ميسلون هادي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ما هو النموذج الذي تريده ميسلون هادي للمرأة؟ وكيف قدمت صورة المرأة في رواياتها؟
– لم أكن أنوي في كتاباتي التركيز على المرأة تحديداً، فأنا كروائية تستهويني الكتابة عن الطفل والوردة والشجرة والفراشة والبيت وكل شيء، لكني وجدت نفسي، دون أن أقصد، أركز على بعض قضايا المرأة المهمة في كتاباتي. وأستطيع أن أقول قليلة جداً رواياتي التي لم تقدم صوت المرأة كما أريد له أن يكون.. أي أن يكون حاضراً ومعبراً عن إرادة حرة لا يصادرها المجتمع الذي يمثله الرجل. وقد جاءت بعض الشخصيات النسوية التي قدمتها بعيدة عني ولا تشبهني، مثل الشخصيات النسوية في (نبوءة فرعون)، و(ماري وزينب وياسمين)، حيث ابتعدت فيها عن شخصية المرأة المثقفة أو الرسامة أو المتحققة ذاتها، وقدمت شخصيات شعبية وبسيطة وغير متعلمة، بل وتعاني من مشاكل وتبعات الاضطهاد المجتمعي، الا أنها تبقى في النهاية ذكية ومؤثرة وحاضرة بقوة داخل عائلتها أو حتى عالمها المحدود.
- هل تختلف كتابات المرأة عن كتابات الرجل ؟ وما مدى قدرة الكاتبة العربية على تقديم صورة المرأة بشكل أدق وأعمق مما يقدمه الكاتب الرجل؟
- المفروض أن لا تحمل رواية المرأة خصائص مختلفة عن تلك التي يكتبها الرجل، لأن المشترك ما بينهما هو السرد كما يجب أن يكون، مع ذلك فان المرأة ترى العالم بطريقة مختلفة عن الرجل، وتقدم هذا العالم من خلال هويتها كإمرأة، كما وتراه بعيونها هي كإمرأة، وتعبر عن همومها المختلفة عن هموم الرجل، وأضرب مثلاً على ذلك بموضوعة الحرب التي أضاءت الكاتبة تداعياتها على المجتمع بعيداً عن جبهات المعارك والخطوط الأمامية للحرب.
- هل أسهمت الرواية النسوية العربية والعراقية في ترجمة الواقع وإعادة تشكيل الوعي لدى المجتمع العربي حول المرأة العربية وحقوقها؟
– أهم ما يُطرح في الرواية التي تكتبها المرأة هي قضايا المظالم التي تعاني منها المرأة في مجتمع ذكوري، علاوة على قضية حرية المرأة ونفي الفوارق استناداً إلى الجنس/ الجندر، وضمن ذلك بالطبع يحضر تاريخ طويل من الباترياركية، ونضال المرأة للتمرد ضده، ومن الطبيعي أن القاريء الذي يطلع على الرواية النسوية سيجد طروحاتها عن المرأة مقدمة بشكل أدق، لأنها متبناة من خلال كاتبة تعتمد خطاب وطروحات المرأة نفسها، وفي النهاية ستخدش هذه الطروحات بعض المفاهيم الخاطئة لديه، وتفرض عليه حالة جدل أو مراجعة لما كان قد تربى عليه سابقاً.. إذ أن هناك تاريخ طويل من ثقافة اقصائية لم نسمع خلالها سوى صوت الرجل، ولدى الكاتبة نزوع كبير لأن تكون مشاركة بهذا التاريخ.
- هل غيرت الرواية النسوية من طرق التفكير العربي من وجهة نظر الكاتبة؟ وكيف ترى المجتمع النسوي اليوم؟ وهل مازالت المرأة العراقية اليوم مقهورة اجتماعياً أم تغيرت النظرة النمطية اتجاه المرأة كونها في الوقت الحاضر مشاركة في مختلف قطاعات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأدبية؟
– الرواية العراقية النسوية كان حضورها خجولاّ متواضعاً في منتصف القرن الماضي، أي خلال الخمسينات والستينات، ثم انتقلت إلى الحضور الفاعل في السبعينات والثمانينات من خلال تجارب مهمة وفردية للعديد من الروائيات العربيات.. أذكر من العراقيات سميرة المانع ولطفية الدليمي وابتسام عبد الله وعالية ممدوح في روايات مثل (الثنائية اللندنية) و(السابقون اللاحقون) لسميرة المانع و(ليلى والذئب) و(حبات الفتالين) لعالية ممدوح، أما لطفية الدليمي فصدرت لها أعمال مثل (عالم النساء الوحيدات) و(من يرث الفردوس) و(بذور النار) في الثمانينات، وتبع ذلك (فجر يوم وحشي) و(ممر الى الليل) لابتسام عبد الله.. كل هذ التجارب الروائية في العراق شكلت انعطافة نوعية لافتة، حتى جاءت التسعينات فشكل النتاج الروائي طفرة كمية ونوعية ترسخت بعد الألفينات. أما عن المرأة العراقية فأعتقد أنها انتقلت من الذات المنكسرة أو المجروحة إلى الذات الفاعلة، فانصرفت الى تحقيق هذه الذات، وانخرطت في شتى الأعمال والوظائف، بل أن نسبة إقبالها على الدراسات العليا مثير للإنتباه. غير أن وضعها يبقى مختلفاً في الأرياف حيث لا زالت الكثير من التحديات موجودة من خلال بعض التقاليد الاجتماعية السائدة.
- هل ترى الكاتبة أن الأدب النسوي الحالي يرضي التطلعات والمقاصد الأدبية من خلال ظهور العديد من الكاتبات في الآونة الأخيرة؟
– هناك مايشبه الثورة في الأدب الذي تكتبه المرأة، وشهد العقدان الأخيران ازدياداً كبيراً في مجال أعداد الكاتبات اللواتي يعبرن عن هموم وهواجس المجتمع الحقيقية، كما أصبحت الكثير من المؤتمرات تُعقد لهذه الظاهرة، وصار الإقبال على الأدب النسوي كبيراً من قبل القراء، والكاتب العربي أيضاً يحاول فهم هذه الظاهرة من جديد والنظر اليها من موقع الناقد المحايد، كما فاز الكثير من نتاج هذه الظاهرة بجوائز وتقييمات أدبية رفيعة المستوى، ومع مرور الزمن، وتراكم الخبرات الحياتية والفنية، ستكون الكتابة النوعية حاضرة بقوة بغض النظر عن الخانة التي توضع فيها.
- هل طغيان السلطة الذكورية يهدد الرواية النسوية العربية بالتقليل من قيمتها؟
– لدي مقالات كثيرة حول هذا الموضوع جمعتها في كتاب عنوانه (التلصص من ثقب الباب) صدر عن دار المامون للترجمة والنشر في بغداد، ففي الأغلب الأعم لا ينظر الناقد أو الكاتب العربي الى كاتبة معينة أو الى ما تكتبه مباشرة، وإنما ينظر اليها من خلال الخانة او الـ(Category) التي تنتمي اليها هذه الكاتبة، ألا وهي خانة الأدب النسوي.. وما من شيء غريب في هذه الطريقة من النظر، ولكن ثمة نزوع إلى الترفع بطريقة لطيفة وخفية عن ضم الأديبات الى مجتمع أدبي فعال، أو الاعتراف الندي (المنزه عن النظر اليها كدمية لتجميل المشهد الثقافي) بهن كعنصر مناوئ وغير ثانوي. وكلما قرأت رأياً لكاتب عربي أو انتهيت من مقابلة منشورة معه، وجدت أنه من النادر أن يستشهد بكاتبة، أو يقتبس منها أو يحيل الى عبارة قالتها أو كتبتها، كما أنه لا يذكرها إلا عندما يُسأل فقط عن رأيه بالكاتبات من النساء، فينبري حينذاك لتوزيع الهدايا على الحبابات الشاطرات، ويقول ما لا يضر ولا ينفع في الثناء على الجميع. ومن الموحش أن يفكر (بعض) مثقفينا، ممن يرفعون شعار تحرير المراة، بتلك الطريقة، ويواصلون إقحام المرأة ضمن أولويات تمردهم وتقدميتهم واختلافهم عن الآخرين، ولكنهم يفعلون ذلك بشكل مستفز يجب النظر إليه بحذر وعدم تقبله ببراءة وحسن نية، لأنهم قد يتحججون بالثقافة والحداثة لتبني حرية المرأة في التعبير عن نفسها أدباً وفناً وسياسةً……..الخ. وواقع الحال أن هناك طوقاً سميكاً من الريبة وتقليل الشأن يفرضه الرجل أحياناً على كتابات المرأة، وبعضهم قد يعتبر أدب المراة موضوعاً للتحديق والبحث عن خفايا الصورة المحظورة، وكأنهم في النهاية يريدون التلصصص على أدب المرأة من ثقب الباب.
- كيف واجهت الرواية النسوية العراقية الحروب والانتفاضات والأنظمة العامة؟
– المرأة لديها قدرة فكرية وفطرية على إدارة أزمات بيتها في أحلك الظروف، ويمكن اعتبارها حكومة مصغرة داخل أسرتها، فهي بقلب الأم تستوعب وتمتص كل الصدمات والمشاكل التي يمر بها أبناؤها، وبعقل المرأة المرتب تتغلب على كل الصعوبات الاقتصادية التي يمر بها البيت..المرأة هي التي أدارت بيتها في فترات الحروب والحصار وماتلاها من ويلات، وهي التي حافظت على بيتها من الضياع.. وبهذه الطريقة نفسها تحدثت في رواياتها عن الحرب، أي أنها كانت القلب الكبير الذي يتسع لجميع الأبناء، ولا يستجيب لاشتراطات الرجال وصراعاتهم على السلطة والنفوذ.
- هل تعبر الرواية النسوية العربية عن الواقع المسكوت عنه؟ وهل تفضح الرواية النسوية العربية المجتمع الأبوي الذكوري؟
– مع الأسف بعض الكاتبات واجهت هذا المجتمع الذكوري بطريقة خاطئة وسلبية، لأنها ركزت على الأنثوية في خطابها، واستجابت لعقدة القاريء العربي بالتلصص من ثقب الباب على الصورة المحظورة في تجارب المرأة، وهذا مفهوم خاطئ للجرأة، لأن الجرأة تتحقق بطرح موضوع كبير ومهم، لا بتلبية حاجة القارئ العربي المتعطش للمرويات الحسية، خصوصا إذا كان مصدر هذه المرويات هي المرأة نفسها. من جهة أخرى فإن الكثير من الكاتبات تجاوزن وتحدين سلطة الرقيب الاجتماعي من أجل طرح مواضيع كبيرة ومهمة تكشف تمظهرات تلك النظرة الأبوية الصارمة التي اضطهدت المرأة وحددتها بدور ثانوي لايمكن الخروج عليه بسهولة.
- هل تعمدت الكاتبة بإ ظهار الرجل بالصورة السلبية في أغلب رواياتها؟
– الكاتبة من هذا النوع هي أبعد ما تكون عن النضج، فهي استعملت الكتابة كشعار حماسي منحاز يُرفع في تظاهرة، وليس كدور مهم وانساني في الحياة.
- هل كان تجسيد الكاتبة نظرة الرجل للمرأة كجسد من خلال شخصية تحسين وتعدد علاقاته المشبوهة مع عدد من النساء ومنهن لمياء المختلة عقلياً؟
– الرواية عالم مليئ بالشخصيات السلبية والإيجابية، وفي (العيون السود) قدمت شريحة حياة من زقاق بغدادي في فترة التسعينات، وستجد فيه الكثير من النماذج السيئة والجيدة والرومانسية والمريبة، بل والكريهة تماماً كما هو الحال مع تحسين في الرواية، أوالطريفة والمحببة أحياناً كما هو الحال مع شخصية كاظم البغدادي.
- هل كانت الحروب هي المادة الأوفر في السرد الروائي وما هو السر الذي يكمن وراء تكرار الحروب في روايات ميسلون هادي؟
– ربما تكون الرواية العراقية من أكثر التجارب الروائية العربية تعاملاً مع الواقع، ونظراً لأن هذا الواقع شهد الكثير من المحن والحروب، فمن الطبيعي أن ينعكس هذا الواقع على ما انكتب من روايات، خصوصاً بعد العام 2003، حيث صدرت مئات الروايات منذ ذلك الحين، وهذا الكم أفرز طيفاً واسعاً ومتنوعاً من التجارب الروائية، ومن هذه التجارب كانت تلك المكتوبة بأقلام النساء، والتي تنظر للتجربة من منظور مختلف عن المنظور الذكوري، بل هي تسمع وتتكلم وتحس بطريقة مختلفة أيضاً، إذ سنتعرف مثلاً في (العالم ناقصا واحداً) من داخل البيت على ما يدور خارجه.. فالصمت بين الأب والأم كان حاضراً أكثر من أصوات القذائف والرصاص، ومن خلاله ينتقل إلينا إحساس الفقد الذي يشعران به، في روايتي الأخرى (حلم وردي فاتح اللون)، ستكون الأجواء المرعبة حاضرة داخل غرفة واحدة كانت الملاذ لـ (ياسر) هروباً من تهديدات تلك الأوضاع، أما في (أخوة محمد) فالحديقة هي المكان الذي تدور فيه أصداء وتداعيات الحرب. وبالتأكيد فإن هذا المنظور (النسائي) ليس هو المعتاد أو المألوف لتناول أجواء الحروب والاقتتال الطائفي.
- هل الحروب هي السبب الكامن والخفي وراء هيمنه الرجل على المرأة والتعامل معها بدونية؟ وهل الفقر دافع للعنف الأسري من وجهة نظر الكاتبة؟
– التاريخ، بسبب أحاديته الذكورية، قد حرمنا من معرفة كيف تفكر المرأة، فلم نر العالم إلا من وجهة نظر الرجل، وهذا الرجل هو في نهاية المطاف جزء من المجتمع الذكوري الذي يقوم على استصغار المرأة وتهميش قدراتها العقلية وعدم النظر اليها مناوئاً او نداً للرجل،. كما وما زالت فكرة الامتلاك تسيطر على وعيه في نظرته المقتضبة إلى المرأة بصورة الجسد لا العقل… ولكن لو قيض للرجل أن ينفذ الى وعي المرأة لوجد الفكرة الأهم فيه هي الحفاظ على ديمومة الجمال، وعلى الإهتمام بحياة جميع المخلوقات، وعلى طمأنينة البيت وإدارته بالحنان لا بالعنف. مع الأسف، فإن الرجل يسمي هذا العقل بعقل نسوان (يعني أنه أقل أهلية من عقل الرجل). بينما هذا العقل هو الذي يعطي للوجود معناه الأجمل. وعندما تكتب المرأة فأنها تنقل وعيها المسالم هذا الى الكتابة وتشخذ بروحها المتواضعة الهمم من أجل اقتفاء مواطن الخلل ثم تغييرها الى الاتجاه السليم.. أما الفقر فيضيف أزمة جديدة إلى كل تلك الإشكاليات تكون فيها المرأة ضحية للرجل، الذي هو بدوره ضحية لذلك الفقر، أو الوضع المتخلف الذي يعيشه.
- ما هو السبب وراء عدم إبراز شخصية يحيى في رواية نبوءة فرعون بشكل واضح ولماذا تركت النهاية مفتوحة؟ ولماذا كانت شخصية مثنى غامضة؟
– شخصية مثنى هي نتاج من نتاجات الحصار، الذي فُرض على العراق في تسعينات القرن الماضي، حيث تحول من شاعر إلى ابن سوق يتاجر بالعملة وما إلى ذلك، ولهذا تتأرجح شخصيته بين الرومانسية والانتهازية، وهو يضيف غرابة لشخصيته من خلال مفاجآته، و هذا النوع من الغموض كان مقصوداً لجعل مثنى شخصية مثيرة للجدل، فقد كرهه بعض القراء، وأحبه البعض الآخر .. فكان وجوده في الرواية مؤثراً أثناء الكتابة وأثناء القراءة. أما يحيى فإنه لم يمت، وظلت النهاية مفتوحة على الكثير من الإحتمالات.