اسئلة انغام

1.المصاعب التي واجهت الكاتبة العراقية في فترة حرب التسعينات وما بعدها اثناء الحصار الاقتصادي ( تناول الموضوعات, الرقابة, الطبع, النشر)

  • كان الطبع محدوداً جداً بالعراق وبجودة منخفضة جداَ.ولكن الأصعب من ذلك هو وصول مانكتب الى القارئ بسبب إنصراف الناس إلى أوليات أهم كالطعام والملبس لهم ولأولادهم ..والمفارقة إن الثقافة أصبحت في نهاية سلم الأوليات ليس بالنسبة للقارئ فقط ولكن بالنسبة للسلطة أيضاً..ولهذا لم يعد الالتفات الى الأدب محسوساً إلا بأضيق الحدود ..كانت رواتبنا بالكاد تسد الرمق فعمد الكثير منا إلى بيع مقتنايته الثمينة أو مكتبته من أجل توفير لقمة العيش لأطفاله ووصل الأمر معنا إلى بيع خواتم زواجنا…أما الرقابة على الأدب فدخلت في حالة التعب والإنهاك التي عانت منها كل مفاصل الثقافة..فكانت ثمة ثغرة استطاع من خلالها بعض الكتاب التحدث بجرأة عن الوضع العام ومنهم الشاعر رعد عبد القادر الذي أصدر ديوانه (دع البلبل يتعجب) وفيه تهكم وبمرارة شديدة على ماآلت إليه أوضاع الحصار القاسي . روايتي (العيون السود) مثلاً صدرت خلال تلك الفترة وهي بانوراما لحياة الناس وقت الحصار من خلال يمامة الرسامة التي تقع في حب رجل جعله الحصار ينقلب من انسان ملتزم الى (إبن سوق) .ومن خلال هذه الثيمة تقدم الرواية عقداً كاملاً من حياة زقاق بغدادي تسكنه الكثيبر من العوائل. البطلة تتعاطف مع (عبد الكريم قاسم) أول زعيم عراقي بعد الثورة على الملكية، باعتباره مات فقيراً وكان نصيراً للفقراء. وهذا التعاطف كان خطاً أحمر أيام النظام السابق لأن التاريخ كان يكتب من وجهة نظر أخرى مغايرة. مع هذا مرت الرواية دون أن ينتبه إليها النظام مع العلم إن الناقد السوري نبيل سليمان نوه بها واصفاً أياها بأدب الرفض في صحيفة الحياة اللندنية.

2.هل من قراء زمن الحرب والحصار؟ اقصد ماذا عن القارئ العراقي زمن الحرب والحصار؟ هل ان القراءة انحسرت بسبب الوضع الاقتصادي ام ان القارئ العراقي قد عانى ما عانى ولم يعد يرغب في قراءة ما يذكره بالفواجع؟ ام ان العكس هو الصحيح فالقارئ العراقي يشعر بالانجذاب لكل ما يذكره بالحروب بل ويتحدث بلسانه وينوب عنه في التعبير عن مأساته؟

  • نعم انحسرت القراءة بشكل لافت ..بسبب شحة النقود وانصراف الناس الى توفير لقمة العيش ومستلزمات الدراسة لأولادهم..ولكني كنت أتواصل مع القراء من خلال عملي في مجلة اسبوعية هي ألف باء.وكنت أعمل على تحرير صفحتها الثقافية بالإضافة الى كتابتي الكثير من المقالات والتحقيقات التي تمس حياة الناس وقت الحصار..وهذا مما جعل العلاقة مع القراء متواصلة لأن المجلة كانت مقروءة ورخيصة الثمن ووفرت فرصة للكثير من الأقلام هذا التواصل مع القراء..وبالنسبة لعزوف القارئ عن الفواجع التي عاشها على أرض الواقع، فهذا يتوقف على الطريقة التي يتناول بها الكاتب موضوعه وكيف يمكنه أن يجعل عنصر الإمتاع والشد حاضرين في الرواية وكذلك عدم نقل الواقع كما هو بل تقديمه داخل شحنة عالية من الـتأمل بحيث تبدو الواقعة قد تكررت بطريقة تبعث على السلوان.

3.وماذا عن وضع الكاتبة العراقية الان؟ ( فترة ما بعد ال 2003) هل التحديات اكبر الان ام ان مجال التعبير قد انحسر بسبب الوضع القائم؟ وماذا عن ظروف الطبع والنشر في هذه المرحلة؟

  •   المرأة دائماً هي أول من يدفع الثمن في مثل هذه المحن والاضطرابات.. انظري إلى تضحياتها ومعاناتها في دفتر الحصار، ستجدين أنها العمود المتين الذي حافظ على ثبات البيت العراقي وديمومته، والآن ايضاً هي سفينة النجاة التي تنقذ البيت من التشتت والضياع.. المرأة لديها قدرة فكرية وفطرية على إدارة أزمات بيتها في أحلك الظروف، وتستطيعين اعتبارها حكومة مصغرة داخل أسرتها، فهي بقلب الأم تستوعب وتمتص كل الصدمات والمشاكل التي يمر بها أبناؤها، وبعقل المرأة المرتب تتغلب على كل الصعوبات الاقتصادية التي يمر بها البيت.. ومهما كانت الظروف صعبة ستجدين المرأة العراقية تعمل وتكدح وتنهي دراستها العليا وتدير بيتها على أحسن وجه. أما ما تمر به الآن من ظروف صعبة واستثنائية فلا بد أنها ستعيق تطلعاتها، ولكنها لن تثنيها عن مواصلة المسير…إنها الآن تواجه أكثر من صعوبة بسبب سيطرة التيارات المتشددة على المشهد السياسي ولكن هناك حرية أكبر في مجال الصحافة وانتقاد السلطة وكشف ملفات الفساد أما الطبع فلا زال محدوداً لهذا يلجأ أغلب الكتاب الراغبين بالانتشار إلى الطبع في دور نشر عربية.

    4  .وايضا ماذا عن القارئ العراقي الان؟

  • نعم هناك عودة إلى القراءة مع تحسن المستوى المعيشي وعودة الحياة الى شارع المتنبي الشارع الرئيسي لبيع الكتب في بغداد ولدى زيارة الشارع أشعر بأن الشغف بالكتب يعود إلى سابق عهده ..وإن هناك أيضاً موجة بين الشباب للدراسات العليا ..ما يفتح المجال للدارسين للتواصل مع الكتاب..صحيح إن هناك مداً دينياً وإقبالاً على الكتب الدينية وذات الطابع الميتافيزيقي ولكن  الإقبال على الروايات وكتب السيرة والاجتماع والكتب الفكرية موجود أيضاً خصوصاً تلك التي كانت ممنوعة في السابق والآن تدخل الكتب الى الأسواق برقابة أقل هي رقابة مجتمعية إن جاز التعبير وليست رقابة السلطة..وبمرور الوقت قد تتوازن الامور.

5.هل ان خروج الكاتبة من البلد اتاح لها فرصة اكبر في التعبير وابعدها عن الاضطرابات؟ وهل ان وجودها في خارج البلد منحها فرصة اكبر للنشر والانتشار؟ وماذا عن القارئ العربي؟

  •     الغربة تأخذ ولا تعطي.. فالذين طالت غربتهم نضب خزينهم الوجداني أو كاد. ولا يمكن إنكار أن السفر يجعلك تستنشق عطر تجربة جديدة وارتياد آفاق جديدة لا يمكن ارتيادها بدون السفر كذلك فإن الشعور بتغير المكان قد يعطي حافزاً مختلفاً للكتابة… ولكني أعتبر نفسي غير موجودة عندما أكون خارج العراق… وعندما أعود إليه أعود إلى نفسي قراءةً وتأملاً وانتماءً.. لم اعتبر نفسي مغتربة عن العراق في يوم من الأيام، إنما (مسافرة) ولست مهاجرة والفرق شاسع بين الاثنين… أنا وأولادي نشعر بالأسى لذلك وكأننا أسرى هناك. هذه المشاعر والأفكار كنت أعرفها سلفاً قبل أن أجربها ولم أكن أنوي اختبار نفسي، لكن القدر وضعني في هذه التجربة على مدى سنوات، ولا تدرين كم جعلتني تلك التجربة أعاني، فأنا أعرف أن مكاني هو العراق. هذا الإحساس هو حنين عراقي بامتياز، فغير العراقي قد يتأقلم مع أي مكان يجد أن القدر قد ألقاه فيه، لكن العراقي لا يتأقلم. هذا شعور الإنسان العادي، فكيف بحساسية الكاتب الاستثنائية؟ ولكن الغربة منحتني فرصة التفرغ إذ وضعت نفسي بين قوسين من الصمت ورحت أنصت لأفكاري جيداً..وحدث شئ غريب فيما يتعلق بهذا..وهو إن الأفكار كانت تحفز بعضها بعضها وتتدفق بشكل يصعب علي اللحاق به . أما من حيث النشر ففعلاً كانت هناك فرصة كبيرة للنشر في دور نشر عربية ذات توزيع جيد وأعدت طبع بعض أعمالي السابقة أيضاً.

6.ما رايك باهمية الترجمة في التعريف بما يكتب خارج نطاق البلد الام؟

  • الترجمة هي مايطمح له الكاتب لكي تصل أعماله الى القارئ العالمي..وبدونها يصبح الأثر باتجاه واحد (منهم ألينا فقط)..اما تأثيرنا عليهم فغير موجود بسبب ضعف الترجمة وعند وصول موجتنا إليهم يكون الزمن قد تجاوزها أوقد لا تصل أصلاً.. والنتيجة إتها قد تضيع ولا يعرف بها أحد. وأستغرب جداً لماذا لا تهتم المؤسسات الغربية بترجمة الأدب العراقي الذي يعطي الصورة الأدق عن الحرب..ككاتبة لاأؤمن بالتصريحات السياسية ولكني أؤمن باللاوعي والحلم وبتعبيرات الجسد..ولهذا عندما أنظر إلى وجوه الساسة قد أستطيع تقشيرها والنفاد إلى ماوراءها من حقيقة..مع الأسف لا يتبقى الكثير من الصدق بعد تلك القشرة .وهنا يأتي دور الرواية لإنقاذ ماتبقى.

7- العالم ناقصاُ واحد كم فيها من الخيال وكم من الواقع؟ وبشكل عام شهادة الكاتب كم فيها من الخيال وكم من الواقع؟

  • التجربة الخبرية في (العالم ناقصاً واحد) لم تكن تخصني وإنما سمعتها من زميلة لي في العمل..ولكن التجربة الوجدانية تخصني لأني فقدت أخاً شاباً في الحرب العراقية الأيرانية وأعرف جيداً مشاعر الفقدان الأليمة والعذاب الذي مررنا به بعد سماعنا الخبر ووصول الجثمان إلى البيت. وبشكل عام يقال أن ستين ألف فكرة تمر برأس الإنسان في اليوم الواحد وبالتأكيد أن الكاتب يأخذ منها ما يتساقط من الشجرة إلى أعلى أو إلى الأرض. ثم تتلبسه تلك الفكرة مثل صوت يتردد في الرأس ولايستطيع منه فراراً..عندئذ تلعب تلك المصادفات الخفية التي تحدث لكل البشر دوراً في إنضاج الفكرة فينتبه لها الكاتب(أي لتلك المصادفات) لأنها تخص عمله وليس لأنه أكثر ذكاء من باقي البشر..الفكرة قد تبدأ ببخار يتصاعد من قدح شاي أو حدث صغير في بيت مسكون أو مهجور …الموضوعات مطروحة على قارعة الرصيف كما يقول الجاحظ..وليست ثمة مشكلة في التقاطها..ولكن البعض منها يفاجئني وأنا أراه فلا يمكن أن أدعه يذهب سدى أو يمحى من الذاكرة..بشكل عام أنا أنطلق من حدث بسيط يستوقفني في الحياة ..ولاأستطيع الهروب منه..سأضرب لك مثلاً بقصة(أقصى الحديقة)..كنت عائدة إلى البيت فرأيت طفلاً منغولياً يخرج رأسه من نافذة السيارة ويبدو في غاية السعادة..فقلت لنفسي ترى بماذا يفكر وهو يرى العالم ..لعله أسعد خلق الله ولايستحق الإشفاق عليه بل نحن الذين نستحق الشفقة .. لاحقاً عندما انكتبت تلك القصة اتخذت مساراً آخر من خلال الأم الغائبة التي تتحدث إليه..ودون أن أقصد دخلت ثيمة الحرب على الخط..فبدا ثمة خلل في التواصل بسبب حادث ما..وهنا أتوقف عند مسارات القصة التي تفرض نفسها إلى الكاتب…إنها عجيبة وتعمل مثل الحلم ولا أملك لها تفسيراً علمياً دقيقاُ.
  • مع أدب الفواجع هل يمكن للكاتب ان يكتب سيرته الخاصة ويتحمل مسؤولية شهادته؟
  •   كنت دائماً معنية بالأدب كرسالة لإنسان يهتم بإعلاء قيم الجمال ونشرها فيما حوله، ولولاها لكان العالم قد تحول الى صحراء قاحلة .. وكنت دائماً أكتب من قلب يحزن أو يفرح ولا يمكنه السكوت على المظالم مهما كان شكلها، والصحافة أعانتني في استيعاب ما لا يمكن استيعابه في الأدب، فكنت إذا ما رأيت حفرة في الشارع أو إذا ما حدث عدوان على غزة تأخذني الحمية نفسها للكتابة. وطبيعي إن المسؤولية خطيرة ولهذا يقلق الكاتب حول ذلك من ناحية الأمانة وليس من ناحية الخوف لأن الذي يخاف لا يكتب أصلاً.
  • في حلم وردي قاتح اللون لو كان الكاتب رجلاً هل كان يستطيع نقل صورة الواقع بكل تفاصيلها؟وهل الكتاب النساء أقدر على وصف المعاناة من الكتاب الرجال؟
  • عندما تكتب المرأة فإنها تمتثل لخصوصيتها وطبيعتها الوجدانية التي تختلف عن طبيعة الرجل، فهو بطبيعته عزوف عن أمور البيت وشجونه، بينما المرأة تحافظ على تماسك البيت… ولذلك فهي تتشبث بأسباب الحياة ولها قوة في البقاء تفوق قوة الرجل، ولديها أهم عناصر إدامة الحياة ألا وهو الحنو والعطف على المخلوقات الصغيرة والحزن على فقدان الأعزاء بأضعاف ما يحزنه الرجل. وعندما تكتب المرأة فلا يمكن إلغاء كل هذه الخصائص والصفات من طبيعة ما تكتبه.. ومثلما هي أم في البيت ستكون أما في الكتابة تحاول لملمة ما تبعثر وتعمل على تضميد الجراح ولا يفوتها أن تزرع نبتة هنا أو وردة هناك.. ومع احترامي للرجال فإنك إذا دخلت إلى غرفة لا توجد فيها امرأة ستجدينها مظلمة حتى لو كان الوقت نهاراً… المرأة بطبيعتها تحب الألوان والإكسسوارات وكل الاشياء المبهجة والجميلة.

