أجمل حكاية في العالم – هدية حسين

ميسلون هادي تكتب «أجمل حكاية في العالم»


  هدية حسين   25/1/2015 جريدة الصباح أحدث رواية لها… لم تفاجئنا ميسلون هادي  بانعطافتها نحو السخرية في روايتها الجديدة (أجمل حكاية في العالم)الصادرة مؤخراً عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، إذ سبق لها أن كتبت بعض القصص الساخرة في التسعينيات، كوحش الشاشة، وزينب على أرض الواقع، ثم انتقلت بعد القصة القصيرة نحو التهكم في الرواية، من خلال روايتها الساخرة الأولى (حفيد البي بي سي) الصادرة العام) 2011، وأخيراً جاءت روايتها ( الجديدة (أجمل حكاية في العالم وهي تعتمد السخرية أكثر من الرواية التي سبقتها.
فلماذا أسلوب التهكم والسخرية، ونحن في أشد حالات الأحزان وأكثرها ظلاماً في النفوس؟ بل نعيش في زمن اختفت فيه الضحكة التي كانت تخرج من الأعماق وسط ركام المآسي؟ سنترك ميسلون هادي تجيبنا في نهاية هذه المقالة، ونفتح صفحات الرواية.


فانتازيا


أية لعبة تلعبها ميسلون هادي في روايتها الجديدة؟ إنها تكثف الأحداث، وتقننها، تجمع المضادات وتصهرها، لتُخرج لنا خلطة روائية متقنة لا نملك إزاءها سوى الانبهار، حتى وإن جنحت شخصياتها للفانتازيا والانفلات، على الرغم من بساطة تلك الشخصيات التي تبدو مألوفة لدينا وكثيراً ما نصادفها في الحياة.  عندما تتجاور المرارات مع الضحكات، ليس أمامنا الا أن نضحك، أليس شر البلية ما يُضحك؟ ما أحوجنا في هذا الزمن أن نعيد لشفاهنا ما هرب منها من ضحكات، فالحياة ليست دائماً مأساة مغلقة.. يمكننا أن نسمع أيضاً أغنية تنساب من مذياع  مهجور، لنخفف من وطأة الأحزان، يمكننا أن نعقد هدنة من حين لآخر كيما نتنفس هواءً نقياً لا يخالطه غبار الهموم، تريد ميسلون هادي أن نفتح نافذة نطل من خلالها على الجوانب الأخرى من الحياة، فالضحكة أداة تعبير وتحرير، نعبر من خلالها عن أمنياتنا بمستقبل آمن، ونتحرر من أكداس الهموم المعتقة داخل أرواحنا المتعبة، والضحكة سلاح ندافع فيه عن وجودنا في أحلك الظروف، ونعي بأننا بشر ما خلقنا للأحزان حسب، على الرغم من  أن الكاتبة لا تسقط الأحزان من روايتها، لكن عبر تلك الأحزان تسرّب إلينا ضوءاً مبهراً لنتوقف ونمنح أنفسنا بعض ما تستحق.
اسمه غريب، ذلك الروائي الذي تتحدث الرواية عنه وبلسانه (دافع فكري الروائي) الذي قرر أن يأخذ استراحة من متاعب الكتابة، ويمنح نفسه فرصة لراحة الذهن، فسافر الى إحدى المدن، وفي السيارة التي أقلته جلس الى جانبه رجل يدعى حسن، وكما يحدث بين الركاب الغرباء مع بعضهم فيتبادلون الدردشة، حدث بينهما كلام عابر عندما قال حسن للروائي وهو يتطلع الى المكان الذي تسير فيه الحافلة (كان معسكرنا يقع هناك، عندما كنا جنوداً نؤدي الخدمة الإلزامية بعد تخرجنا من قسم الاجتماع في جامعة بغداد، وصل قادتنا خبر الانسحاب من الكويت قبل أن يسمعوا دوي الطائرات التي تحارب التمرد الكردي، تبخروا من أمام أعيننا في لحظات، فتبخرنا أيضاً). 
من هنا تبدأ الحكاية التي يقصها حسن على الروائي دافع فكري، وكلما توغل بالتفاصيل تحركت الشخصيات في رأس الروائي، ليقرر بعد ذلك كتابة رواية عن حسن ورفاقه الجنود، الذين بعد أن تبخّر قادتهم، ضلّوا طريق العودة، ومشوا بلا هدف بعد أن خلعوا ملابسهم العسكرية.. يمكن القول: إننا أمام خمس قصص في هذه الرواية تتوازى مع بعضها، ثم تلتقي، وبعدها تنتهي حينما تتفرق السبل بهم، إضافة الى حكاية الروائي التي تتسرب إلينا في سياق الرواية.  ثمانية وثمانون يوماً من التعب والبحث يصل الجنود أخيراً الى مقر بعثة الصليب الأحمر عند الحدود العراقية التركية، ومن هناك يطلبون اللجوء الى أميركا وكندا، لكن حسن ما يلبث أن يقرر العودة إلى بغداد مشياً على الأقدام، وسيلحق به رفاقه فيما بعد، ومن خلال تلك الرحلة المضنية تتكشف تفاصيل كثيرة عن حياتهم. ليس فيما ورد أية فرصة لطرفة أو مزحة، لكن (دافع فكري الروائي) حينما طلب من حسن بعض المعلومات عن كل واحد منهم ليكتب رواية، وردّ حسن بأنه لم يعد يعرف ماذا حدث لهم بعد أن تفرقوا، قرر أن يكتب مصائرهم بطريقة تفرضها مخيلة الروائي، ومن هنا تُدخلنا ميسلون هادي الى عالم المرح والقفشات بأسلوب ساخر مميز، من خلال ما يراه (دافع فكري الروائي) وما تشطح به مخيلته. سنمر بمدن كثيرة كأننا نقوم بجولة سياحية، فنتعرف على جغرافية تلك المدن وناسها وأطعمتها، شقلاوة وأربيل وجنديان وديانا وشلالات بيخال وشلالات كلي علي بيك وغيرها.. ونتعرف على الكثير من الشخصيات التي تزخر بها الرواية، شخصيات بسيطة تضفي على العمل نكهة خاصة ومميزة، ياسين القجغجي وطه المصور وحسنية خاتون المولعة بحفظ المعلومات عن الفنانين، وبسيوني المصري، وشدهة التي أصبح اسمها المسز شادا حينما هاجرت الى أميركا، والراقصة رانا التي اعتزلت الرقص، والمترجم اللبناني نعيم نعيمة الذي يختلط عليه الأمر أثناء الترجمة بسبب اختلاف اللهجات العربية.


مبررات التهكم ليس عليّ أن أحكي لكم ما فعلته الكاتبة المتخفية وراء شخصية الروائي لتصنع مصائر شخصياتها، أترك لكم متعة القراءة، فأنتم بحاجة الى المرح الذي نكاد ننساه، أو نسيناه في زحمة الأحزان. نعود للسؤال الذي ورد في بداية هذه المقالة: حول السبب الذي دعا ميسلون هادي الى أسلوب التهكم والسخرية، تقول الكاتبة في أحد حواراتها: مع تقدم العمر وتراكم التجربة وتحديث الخبرات، بدأت أنظر الى الأمور بشكل مختلف، بمعنى أن رسم مسارات معينة تخضع لقوالب معينة ومقاييس نجاح أو فشل معينة، أصبح موضع اختبار وإعادة نظر بالنسبة لي ولعوالم رواياتي على وجه التحديد، ولهذا انعطفتُ الى السخرية، لأنني وجدت في هذا التهكم خروجاً من مأزق غياب الحقيقة، أو نسبيتها واختلافها من شخص لآخر، فكيف لي أن أقترب منها بجدية دون أن أتهكّم عليها؟.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

ميسلون هادئ……غزارة الإنتاج وبراعة الأداء.

ميسلون هادئ……غزارة الإنتاج وبراعة الأداءمن الأحداث الفارقة والمائزة في حياتي،هو اللقاء بالروائية المبدعة ميسلون هادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *