذهب إلى أمريكا وهي تحمل أصلاً تصوراً عن (عنصرية) الغرب أو أمريكا، حتى قبل أن تصل أمريكا وتلتقي بأمريكان، مما قد لا يكون حقيقياً بقدر ما أنه خُيّل لها بفعل الإحساس بالنقص الذي زرعه فيها التراث الاستعماري للآخر الغربي، والموقف المسبق الذي تتبناه البطله تجاهه:
“تركتْ لويز زميلتي في الحجرة الجامعية مكانها بعد أسبوعين من وصولها، فشعرتُ بارتياح عميق لانفرادي بالحجرة دون سليلة ملوك البرتغال التي اكتشفتُ أن لانكماشها مني أسباباً أخرى أيضاً. كانت الفتاة الجنوبية البيضاء ضائقة مني متوجسة من لون بشرتي، من خلفيتي الدينية، من جنسيتي، كانت باختصار خائفة من مجرد أنني أنا، وأنني موجودة في هذا العالم (…) لكن المهم أنها انزاحت عن الجامعة وقلبي فاسترحتْ.”- الرواية، ص32-24.([6])
ومما قد يرجح أن يكون موقفاً مسبقاً من الغرب، ممثلاً هنا في أمريكا، تسير الكاتبة ببطلتها في طريق دعم رؤياها هذه عبر التقاطها كل سلبيات الأمريكيين والمجتمع الأمريكي التي تصب في صورتها الإمبريالية بشكل خاص، بل هي، حين تستوقفها مظاهر العمران الهائل والتقدم في نهاية الرواية، تقول بصراحة وبثبات غريبين:
“في قسم الأدب الإنكليزي أتحرك داخل شحوب الألوان، فالوجه الأبيض غاب، والردهات الطويلة مطلية بلون باهت، وفي المساء حين نخرج من قاعات الدرس قاصدين باب الخروج تبدو هذه الردهات، رغم التدفئة، باردة موحشة، قابضة، لها في ضوء المصابيح الخافتة لون إنسان يحتضر. وعلى العكس من ذلك كان المبنى الذي يضم قسم الدراسات الأفرو- أمريكية، فالتدفئة هنا أعلى من العادي، لا أكاد أصل إلى الدور الثالث حيث قاعات الدرس حتى أكون أتصبب عرقاً. الجدران مطلية بألوان زاهية منها الأخضر والأزرق والبرتقالي وحتى الأسود فيها له بريق.”- الرواية، ص43.
عدا ذلك، الرواية تسير وكما غالبية الروايات التي تبغي تقديم الصورة السلبية للحياة الغربية، بما في ذلك الأمريكية، وتحديداً من حيث افتقاد الأمان وشيوع الجنس، ولاسيما حين تعتمد نسخ نشرات إخبارية صحفية وتلفزيوية، وكأنْ ليس هناك من أخبار ووقائع الحياة هناك غير مثل هذه الأحداث. ولعل الطريف أن تعترف بطلة رضوى، والكاتبة بالتأكيد من ورائها، ببتنيها المواقف المسبقة من الغرب، أمريكا تحديداً، بل عدم استعدادها لتغييرها، حين تقول:
“أتساءل أحياناً إن كان بمقدوري أن أنظر إلى أمريكا بعين موضوعية. وكيف للملدوغ أن يتحدث بهدوء معملي عن خوص العقربة؟ وأين أذهب بذلك القهر الخاص بإنسان العالم الثالث الذي ازداد حدة باقترابي من تجربة العنف الاستعماري الآثم الذي تأسست فيه التجربة؟”- الرواية، ص168.
والواقع إن المؤلفة، من حيث تعرف أو لا تعرف، تعترف بهذا على لسان بطلتها، بل هي حتى تعبر عن الموقف الصريح الذي تريد أن تجسده في رحلتها تجاه عصر الاستعمار، حين تقول من البداية:
“كرفاعة كنت في طريقي إلى بلاد (بعيدة عنّا غاية الابتعاد) لتحصيل المعارف، ولكني لم أكن مثله ذاهبة بحيادِ مَن لا يعرف شيئاً مما هو مقبل عليه، ولا كنت مثل أجيال لحقته من مبعوثين راحوا وعادوا مدلّهين في عشق الأنوار الإمبريالية.”- الرواية، ص6.
( 4 )
ومن صور الغرب والغربيين التي قدمتها الرواية العربية، وهي تحمل رؤيا وتخيلاً أكثر منها رؤية حقيقية صورة أو صور المرأة الغربية. وأيّاً كان واقع وضع هذه المرأة الغربية، باعتقادنا أن الكثير من العرب يسيئون فهم وضعها الذي صارت عليه. ومثل هذا الفهم الخاطئ كثيراً ما ينتج عن عدم قدرة هؤلاء العرب على الخروج من عباءة الفهم والتقاليد والقيم العربية أو الإسلامية أو الشرقية التي يستظلون بها، حين يريدون تقييم المرأة الغربية. ولنا أن نتوقع أن يسقط هذا الفهم على رؤية حتى الكثيرين من النخبة المثقفة وضمنهم الأدباء العرب ليظهر في صور وأشكال المرأة الغربية في الرواية العربية، ولكن بالتأكيد إلى جانب صور وأشكال أخرى. فإن الصورة المهيمنة هي صورة من اندماج الصورتين الأولى والثانية. ينقل لنا (سامر) في رواية “حليب المارينز”-2008- لعواد علي، ما يراه في نومه، وهو على متن طائرة مع (آنيا) رفيقته في السفر:
“فتحت آنيا حقيبتها وأخرجت منها كتاباً، وشرعت في قراءته (…) حين توقفتْ عن القراءة بعد أقل من نصف ساعة وضعتْ الكتاب على الطاولة أمامها، فإذا به رواية بعنوان (شُدّني إلى الأعلى.. شُدّني إلى الأسفل)، وصورة غلافها لرجل وامرأة عاريين يحتضنان بعضهما في فراش وثير.”- الرواية، ص131.([7])
وكأن الروائي نفسه لم يكتف بهذا حلماً فيضيف، حتى وإن لم يكن مقنعاً:
“أيقظني مطب جوي حاد، ففتحت عيني مذعوراً، وأمسكت بذراعَي مقعدي (…) ولشد ما كانت دهشتي حينما رأيت كتاباً في يد آنيا وهي منهمكة في قراءته، وعلى طاولتها علبتي بيرة فارغتين.. اختلست نظرة إلى غلاف الكتاب، فإذا به يحمل عنوان الكتاب نفسه.”- الرواية، ص132.
وغالباً ما جاءت المرأة الغربية، في روايات عربية، متحررة وغير محتشمة، حتى حين تكون مرتبطة بالزواج، كما هي حال الإنكليزية (ماري)، في رواية علي خيون “العزف في مكان صاخب”. ينقل لنا البطل (عماد) أول لقاء له بـزوجة عمّه الإنكليزية هذه، وهما في بغداد:
“عادت (ماري) من العمل، فأذهلني شكلها المثير، شقراء فاتنة طويلة، بملابس لا تستر ملابسها الداخلية البيضاء (…) واقتربتْ مني وعبثت بشعري وهي تقول:
“- إماد.. إماد.. حلو إماد.. فانتاستك.. فري فانتاستك.. باي.
“وأشّرتْ بأصابعها بعد أن قرصت أنفي ودخلتْ وأنا أبصر من خلال ثيابها الرقيقة ملابسها الداخلية”- الرواية، ص85-86.([8])
ويعمّق من الدلالة التي تريدها الرواية لصورة هذه الشخصية، كما أرادها الروائي، أنه لا يجعل من سلوكها هذا استثناءً بل هو يؤصّله، حين يكرر مثل هكذه مشهد أو موقف أو فعل، بل يطوره. ففي مكان آخر من الرواية يقول البطل: “فتحت الباب. دخلتْ ودعتني للدخول. غابت لحظة لا أدري في أي غرفة. كنت خلالها أحدّق كالمخبول في صورتها الكبيرة بالشورت القصير تمسك بمقبض كرة التنس وتبتسم ابتسامة عريضة. عادت بقميص شفاف بعد أن تخلّصتْ من رافعة الصدر، ولم ألمح تحت القميص سوى سروالها الداخلي الأبيض الصغير.” [الرواية، 86].
وفي نهاية الرواية تترك هذه الزوجة الإنكليزية زوجها العراقي لتهرب مع أمريكي، وهو الفعل الذي يبرّر الروائي به الصورة التي رسمها لنا بطله العراقي العربي لها.
أما في رواية “قبو العباسيين” لهيفاء بيطار، فتسافر البطلة (خلود) مع أمها إلى لندن حيث يدرس أخوها، لتنقل لنا الرواية من خلال وجهة نظر هذه البطلة ما يبدو لنا زيفاً غير مقنع، فتقول:
“كان أخوها قد غدا طبيباً، ويعيش مع صديقته الإنكليزية، كانت في الرابعة عشرة وردة حلوة متفتحة، وجه يتضرج بحمة الشباب.
“سألتْ أمَّها: من هذه الإنكليزية التي تعيش مع أخي؟
“ردّت بيقين: إنها صاحبته.
“- ولكن، كيف تعيش معه في غرفة واحدة؟ أليس هذا عيباً؟.
“وترد الأم بلا مبالاة: في بلادنا عيب، في بلادهم ليس عيباً.
“تسأل محتدة: ولكن الأخلاق هي الأخلاق، فكيف تختلف؟!
“- أوه، يا خلود. هكذا تختلف.
“وتتابع باحتداد: ولِمَ لا يتزوجها، تصير علاقتهما شريفة؟”- الرواية، ص292-293.([9])
فواضح هنا الأخطاء التي ترتكبها الكاتبة، والاضطراب في الرؤية القائمة على فهم خاطئ مسبق للغرب وللمرأة الغربية وذلك بناءً على الآتي: أولاً إذا كانت إقامة امرأة مع شاب بدون زواج في الشرق عيباً، فأنْ يعيش شاب بالغ مع فتاة في عمر أربع عشرة سنة ويقيم علاقة جنسية معها في الغرب ليس عيباً فحسب، بل هو إما جريمة، أو انحراف، أو شذوذ أو مرض. بتعبير آخر هو ليس وارداً أبداً إلا إذا كان الرجل منحرفاٌ أو مجرماً، وعليه فمثل هكذا حالة يقتضي محاكمة الرجل أو حجزه أو معالجته.
**
مجموعة هذه الصور، وغيرها كثير، تدلّل على أن الكثير من الروائيين العرب قدّموا الغرب متخيّلاً أكثر منه واقعياً وحقيقياً، وهو متخيّل مبني مسبقاً في الغالب، ومتأثر في ذلك بعوامل عديدة كثيراً ما تُخرجه عن الحقيقة. وهنا تلتقي هذه الرؤية إلى حد كبير مع الرؤية التي قدمها خطاب الاستشراق للشرق، كما وضع اليد عليها إدوارد سعيد، لتعني بالتالي، ومن وجهة نظرنا، أن أي نظرة (أنا) لآخر لا بدّ أن تخضع لتأثر صاحبها بعوامل ذاتية وخارجية، لتُخرجها بدرجة أو بأخرى عن مطابقة الواقعي والحقيقي، وهي لا تستهدف، بالضرورة، تشويه صورة الآخر، كما نزعم أن إدوارد سعيد ذهب، حتى وإنْ وقع هذا.
[1]) يُنظر د. نجم عبدالله كاظم: نحن والآخر في الرواية العربية المعاصرة، المؤسسة العربية للدرسات والنشر، بيروت، 2014.
[2]) إدوارد سعيد: الاستشراق المعرفة، السلطة، الإنشاء، نقله إلى العربية كمال أبو ديب، بيروت، مؤسسة الأبحاث العربية، ط4، 1995.
[3]) د. حسام الآلوسي: صور نقدية للاستشراق التقليدي والجديد، مجلة (الاستشراق)، بغداد، ص35.
[4]) يُنظر المرجعع السابق. ص35-26.
[5]) المرجع السابق، ص36.
[6]) رضوى عاشور: الرحلة، يوميات طالبة مصرية في أمريكا، مكتبة مدبولي، ط3، القاهرة، 1987.
[7]) عواد علي: حليب المارينز، دار فضاءات للنشر والتوزيع والطباعة، عمّان، 2008.
[8]) علي خيون: العزف في مكان صاخب، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1987.
[9]) هيفاء بيطار: امرأة من طابقين، مع (يوميات امرأة مطلقة)، و(قبو العباسيين)، دار الأنوار للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2004.