الآن يشهد العالم العربي ثورة غير مسبوقة في مجال الأدب الروائي الذي تكتبه المرأة وعندما يرى ويكتب ويروي هذا الكائن الذي أُغلقت دونه كل النوافذ فيما مضى سيجعلنا نرى العالم مرة جديدة من إتجاه آخر هو إتجاه القلب ، وقد يتضايق بعض الرجال من هيمنة هذه الثورة ويبخسها حقها، دون أن يدرك هذا البعض أن قمعه للمرأة هو الذي جعل منها كائناً ثانوياً. والآن عندما يتحدث هذا الكائن(الثانوي) يتشوق الجميع لمعرفة ماذا يقول.. وكم جميل أن يكتب إنسان عن العالم من جهة القلب والوردة  وأن يرويه كما لو كان يراه  للمرة الأولى.

  1. هل ردود فعل القارئ وتقبله لأدب الحرب أعلى أم أقل باعتباره عانى الكثير بينما القارئ الخارجي يريد أن يعرف.
  2. لربما القارئ الخارجي يريد أن يعرف أكثر..هذا صحيح. لأن القارئ العراقي قد تشبع بالحرب وويلاتها ولكن كما قلت لك هذا يتوقف على طريقة التناول وماهي مدى جدة الثيمة المطروحة.. وأيضاً وجدت إنه يمكن تناول الواقع عن طريق السخرية وهذا مافعلته في روايتي الأخيرة(حفيد البي بي سي) التي أردت فيها تقديم صورة رقيب مطبوعات من خلال السخرية..وشخصية الجدة في الرواية تمثل الشخصية العراقية إلى حد ما ولكن بطريقة تهكمية فهي تعشق الثورات والانقلابات التي تتردد أخبارها في اذاعة البي بي سي وأيضاً تقلد الملكة اليزابث الثانية في كل تصرفاتها أي إنها لا تفعل الشئ نفسه وإنما شبيه الشئ ..أي أنها تدعي الرقي و(تتعنطز) بسبب الإحباط الذي تعاني منه فقد كانت تأمل أن يحدث شئ جيد بعد كل ثورة ولكن لم يكن ليحدث شئ…وهذه التجربة جديدة علي تماماً ولكني شعرت إن القارئ قد مل من النكد والقهر وأنا أيضاً مللت فأردت أن أنقل الصورة عن طريق الضحك ..لما له من قدرة على تفكيك الأحقاد والعقد والكراهية.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

حوار منبر العراق الحر

القاصة والروائية العراقية الكبيرة ميسلون هادي بضيافة مقهى الماسنجر الثقافي منبر العراق الحر15-2-2025 يبقى الشيء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *